البغدادي ..كان في كركوك

البغدادي ..كان في كركوك

abu-baker-baghdady

 الحرب التي انطلقت ضد “داعش” يقول عنها رعاتها: انها مفتوحة ومختلفة بطبيعتها وأهدافها، وتعدّد مسارحها، وسيكون من الصعب التنبؤ بما ستحمله الى المنطقة من تداعيات ومفاجآت، ولهذا رجح الرئيس الامريكي اوباما احتمالات اخفاق التحالف الدولي، وهو يخوض حملة عسكرية طويلة المدى ضد هذا التنظيم.

ورغم مرور شهرين من الغارات الاميركية على مواقع تنظيم “الدولة الاسلامية”، فان الاخير يتحرك بسلاسة وقدرات عالية على التمويه والتخفي في العراق. إذ نشأ هذا التنظيم كأحد فروع القاعدة، بيد انه اصبح أكثر قسوة وأشد تطرفا منها، وسرعان ما استقل عنها، حيث رفض قائده الجديد، أبو بكر البغدادي مبايعة أيمن الظواهري زعيم القاعدة.

ففي 9 نيسان/ابريل 2011، ظهر تسجيل صوتي منسوب لابي بكر البغدادي يعلن فيها ان جبهة “النصرة” في سوريا هي امتداد “لدولة العراق الاسلامية”، واعلن فيه الغاء اسمي “جبهة النصرة” و”دولة العراق الاسلامية” ليكون تحت مسمى واحد وهو “الدولة الاسلامية في العراق والشام”، لكن “جبهة النصرة” رفضت الالتحاق بهذا التنظيم. ليعلن بعدها البغدادي تأسيس دولة الخلافة، معيناً وزراء يساعدونه، وحكاما للولايات يتبعونه ويدينون له بالولاء.

واكثر ما يلاحظ هنا سرعة هذا التنظيم في التوسع على الارض في العراق، بعد تمدده في سوريا، ونجاحه في تحقيق انجازات خاطفة، وهو امر دفع الكثير من المحللين السياسيين والاستراتيجيين، الى التساؤل عن ماهية قدرة “داعش” العسكرية، التي مكنته من سرعة الانتشار وتحقيق الاهداف.

ويقدر تشارلز ليستر الباحث في مركز “بروكينغز” في الدوحة عدد مقاتلي “داعش” في سوريا بين ستة وسبعة الاف، وفي العراق بين خمسة وستة الاف، بينما قدر المتحدث باسم وكالة المخابرات الامريكية المركزية ريان تراباني تعدادهم بنحو 31000 مقاتل. ولعل هذه الزيادة في عدد عناصرهم، جاءت بسبب عمليات التجنيد التي حدثت منذ يونيو/ حزيران الماضي، بعد النجاح الميداني للتنظيم، وإعلانه الخلافة، وزيادة نشاطه العسكري، فمعظم المقاتلين على الارض في سوريا هم سوريون، كما في العراق فان معظم مقاتلي “داعش” هم عراقيون، لكن قادة التنظيم غالباً ما يأتون من الخارج، وسبق ان قاتلوا في العراق والشيشان وافغانستان وعلى جبهات اخرى.

التكتيك العسكري للتنظيم

ومما ساعد في التكتيك العسكري لـ”الدولة الإسلامية”، ان التنظيم يعتمد حصرا على مجموعات مقاتلة صغيرة، مرنة وسريعة الحركة. كالتي استخدمتها الحركات الثورية في اواسط القرن الماضي، خلال المواجهات التي كانت تحصل مع جيوش نظامية، كما في فيتنام أو في كوريا الشمالية،  والجيش الالماني الذي نفذ هذا النوع من الهجمات خلال الحرب العالمية الأولى، بتكوين مجموعات مقاتلة صغيرة من عشرة مقاتلين.

واقتضت طريقة القتال أن تسعى المجموعة إلى الالتحام المباشر مع المدافعين وعلى بقع جغرافية صغيرة جدا، ووضع القرار التنفيذي بيد قائد المجموعة المذكورة أو بيد مراقب مباشر، يتابع سير المعركة وتطورها على الارض بالمناظير.

