سؤال موجه إلى طالب عراقي: ماذا تفعل في بغداد وأنت من الأنبار؟

سؤال موجه إلى طالب عراقي: ماذا تفعل في بغداد وأنت من الأنبار؟

gh-1821

“يا للأسى، كيف وصل حال الطالب العراقي إلى هذه الدرجة من السوء!“، بهذه الكلمات اختصرت الطالبة “راوية سامي” المعاناة التي تعيشها وزملاؤها، في ظل التعقيدات الأمنية، ومخاطر التنقل، والمستقبل القاتم؛ خلال لقاءات أجرتها “التقرير” لرصد واقع الطلاب العراقيين في فترة الامتحانات.

مع بداية عام 2014، باشرت القوات الأمنية عملياتها القتالية على مدينتي الرمادي والفلوجة بعد سيطرة تنظيم الدولة على معظم أحياء الرمادي، وكامل مدينة الفلوجة؛ ما أدى إلى مزيد من العقبات التي أثّرت سلبًا على مؤسسات الدولة، ومن بينها القطاع التعليمي.

5

اتخذت إدارات الجامعات في محافظة الأنبار إجراءات بديلة لضمان سير وإتمام العام الدراسي؛ تجنبًا لضياع سنة دراسية على الطلاب. حيث تمكن طلاب جامعة الأنبار من أداء الامتحانات النهائية في العاصمة بغداد. أما كلية المعارف، غير الحكومية، فتمّ نقل طلابها إلى كلية الفارابي في بغداد، وإلى كلية الكتاب الجامعة الأهلية في محافظة كركوك.

يقول الطالب عبد الله سلمان، من سكان مدينة الرمادي، في حديثه لـ “التقرير”: “إنّ تأثير المعارك كان كبيرًا على سير الدراسة والامتحانات خلال العام الدراسي؛ فلم نُتمم دراسة المواد في جامعة الأنبار، واضطررنا للدراسة في البيت، والقدوم مباشرة، رغم الشروط القاسية التي وضعتها الحكومة لدخول أهالي الأنبار. كنّا نعاني كثيرًا على الحواجز العسكرية عند مداخل العاصمة لإثبات أنّنا جئنا لأداء الامتحانات بقرار من وزارة التعليم العالي“.

2

يعيش الطالب عبد الله سلمان مؤقتًا في حي الغزالية، غرب العاصمة، ويتوجب عليه استنزاف ساعة ونصف الساعة كلّ يوم من وقته لأداء الامتحان في حي الدورة، جنوب بغداد. كما أن هذه الرحلة اليومية تفرض عليه المرور عبر عشرات الحواجز التي تقيمها الميليشيات في العاصمة، والتدقيق في البطاقة الشخصية، والإجابة على “عشرات الأسئلة، مثل: ما الذي تفعله في بغداد وأنت من الأنبار؟ ما هي وجهتك؟ وما الغرض من ذهابك إلى هذا المكان أو ذاك؟ وغيرها من الأسئلة التي تزرع كثيرًا من الخوف أحيانًا، والمزيد من التشكيك في حقيقة انتمائي للعراق. لكن، لا بأس، عليّ أنْ أُؤدي الامتحانات وأعود إلى مدينة الرمادي؛ على الأقل هناك لن أشعر بالغربة، ولا بالتسلط حتى وإنْ كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية“، على حد قوله.

1

الرغبة في أداء الامتحانات وعبور المرحلة الدراسية، أسوة بأقرانهم في المناطق الآمنة، ومن ثم العودة السريعة إلى مدينة الرمادي؛ يشترك فيها غالبية الطلاب الذين يؤدون امتحاناتهم في العاصمة، أو في أبي غريب (غرب العاصمة)؛ حيث توجد كليتا الزراعة والبيطرة التي استوعبت قسمًا من طلاب جامعة الأنبار.

تقدم وزارة التعليم العالي، بشكل استثنائي، منحة تعادل حوالي 500 دولار لمرة واحدة للطلاب الذين يؤدون امتحاناتهم في كليتي الزراعة والبيطرة في أبي غريب دون غيرهم، لكنّ هذه المنحة “تكفي فقط لسداد جزء من المصاريف؛ إذ يترتب على الطالب دفع بدلات إيجارات السكن، والنقل اليومي، إضافة إلى الطعام وغيره“، كما يقول الطالب حسين عبد الخالق.

ويضيف: “نحن أفضل حالًا من باقي الطلاب الذين عانوا الأمرّين في داخل بغداد من ممارسات نقاط التفتيش والإجراءات الأمنية، نحاول قضاء فترة الامتحانات والعودة لمُدننا وبيوتنا، كلنا عزمنا على ذلك؛ فنحن كطلاب ندفع ثمن انتكاسة أمنية يمرّ بها العراق ومستقبلنا في خطر، نحن كطلاب من أهل السنة نعتبر أنفسنا بعد التخرج عاطلين عن العمل؛ فكيف إنْ لم نتخرج؟”.

ويأمل في ختام حديثه أنْ يعود العراق كما كان واحدًا موحدًا، أرضًا ومجتمعًا؛ متخلصًا من إفرازات غزو العراق واحتلاله، وأنْ يعيش الجميع متساويًا في الحقوق والواجبات.

 3

أما الطالبة راوية سامي، فتتحدث عن حجم المعاناة التي تتعدى الجوانب العلمية والأمنية إلى جوانب مادية تثقل كاهل ذوي الطلاب المكلفين بدفع بدل أقساط الدراسة، وشراء الكتب، وتكلفة التنقل، وإيجارات الإقامة في بغداد، التي “لم تتعامل حكومتها معنا كأبناء لهذا البلد“، كما تقول.

