دسائس تركية تعيد التوتر العرقي إلى كركوك

دسائس تركية تعيد التوتر العرقي إلى كركوك

تركيا التي أظهرت تحت حكم رجب طيب أردوغان وحزبه “العدالة والتنموية” نزعة توسّعية غير مسبوقة، تجد في محافظة كركوك العراقية ما يثير الأطماع ويشجّع على إيجاد موطئ قدم فيها، خصوصا وأنّ الذريعة متوفّرة وهي الدفاع عن التركمان وحمايتهم من “الأعداء” الأكراد.

كركوك (العراق) – تُوجّه أوساط سياسية عراقية أصابع الاتهام نحو تركيا في افتعال ضجّة حول كركوك عنوانها أنّ قوات البيشمركة الكردية عائدة بتواطؤ بين بغداد وإربيل إلى المحافظة، التي طُردت منها سنة 2017 على يد الجيش العراقي، بعد الاستفتاء الذي أجراه أكراد العراق على استقلال إقليمهم.

واتهم مصدر سياسي كردي عراقي تركيا بأنّ لها مطامع تاريخية في كركوك قائلا “إنّ أنقرة تتصرّف تحت تأثير عدائها المستحكم لأكراد المنطقة ككل، وإنّ اهتمامها بكركوك هو من منطلق طمعها في السيطرة على أحد أهمّ منابع النفط في العراق”.

وأضاف ذات المصدر متحدّثا من إربيل مركز إقليم كردستان العراق طالبا عدم الكشف عن هويته، إن “تركيا إذ لا تتوقّع بسط سيطرة مباشرة على كركوك، فإنها تريد أن تبقي إدارتها بأيدي جهات تثق بها بعيدا عن أيدي الأكراد حتى تضمن مستقبلا تواصل تدفّق نفطها صوب ميناء جيهان على البحر الأبيض المتوسّط”.

وعلى العموم تخشى تركيا وجود ثروة نفطية ضخمة من حجم تلك التي يحتوي عليها أديم أرض كركوك بين أيدي الأكراد، ما سيشكّل أحد مقوّمات دولة مستقبلية لهم في المنطقة، وهي الفكرة التي تسبّب فزعا شديدا لأنقرة يدفعها لمقاومتها والتصدّي لها بمختلف الطرق، وإن بالقوّة العسكرية.

وحذّر ذات المصدر تركمان العراق من “الانخراط في لعبة تركية تجعلهم في قلب صراع قومي يضرّ بمصالحهم”.

سيطرة الأكراد على نفط كركوك تعني لأنقرة حصولهم على أحد مقومات دولتهم المستقبلية المرفوضة بشدة من تركيا

ومنذ طرد قوات البيشمركة من كركوك في أكتوبر 2017 لا تكفّ حكومة كردستان العراق عن المطالبة بإعادة تلك القوات إلى المحافظة ملوّحة في أغلب الأحيان بالورقة الأمنية وأهمية التنسيق والتعاون في مواجهة تنظيم داعش الذي أثبت في أكثر من مرّة أنّه ما يزال يحتفظ بخلايا تابعة له في كركوك والمحافظات المجاورة لها.

غير أنّ الجهات الرسمية في الإقليم ما تزال تنفي وجود أي تفاهم سرّي أو علني مع حكومة بغداد لإعادة البيشمركة إلى كركوك، على عكس ما تؤكّده الجبهة التركمانية العراقية.

وقال أرشد الصالحي رئيس الجبهة إنّ “كركوك لن تعود إلى ما قبل 16 أكتوبر مرة أخرى”، مضيفا في بيان “عقدنا اجتماعا مُثمرا مع خالد المفرجي، عضو مجلس النواب العراقي عن محافظة كركوك، وقائد العمليات المشتركة الفريق الركن عبدالأمير يارالله، لبحث الوضع الأمني في كركوك”.

كما أشار الصالحي في بيانه إلى وجود “لقاءات سياسية على أعلى المستويات تُجرى حاليا بهذا الخصوص”، محذّرا “لن نسمح بعودة عقارب الساعة إلى الوراء”.

