السعودية تستعد لتراجع النفوذ الإيراني في العراق

السعودية تستعد لتراجع النفوذ الإيراني في العراق

بغداد – تراهن السعودية على لعب دور أكثر فاعلية في العراق في سياق استراتيجية جديدة تقوم على تقوية التأثير السعودي اقتصاديا ودبلوماسيا وأمنيا في المنطقة لمواجهة التمدد الإيراني، وتوظيف الاستثمارات السعودية في توفير بديل يملأ الفراغ الذي يتلو تراجع النفوذ الإيراني في العراق بعد سريان العقوبات الأميركية.

يأتي هذا فيما يعيش العراق نقاشا واسعا بشأن العلاقة مع إيران والكيفية التي يمكن من خلالها لبغداد أن تحد من تأثير العقوبات الأميركية على طهران، والذي يتوقع أن يكون كبيرا في ظل ثقل النفوذ الإيراني في البلاد.

وبالتزامن مع الإعلان عن زيارة قريبة لوفد سعودي إلى العراق، لإطلاق مشروع الملعب الرياضي، الذي وعدت الرياض بغداد بإنشائه، تلقى رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، اتصالا هاتفيا من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بحثا خلاله عددا من الملفات التي تهم البلدين.

وقال المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي، الخميس، إن عبدالمهدي تلقى اتصالا من ولي العهد السعودي عبر فيه عن “تأييد الرياض الكامل للعراق في ما يخص أمنه واستقراره”.

ووفقا للبيان، فقد قدم عبدالمهدي الشكر لولي العهد السعودي، معربا عن “ترحيب العراق بتطور العلاقات بين البلدين”.

وكشفت مصادر سياسية عراقية لـ”العرب” أن الملف الرئيسي، الذي هيمن على المباحثات الهاتفية بين عبدالمهدي وولي العهد السعودي، يتعلق بالعقوبات الأميركية على إيران، وأن الجانبين بحثا إمكانية تزويد العراق بالطاقة الكهربائية، وتعويض الكهرباء التي تستوردها بغداد من طهران حاليا.

وفي غضون شهور، سيكون على العراق الامتناع عن شراء الكهرباء، التي يحتاجها بشدة خلال شهور الصيف، من إيران، استجابة للعقوبات الأميركية.

وتؤكد المصادر أن الأمير محمد بن سلمان عبر لعبدالمهدي عن استعداد السعودية لسد النقص الحاصل في قطاع الطاقة، في حال منعت العقوبات الأميركية العراق من شراء الكهرباء الإيرانية، وأن الرياض مستعدة لتوفير الطاقة الكهربائية وتمويل مشاريع نقلها وفق صيغة تسهيلات تحرر العراق من أي التزام مالي حرج.

وكشفت المصادر عن أن المسؤول العراقي استفسر من ولي العهد السعودي، خلال المكالمة، عن إمكانية أن توفر الرياض جانبا من البضائع التي يعتمد العراق على إيران في شرائها.

وبحسب مسؤولين عراقيين، فإن بغداد ستكون ملزمة، بحلول مايو القادم، بالامتناع عن شراء قائمة طويلة من السلع الرئيسية والمواد الأولية عبر إيران، لذلك أطلقت خطة لدراسة البدائل.

وكان الرئيس العراقي برهم صالح بحث مع المسؤولين السعوديين، لدى زيارته الرياض في نوفمبر الماضي، سبل التعاون لسد احتياجات العراق في قطاعي الطاقة والاقتصاد، حال اضطراره إلى الالتزام بتنفيذ العقوبات الأميركية على إيران.

وتقول المصادر إن عبدالمهدي والأمير محمد بن سلمان ناقشا، كذلك، ملف الهدية السعودية للعراق، والمتمثلة بإنشاء ملعب كبير يتسع لـ100 ألف متفرج في بغداد.

وفي غضون ساعات من المكالمة، أعلن وزير الشباب العراقي أحمد رياض العبيدي أن وفدا سعوديا سيزور العاصمة العراقية في العاشر من الشهر المقبل، للإعلان عن بدء العمل في مشروع الملعب الرياضي، الذي أهداه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز للعراق، خلال حقبة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي التي شهدت تطورا كبيرا في العلاقات بين البلدين.

وقال الوزير العراقي إنه اتفق مع السفير السعودي ببغداد، على ترتيب زيارة وفد سعودي إلى بغداد الشهر القادم “لوضع اللمسات الأخيرة إيذانا ببدء العمل بالملعب”.

وأضاف العبيدي أن “اللقاء سيتضمن الاتفاق النهائي على مكان بناء الملعب إلى جانب سعته والتفاصيل الفنية واللوجستية الأخرى، وذلك من خلال وضع لجنة تنسيقية مشتركة لهذا الغرض”.

وتتواصل خطوات بناء الثقة بين العراق والسعودية، بعد قطيعة دامت أعواما طويلة، في وقت تتحمس فيه الرياض لدخول العراق من عدة بوابات، أبرزها السياسة والاقتصاد. وكان البلدان قد شكلا في فترة سابقا مجلسا لتنسيق المشاريع الاقتصادية.

وتخطط السعودية لتنفيذ استثمارات متعددة الأبعاد في مختلف مناطق العراق لإيمانها بأن النفوذ الذي يستمر هو الذي يقوم على بناء شراكة في المصالح المتبادلة، وليس تحويل العراق إلى واجهة متقدمة في الحرب مع الولايات المتحدة كما تفعل إيران.

ويقول مراقبون عراقيون إنه في حال لم تمدد الولايات المتحدة المهلة الممنوحة للعراق بعدم تطبيق العقوبات، فإن السوق العراقية ستشهد شحا في المواد ما يسبب حرجا كبيرا للحكومة التي يسعى رئيسها للملمتها بصعوبة بالغة.

ويؤكد مراقب سياسي عراقي في تصريح لـ”العرب” أنه ليس من المستبعد أن يهيئ العراق نفسه لمواجهة أسوأ الاحتمالات من خلال الاطمئنان إلى أن البديل السعودي سيكون جاهزا في الوقت المناسب، ما يسمح للرياض بأن تكون موجودة من غير أن تصطدم بجدار الميليشيات التابعة لإيران بعد أن تكون تلك الميليشيات قد فقدت ورقة الضغط على حكومة عبدالمهدي.

ولا تتعلق المسألة بالسياسة بقدر تعلقها بالوضع الاقتصادي العراقي الذي سينهار فيما لو أن الحكومة العراقية عجزت عن توفير بديل مناسب لإيران التي ستواجه في الأشهر المقبلة تشديدا للعقوبات بعد أن تنتهي المهل الممنوحة لعدد من الدول بالتعاون معها.

ولن يكون بمقدور القوى السياسية العراقية الموالية مواجهة المرحلة المقبلة بطريقة متشددة إلا إذا رغبت في إسقاط حكومة عبدالمهدي التي ستكون عاجزة عن مواجهة أزمات اقتصادية مضافة في حال فشلها في الحفاظ على سيولة وصول البضائع إلى السوق العراقية وبالأخص ما يتعلق منها بالغذاء والدواء.

واستبعد المراقب أن تغامر تلك القوى بإسقاط الحكومة والعودة إلى المربع الأول لكونها تخشى المفاجآت التي يمكن أن تقع بسبب ما يمكن أن يسببه نقص في المواد الغذائية من فوضى.

العرب