ترشّح بوتفليقة: عواقب «الاستقرار» في عالم متحرك!

ترشّح بوتفليقة: عواقب «الاستقرار» في عالم متحرك!

أعلن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة رسميّا أمس ترشّحه لولاية خامسة في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في 18 نيسان/إبريل من هذا العام، وأشار في تصريح ترشيحه إنه لم يعد «بنفس القوة البدنية التي كنت عليها» لكن «الإرادة الراسخة لخدمة وطني لم تغادرني» واعدا باجتياز الصعاب المرتبطة بالمرض، ومعقبا أن أي شخص «يمكنه التعرض» للمرض في هذه الأيام.
إشارة بوتفليقة الأخيرة مهمة لكنّها تتجاهل أن قصة الرئيس الجزائري مع المرض تعود لعام 2005 (أثناء ولايته الثانية) حين نقل إلى مشفى عسكري شمال باريس ليمضي قرابة شهر في سرية تامة وأن تدهور أوضاعه الصحية استمرّ منذ ذلك الحين، ويبدو أنه، في عام 2012 (أي خلال عهدته الرئاسية الثالثة) فكّر بأن الوقت آن لتسليم العهدة قائلا «جيلي طاب جنانو»، أي أن الوقت قد حان لتخلي جيله عن السلطة، معقبا: «لا يكلف الله نفساً إلا وسعها».
لكن الذي حصل هو أن «جيل بوتفليقة» قرّر التمسّك بالسلطة رغم أن رئيسه أصيب بعدها بجلطة دماغية أوقفت أجهزته العضوية قرابة 20 دقيقة قضى بعدها قرابة 80 يوما في فرنسا ليعود إلى بلاده على كرسيّ متحرّك، وهو ما جعل البلاد تعيش عملياً مرحلة فراغ كبير في السلطة، ولكنّها، في الوقت نفسه، شهدت تغييرات كبيرة على مستوى المؤسسات الأمنية والعسكرية والسياسية، كان على رأسهم مدير المخابرات الجزائرية المدعو بالجنرال توفيق، وكذلك المستشار والوزير المقرب من بوتفليقة عبد العزيز بلخادم، وهو يعني أن أجنحة في النظام الجزائري استعانت برمزيّة بوتفليقة التاريخية، وهو أحد الشخصيات التي كانت موجودة منذ بداية الاستقلال، كوزير للرياضة في حكومة أحمد بن بلة، ثم وزيرا للخارجية في حكومة هواري بومدين، قبل أن يغيب لعقدين ثم يعود بعد استنفاد الرموز التاريخية، كمحمد بو ضياف، الرئيس الذي تم اغتياله، وحسين آيت أحمد، المعارض المقيم في الخارج، وعبد الحميد مهري الذي رفض استلام الحكم. إضافة إلى مسألة «الرمزية التاريخية» التي جاءت ببوتفليقة يمكن تفسير ترشيحه الجديد الذي يتحدى المرض والزمن إلى أن أجنحة النظام الثلاث التي يمثلها تحالف الجنرال علي بن علي، قائد الحرس الجمهوري، مع السعيد بوتفليقة (شقيق الرئيس)، وجناح الفريق أحمد قايد صالح، قائد أركان الجيش الجزائري (ويعتبر بعض المحللين أنه الجناح الأقوى حاليا)، وجناح الجنرال بشير طرطاق، والذي عين مسؤولا عن المخابرات بعد إقالة الجنرال مدين (توفيق).
ورغم وجود معارضة داخلية واستنكار إعلامي دوليّ لاستمرار بوتفليقة، فالأغلب أن النظام حصل على موافقة دولية، وبالخصوص فرنسية وأمريكية، على هذا القرار، ويعود ذلك إلى أن النظام، كما هو حال أغلب الأنظمة العربية، قام بتجويف الفضاء السياسي وفكّك إمكانيات وجود معارضة حقيقية له. ويشكل ما يتعرض له الجنرال علي غديري، الذي أعلن ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية أمام بوتفليقة، مثالاً واضحاً على عدم تسامح النظام حتى مع العناصر المحسوبة عليه، وتداولت صحف أنباء عن اعتقال 13 ضابطا كبيرا لمجرد اتصالهم هاتفيا بغديري، وعن إبعاد شقيق له، برتبة مقدّم، إلى الصحراء كطريقة للضغط. لقد قام بوتفليقة في ولايتيه الأولى والثانية بإنجازات تحسب له أعطت انطباعا بأن الجزائر خرجت من تداعيات «العشرية السوداء»، ولكن المرض جعله عام 2014 غير قادر على إكمال القسم الرئاسيّ والنطق به كاملا حينها، وهو ما جعل بعض القوى السياسية يعتبر أن «العهدة باطلة»، وما حصل بعد ذلك أن الوعود الباذخة بالديمقراطية، وإنجازات «المصالحة» و»الوفاق» و»الاستقرار» لم تعد كافية لتبرير رغبة أجنحة الحكم بتأبيد بوتفليقة وصار الاستقرار معادلا للجمود والانكفاء على الماضي والتشبّث المرضيّ بالسلطة، وكانت عواقب ذلك على الجزائر والجزائريين عظيمة.

القدس العربي