ماذا لو لم يتنحى مبارك قبل ثماني سنوات؟

ماذا لو لم يتنحى مبارك قبل ثماني سنوات؟

“لولا الثورة لكان كبيرهم (قادة الجيش المصري) يحلف اليمين أمام جمال مبارك محافظا لبني سويف أو البحيرة”. جملة قالها الصحفي والبرلماني السابق محمد عبد العليم داود إبان أزمة اقتحام الشرطة نقابة الصحفيين عام 2016، ويبدو أنها إحدى إجابات السؤال الذي يردده مصريون كل عام في ذكرى تنحي مبارك: ماذا لو لم تنجح ثورة يناير في إجبار مبارك على التنحي؟

كان المتظاهرون يتوقعون جحيما إذا فشلت الثورة في إسقاط مبارك، وكانوا يرون أن أي ابتعاد عن ميدان التحرير (وسط القاهرة) قبل خلع مبارك سيجعله مقبرة للثوار، مشيرين إلى لافتة رُفعت كثيرا خلال الأيام 18 للثورة تقول “أنصاف الثورات مقابر للثوار”.

وربما عبّر عمرو واكد -وهو أحد وجوه الثورة من الفنانين- عن هذه الحالة حين قال إنه كان سيتنازل عن الجنسية المصرية إذا لم يتنح مبارك.

لكن بعد مرور عامين وبضعة شهور على تنحي مبارك، قام الجيش بقيادة عبد الفتاح السيسي بالإطاحة بمحمد مرسي أول رئيس مدني منتخب بعد الثورة في يوليو/تموز 2013، ليستقر السيسي لاحقا على رأس السلطة.

وبدت على الأرض أوضاع متناهية القسوة خلقتها القبضة الحديدية التي ضيقت الحياة والحريات على المصريين، حتى وصلت ببعض الثوار إلى ترديد مقولة مؤيدي مبارك “ولا يوم (نرجو يوما) من أيامك يا مبارك”، ولو لم يتنح لما وصلت الحال إلى هذا السوء على جميع المستويات.

هنا نحاول تلمس إجابة للسؤال المكرر في ذكرى الثورة كل عام: ماذا لو لم يتنح مبارك؟ كيف ستكون الأوضاع؟ وما سيناريوهات الثورة بعد فشلها المفترض في إزاحته؟ هل كانت ستستسلم للفشل؟ أم كان الثوار سينجرفون إلى سيناريو حمل السلاح كما حدث في ليبيا وسوريا في ما بعد؟

سيناريو السلاح
يرى محللون سياسيون ومتابعون للشأن المصري أن سيناريو حمل السلاح في مصر صعب التحقق لأسباب موضوعية كثيرة، خاصة مع مبارك الذي كان سيعرف بخبرته كيف يحتوي الثوار، ويحدث تغييرات تهدئ الاشتعال الموجود بالشارع.

ويستشهد المحللون بحالة المنتمين للتيار الإسلامي غداة الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013، فقد شعروا بالظلم والاضطهاد بعد إقصاء مرسي من الرئاسة، وألقي بهم في السجون، وصودرت أموالهم، واستخدم الرصاص الحي في قمع مظاهراتهم، لكنهم لم يحيدوا -بأغلبيتهم- عن النهج السلمي، ولم تعلن جماعة الإخوان المسلمين النية لحمل السلاح أو تلوح بذلك.

ولم يصل أي تيار معروف إلى فتاوى واضحة بتكفير النظام وإهدار دم أفراد الجيش والشرطة، وهي أولى خطوات إقناع الأنصار باتخاذ العنف المسلح طريقا، كما يقول محللون.

أما الحركات الثورية غير الإسلامية فبعيدة -وفقا لخبراء- عن استخدام العنف المسلح في مواجهة النظام.

وهتف بعض الشباب الثوري إبان حكم المجلس العسكري بعد تنحي مبارك قائلين “هتخليها سوريا.. هنخليها ليبيا”، أي أنه إذا تعامل المجلس مع الثوار كما تعامل معهم بشار الأسد في سوريا، فسيُقتل قادته كما حدث لمعمر القذافي وقادته في ليبيا، لكن هذا الهتاف لم يؤخذ على محمل الجد.

انهيار الاقتصاد
يستبعد الخبير الاقتصادي رشاد عبده وصول الاقتصاد المصري لما بات عليه الآن من ضعف وانهيار لو بقي مبارك في الحكم، مشيرا إلى استعانة حكومات عبد الفتاح السيسي بكوادر فاشلة وضعيفة، في حين استعان مبارك باقتصاديين من الصف الأول رفضوا قرارات كتعويم الجنيه، وإلغاء الدعم على الوقود، التي يكتوي الشعب بنيرانها الآن.

