سلاح أمريكا المتطور في أيدي الجهاديين: أين المفاجأة؟

سلاح أمريكا المتطور في أيدي الجهاديين: أين المفاجأة؟

ما خلا بعض المعلومات التفصيلية المحدودة وزيارة مواقع على الأرض في مدينة تعز اليمنية، لا جديد غير معروف سابقاً في التحقيق الذي أجرته محطة سي إن إن الأمريكية مؤخراً حول وصول أسلحة ومعدات أمريكية إلى ميليشيات مرتبطة بمنظمة القاعدة أو إلى ميليشيات حوثية تحظى بمساندة إيران. ولا جديد أيضاً في خلاصة المحطة حول قيام السعودية والإمارات بتسليم تلك الأسلحة والمعدات لأكثر من فريق ثالث، خلافاً للشروط التعاقدية مع وزارة الدفاع الأمريكية، وذلك في مسعى لتجنيد الميليشيات أو شراء ولاء القبائل اليمنية لصالح الجهد العسكري السعودي والإماراتي في اليمن.
ومنذ تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، كانت صحف عالمية ووكالات أنباء ومواقع مستقلة قد كشفت معطيات ملموسة عن انتقال عربات مدرعة ومنصات صواريخ وعبوات ناسفة وبنادق متطورة، من صنع أمريكي وأوروبي، إلى صفوف مقاتلين يوالون السعودية والإمارات في اليمن. ولم يكن الأمر مستغرباً بالنظر إلى أن المغامرة العسكرية السعودية ــ الإماراتية في هذا البلد المنكوب وصلت إلى طريق مسدود، عسكرياً وسياسياً، الأمر الذي أباح لقيادات الرياض وأبو ظبي استخدام كل الوسائل وانتهاك جميع المحرمات في محاولات محمومة لتخفيف وطأة المأزق والخروج من النفق.
لكن المفارقة الكبرى تتمثل في أن قوات «عاصفة الحزم» السعودية والإماراتية التي تتمركز في مساحات واسعة من اليمن، شماله وجنوبه، لم تتردد في تسليم تلك المعدات إلى الميليشيات الجهادية والسلفية المعروفة باسم «كتائب أبو العباس»، رغم أن عادل العزي مؤسس هذه الميليشيا وقائدها مسجّل على لائحة الإرهاب المعتمدة رسمياً في الولايات المتحدة. صحيح أن البنتاغون أبلغ محطة سي إن إن بوجود تحقيق داخلي حول الأمر، إلا أن هذا الإجراء يصعب أن ينتهي إلى مستوى المحاسبة ما دام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يرفض أي وكل «حماقة» يمكن أن تمس مئات المليارات من عقود مبيعات الأسلحة إلى الرياض وأبو ظبي.
مفارقة أخرى تدعو إلى السخرية هي أن إدارة ترامب لا تكف عن رص الصفوف وحشد الجهود لمحاصرة ما تسميه «الخطر الإيراني» على المنطقة، وخاصة في ميادين الصناعات العسكرية والسلاح النووي، ولكنها في الآن ذاته توفر للخبراء الإيرانيين الكثير من الفرص الذهبية للاطلاع على أسرار التكنولوجيا العسكرية الأمريكية. ذلك لأن المعدات والأسلحة الأمريكية الصنع لا تتسرب عن طريق الحلفاء السعوديين والإماراتيين إلى كتائب الجهاديين المرتبطين بمنظمة «القاعدة» وحدهم، بل تصل كذلك إلى كتائب الحوثيين الذين يسعدهم دائماً إيصال عينات منها إلى مختبرات طهران.
افتضاح المزيد من المعطيات حول توفير أمريكا ذاتها العدة العسكرية لأولئك الذين تطلق عليهم صفة «الإرهابيين» لا يشكل مفاجأة بالقياس إلى جشع رئيسها الهائل إلى استدراج العقود والاستثمارات أياً كانت العواقب، حتى عن طريق الابتزاز العلني لحكام الرياض وأبو ظبي. لكنه أيضاً لا يشكل مفاجأة بالقياس إلى التخبط السعودي والإماراتي في البحث عن المخارج، أو محاولة التقليل من حجم التناقضات التي تعصف بخيارات البلدين السياسية والعسكرية في اليمن، حيث تجند أبو ظبي في الجنوب ما تقاتله الرياض في الشمال.

القدس العربي