وتعقب على إجراءات تتخذها إدارات الكليات غير الحكومية، مثل كلية المعارف الجامعية التي “سحبت أوراق الامتحانات لمدة نصف ساعة حتى يقوموا بتسديد ما بذمتهم من مبالغ متأخرة، أو توقيع تعهد شخصي بدفعها في اليوم التالي؛ وهي الإجراءات التي خلقت حالة من الإحباط النفسي لدى الطلاب الذين يعيشون مثل هذه الظروف التي تدعو إلى الأسى والتساؤل: كيف وصل حال الطالب العراقي لهذه الدرجة من السوء!“.

بسبب البطالة، وغياب الاستقرار الأمني؛ يمارس الكثير من الطلاب نشاطات اقتصادية معينة تعينهم في تحمل تكاليف دراساتهم من جهة، وإعالة عوائلهم من جهة أخرى، وآخرون اضطروا إلى ترك مقاعد الدراسة حتى يتفرغوا للعمل من أجل تأمين لقمة العيش لهم ولعوائلهم، كما أنّ التكاليف العالية لبدلات الدراسة في الكليات والجامعات غير الحكومية سببٌ آخر من بين أسباب عدّة ورد ذكرها.

يقول أستاذ اللغة العربية “خليل المصطفى”: “تدفع الكليات غير الحكومية نسبة من إيراداتها إلى وزارة التعليم العالي، كما تدفع أجور الكليات والجامعات المستضيفة ورواتب للكادر التدريسي وبدلائهم، وفي حال لم تُسدّد الكليات ما عليها من مستحقات للوزارة؛ سيتم سحب الاعتراف بها“، ويضيف، “إننا لم نلمس أي جدية من الحكومة لحل مشكلة طلاب مناطق الصراع العسكري، نحن نتحدث عن مستقبل جيل كامل مهدد بالضياع، وهنا نوجّه رسالة إلى وزارة التعليم أن تلتفت لهذه الكارثة التعليمية، وأن تجد حلولًا فورية؛ فالكوادر الجامعية غير قادرة على توفير بدائل للطلاب حتى يؤدوا امتحاناتهم“.

6

 بعد نزوح العديد من عوائل الأنبار إلى كردستان قبل دخول تنظيم الدولة إلى الرمادي، توجّه طلاب محافظة الأنبار من كردستان إلى بغداد بُغية إجراء الامتحانات، ليتفاجؤوا بفتح مركز بديل في كركوك القريبة منهم؛ وذلك لأن الوزارة لم تُعلن ذلك، فتحمل الطلاب مصاريف فوق طاقتهم حتى عادوا إلى كركوك.

وعن ذلك، يقول طالب كلية القانون “عبد الرحمن حميد”: “قدّمنا طلبًا لعمادة الكلية أن تكون هذه المصاريف مخصومة من قيمة القسط الذي ندفعه كمصاريف دراسة؛ إلا أن رفض الكلية جاء سريعًا، باعتبار هذه المصاريف مسؤولية تقع على عاتق الطلبة والكلية غير ملزمة بها“.

الطالب مصطفى حسين مخلف يدرس في قسم المالية والمصرفية، يقول عن مستواه التعليمي إنه الآن دون المقبول بعد أن كان فوق المتوسط؛ بسبب الظروف. يضيف مصطفى: “الظرف المادي سيئ جدًا؛ لأنني كنت أعمل سابقًا كبناء، والآن لا أملك مصدر رزق وأعتمد في دراستي على راتب أخي المتقاعد، وأؤدي امتحاناتي في بغداد رغم الخطر؛ لعدم قدرتي المالية على الذهاب إلى كركوك التي تعتبر أفضل أمنيًا للطلاب السنة. تركت أهلي في الرمادي وأُقيم الآن عند أقاربي، وكنت قد قررت أن أعود لأهلي بعد الامتحانات؛ إلا أن أقاربي ألحوا عليّ للبقاء في الفترة الحالية. لم أسدد القسط الدراسي، وقد وقعت تعهدًا مثل بقية الطلاب أن أسدد بعد شهر وإلا تعتبر نتيجتي لاغية”.

كما يضيف أن معاناة الطلاب العامة والمشتركة هي الظروف المادية؛ إذ “لا تتوفر لدينا أبسط مستلزمات الدراسة، الظروف فرضت علينا العديد من الأمور. كطالب في قسم لا يعتبر من الأقسام التي تتطلب الكثير من الاحتياجات، أحتاجُ يوميًا ما يعادل 10 دولارات من أجل الاستنساخ ومستلزمات يومي الدراسي دون أجور النقل، وسأحاول خلال هذا الشهر العثور على عمل من أجل تسديد القسط. أنا كغيري لا أعلم كيف سأوفر المبلغ المطلوب، والعديد من الطلاب قرروا ترك السنة الدراسية وتأجيلها بسبب القسط المادي. وأستطيع أن إقول لك إن نسبة رسوب وترك الطلاب للدراسة هذه السنة ستفوق 60 %، قياسًا على حضور الطلاب”.

يذكر أن تنظيم الدولة الإسلامية وضع مناهج دراسية لأغلب مناطق سيطرته في كل من العراق وسوريا؛ إلا أن مدينة الرمادي التي دخلها مؤخرًا لم يُتمّ فيها الطلبة امتحاناتهم؛ مما اضطرّهم للذهاب إلى العاصمة. كما أن التنظيم قام بعدة تغييرات جذرية على المناهج التعليمية بحذف مواد وإضافة أخرى تتناول أغلبها مواد الشريعة الإسلامية، وأيضًا قام بتغيير النظام التعليمي من حيث التسلسل العلمي للكليات ومُتطلّبات معدل الدخول للجامعة.

عبد الله العمري – التقرير