وكتبت رولا خلف نائبة رئيس تحرير صحيفة فايننشال تايمز البريطانية مقالا قالت فيه “إن ما حدث للمصريين في عهد السيسي قاد الأمر إلى مراجعة متسامحة مع عهد مبارك، دفعت بعض الشباب الذين ثاروا على مبارك إلى تمني لو لم تقم الثورة من الأساس بعد أن تملكهم اليأس مما حدث”.

وأضافت “لكن لا أحد يعلم كيف كان سيتصرف الرئيس السابق لو نجا من الثورة، وكان أحد الخيارات استبدال الرئيس العجوز بنجله جمال، وكان الجيش والشعب يعارضان سيناريو التوريث، وربما تم تأخير الثورة وليس تجنبها”.

كلام رولا خلف يقود للتساؤل عما كان ستؤول إليه حال شباب الثورة -غير الإسلاميين تحديدا- إذا بقي مبارك، وهل كان الأمر سيدفعهم لليأس والاستسلام لأي سيناريو يفرضه نظام مبارك، الناجي من أكبر حراك شهدته مصر منذ يوليو/تموز 1952؟

إحباط وانسحاب
يرى أستاذ علوم سياسية عُرف عنه دفاعه عن نظام مبارك ثم نظام السيسي ثم تراجعه لاحقا بسبب التخلي عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية؛ أن تعامل مبارك لو فشل شباب يناير في إقصائه عن الحكم سيكون “أحن” كثيرا من مصادرة الحريات والقمع الذي فرضه السيسي على البلاد.

وأضاف الأكاديمي الذي طلب عدم نشر اسمه “بالتالي ستكون للشباب فرصة حتى لو محدودة في المعارضة، وممارسة حراكهم ولكن في حدود، وربما يضطر من نسميهم ترزية القوانين إلى سن قوانين تضيق الخناق على حراك الشارع، ولكن لن تصل لقتله تماما مثلما فعل السيسي”.

وربما يدفع الإحساس بالفشل -يكمل الأكاديمي- كثيرا من الشباب إلى الإحباط، والانسحاب من المشاركة في الحياة السياسية برمتها، ومن تبقى منهم للمشاركة سيضطر للخضوع لقواعد اللعبة الجديدة التي سيفرضها النظام، والتحرك في هامش أضيق بكثير مما كان عليه قبل 2011، انتظارا لمعطيات جديدة تخلقها ظروف دولية وإقليمية، أو محلية في حالة ترشح جمال مبارك للحكم، ومدى غضب القوات المسلحة من ترشح نجل مبارك.

وتوقع أن الأمر كان سيدفع كل القوى التي شاركت بالثورة -بما فيها القوى الإسلامية- إلى مراجعة شاملة لمسيرتهم الرامية للتغيير، والتعرف على الأخطاء التي ارتكبوها في طريقهم، وربما تحدث خلافات جذرية، واتهامات بين قوى الحراك المختلفة، خاصة بين الإسلاميين وغيرهم، وإلقاء تبعات الفشل على كل طرف، مما يؤدي إلى تشتت تلك القوى لسنوات، على حد قول أستاذ العلوم السياسية.

ترشح جمال مبارك
أحد شباب ثورة يناير الذي رفض النزول في 30 يونيو، وعاني من التضييق عليه في عمله قال لنا “إن سيناريو ترشح جمال مبارك للرئاسة –حال فشل الثورة- سيكون هو القبلة الوحيدة التي يمنحها مبارك للثورة المجهضة، حيث سيعيد القوى المعارضة لتوحيد صفوفها في ظل حماية كاملة من قادة القوات المسلحة الذين أخذوا موثقا من مبارك قبيل التنحي بعدم الترشح مرة أخرى أو ترشيح نجله.

القوات المسلحة كانت ستستند في قوتها إلى معطيات أقرتها ثورة يناير على الأرض تتمثل في الغضب القابل للإنفجار المرشح في أى لحظة، والثوار المتوثبين لجولة ثانية يقومون فيها بثورة شاملة-متفادية لأخطاء الأولى- لا تنتهي إلا بإسقاط مبارك، على حد تعبيره.

وتوصلت رولا خلف في مقالها آنف الذكر إلى نتيجة قريبة بقولها “لقد توصل بعض المصريين إلى أن الثورة ضد حسني مبارك كانت وهما، فقد انتفض الناس بالتأكيد، لكن من أطاح به هو الجيش”.

ووفق هذا السيناريو الافتراضي، كانت ستلتقي مصلحة الفريقين حيث يتدثر العسكريون بالثوار لإعطاء انقلابهم على الحكم صورة مدنية (شبيهة بما حدث في 30 يونيو)، ويطمح الثوار للثأر من حاكم ثاروا ضده، وسرعان ما يبدأ الصراع بين العسكر الطامحين للسيطرة حفاظا على إمبراطورية المصالح الضخمة، والثوار مثلما حدث في أحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وغيرها.

الجزيرة