وجاء بيان الصالحي تعقيبا على تصريحات صحافية أدلى بها مستشار برلمان إقليم كردستان العراق طارق جوهر وقال فيها إنّه “لا يمكن للحكومة الاتحادية وحدها أن تحافظ على استقرار المناطق المتنازع عليها، لذا من مصلحة سكان كركوك بكل أطيافهم أن تكون هناك لجنة تنسيق عليا بين القوات المشتركة من البيشمركة والجيش العراقي، لإدارة الملفات الأمنية وحماية الحدود، وفق المواد الدستورية”.‎

وحتى أحداث أكتوبر 2017 كانت مدينة كركوك مركز المحافظة التي تحمل نفس الاسم تخضع لسيطرة قوات البيشمركة التي هي بمثابة جيش لإقليم كردستان العراق، وكانت تلك القوات قد شاركت بفعالية كبيرة في التصدّي لتنظيم داعش الذي غزا مناطق شاسعة من العراق.

وبدا أنّ الإقليم قد استفاد من الحرب ضد التنظيم في تحقيق مكاسب ميدانية تمثّلت في سيطرة قواته على مناطق متنازع عليها مع الحكومة المركزية، حيث بدأ قادته وفي مقدّمتهم رئيس الإقليم آنذاك مسعود البارزاني يتحدّثون عن حدود جديدة للإقليم مفروضة بقوة السلاح، و”مرسومة بالدم” وفق عبارة شهيرة للبارزاني.

لكنّ قرارا أحاديا اتّخذه الإقليم بتنظيم استفتاء على استقلاله في سبتمبر 2017 أيقظ المخاوف العراقية والإيرانية والتركية المشتركة من نشوء دولة كردية في المنطقة ستنتهي حتما إلى المطالبة بأراضي الأكراد الممتدة داخل أكثر من بلد. وعلى هذه الخلفية شاركت تركيا بقوّة إلى جانب إيران والحكومة العراقية في اتخاذ إجراءات صارمة سياسية واقتصادية لإحباط تنفيذ نتيجة الاستفتاء.

وتخشى أنقرة اليوم أن تتراجع بغداد وتعيد التمكين للأكراد في كركوك بضغط من الولايات المتحدة، التي ترى ضرورة تواصل التعاون والتنسيق بين الجيش العراقي وقوات البيشمركة في التصدّي لفلول داعش وخلاياه النائمة.

ومؤخرا شرعت وحدات من الجيش العراقي في تنفيذ إعادة انتشار في كركوك، تنفيذا لقرار حكومي صدر في ديسمبر الماضي ويقضي بانسحاب قوات مكافحة الإرهاب من المدينة. وسُجّل خلال الشهور الماضية تحسّن في العلاقة بين بغداد وأربيل اللتين شرعتا في التنسيق لتغطية الفراغات الأمنية، وهو ما رأى فيه تركمان كركوك بوادر عودة البيشمركة إلى المدينة.

ووصف عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني علي الفيلي ما يثار بهذا الشأن بـ”الضجة المفتعلة” التي “يُراد منها التجني على البيشمركة”. كما حذّر الفيلي في حديث لموقع السومرية الإخباري من أنّ “الأصوات المتشنّجة تريد إعادة عقارب الساعة للخلف والاقتتال المكوّناتي”، مؤكّدا “حتى اللحظة لم يصدر شيء رسمي بأنّ قوات البيشمركة ستعود إلى كركوك أو لا تعود”.

وتقول مصادر عراقية إنّ تركيا تحاول استخدام تركمان العراق جسرا للتدخّل في قضية كركوك، وذلك استنادا إلى تصريحات واضحة لمسؤولين حزبيين وحكوميين أتراك من بينهم زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي، الذي سبق له القول إن الأقلية التركمانية العراقية التي تربطها صلات عرقية بتركيا لن تترك لحالها في كركوك، مشيرا إلى وجود الآلاف من المتطوعين القوميين “المستعدين للقتال من أجل الوجود والوحدة والسلام في المدن التي يقطنها التركمان خاصة كركوك”، وأيضا الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن الذي سبق له القول إن “كركوك فيها الأكراد وفيها العرب أيضا، إلا أنّ الهوية الأساسية لها أنها مدينة تركمانية”.

العرب