وهذا تحديدا ما قام ويقوم به مقاتلو “الدولة الإسلامية” في مواجهة القوات النظامية العراقية والميليشيات التي تساندها، من حيث الالتفاف على المواقع الدفاعية والدخول لعمق الثكنات العسكرية، وضرب غرف العمليات والذخيرة وضعضعة الجنود من خلال التفجيرات المتتالية، بالسيارات المفخخة أو غيرها من التفجيرات، التي يكون لها وقع معنوي ومادي كبير.

وتعد هذه التكتيكات، الاسلوب الاكثر تأثيراً في مواجهة جيوش تملك قوة نارية كبيرة وتكنولوجيا حديثة، إذ يشكل الاندفاع الشخصي، متغيراً رئيساً، يؤسس لنوع من التوازن في ميزان القوة، بين الضعيف والقوي عسكرياً.

واستكمالا لما تقدم يتحرك عناصر التنظيم، بسيارات رباعية الدفع مجهزة برشاشات ثقيلة من نوع “دوشكا” أو 23 أو غيره من المضادات الأرضية، وعلى شكل مجموعات لا يتعدى عددها الأربعة أو الخمسة مقاتلين للمجموعة الواحدة، على أن تتقدم نحو الهدف المحدد في وقت واحد عدة مجموعات من عدة محاور.

ويتسلح مقاتلو “الدولة الإسلامية” عموما بسلاح فردي عبارة عن رشاشات كلاشينكوف أو أمريكية الصنع، ورشاشات من نوع “ب ك م” وقناصات دراغنوف، وبقاذفات “أر ب ج”، وبمواد متفجرة من أحزمة ناسفة وعبوات.

والجدير بالذكر أيضا هو أن المجموعات المقاتلة لـ”داعش” التي تتقدم نحو هدف معين، يكون لها دراية تامة بجغرافية المكان وبطبيعة ونوع الفرق المقاتلة، مع معرفة بهرمية القيادة في المكان المستهدف، ذلك بفضل العمل الأمني والاستخباراتي الذي يسبق العملية، ما يزيد من فعالية الهجوم ومن سرعة تقدم المهاجمين.

علما أن الهجمات الالتحامية والقوة النارية الخفيفة والمتوسطة للمهاجمين، لا تترك مجالا لاستعمال السلاح الثقيل من مدفعية أو طيران من قبل المدافعين، لأن ذلك سيؤدي حتما إلى خسائر في صفوفهم. ولا يفوتنا ان نذكر ان عناصر هذا التنظيم، مقاتلون عقائديون، تمرسوا على القتال في افغانستان والشيشان والعراق وسوريا مرورا باليمن، الامر الذي ساعد في تحقيق تقدمهم السريع في العراق.

البغدادي في كركوك

في 4/10/2014 تمكن ابو بكر البغدادي من دخول محافظة كركوك، من جميع محاورها، بعدد من سيارات الدفع الرباعي، بعد ان سبقته مجموعات رباعية وثلاثية سيّارة، دخلت الى الحويجة، حيث زار جميع النقاط التابعة للتنظيم في جنوب غربي كركوك في منطقة ملا عبد الله وانتهاءً بناحية البشير التي يسيطرون عليها.

وجاءت زيارته هذه لتعيين وال جديد لكركوك، بعد مقتل الوالي السابق والمدعو “ابو فاطمة” الذي طاله قصف الطائرات الامريكية، ولعل التمويه الذي قام به عناصر التنظيم، يكشف عن قدراتهم في المفاجأة والاقتحام،  عندما دخلوا مناطق ملا عبد الله والحويجة، ما دفع القوات الحكومية الى التأهب في كركوك، ليكون مسار البغدادي باتجاه ناحية البشير، ملتقياً عناصر “داعش” هناك، وموجهاً ببناء دور لمقاتليه وعوائلهم. وبعد خروجه سلك طرقاً مختلفة عن التي دخل بها كركوك، وغالبا ما تكون زياراته محضر لها بشكل دقيق ومحكم.

ومن المتوقع ان تتمكن قوات “داعش” من البقاء في الاماكن التي سيطرت عليها، ما دامت العملية السياسية في العراق، لم تشهد تغييراً حقيقياً، والساسة فيه، يضعون في اعتبارهم ارضاء الجار الشرقي والخضوع لسياساته والحفاظ على مصالحه، وان كان على حساب الوطن ومواطنيه.

د. هدى النعيمي