رؤوس الأموال الكبرى تعترف أخيرا: أفريقيا بيئة استثمار خصبة

رؤوس الأموال الكبرى تعترف أخيرا: أفريقيا بيئة استثمار خصبة

سجل الاستثمار الأجنبي نموّا ملموسا في القارة الأفريقية، بفضل تجدد اهتمام المستثمرين الأجانب بدول أفريقية مثل جنوب أفريقيا ورواندا ونيجيريا، وما يحفّز هؤلاء على الاستثمار انفتاح الأسواق الأفريقية على دول عدة حيث لم تكتف بشركائها التقليديين، إضافة إلي المناخ الأكثر استقرارا بالقارة مقارنة بما يعيشه الاتحاد الأوروبي من تصدع وانقسامات على خلفية بريكست، كما يبدو لافتا بحث الشركات الأميركية عن انتهاز الفرص في أفريقيا في تحدّ لسياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانعزالية وشعاره “أميركا أولا”.

نيويورك – بعد عامين من التراجع، سجلت الاستثمارات الأجنبية المباشرة القادمة إلى القارة الأفريقية نموا ملموسا خلال العام الماضي، بفضل تجدد اهتمام المستثمرين الأجانب بجنوب أفريقيا، ومناخ الاستثمار الأكثر استقرارا في مصر.

وأشارت وكالة “بلومبرغ” للأنباء إلى أن تقلّبات الاهتمام الأجنبي بالاستثمار في أفريقيا، تؤكد المصاعب التي تواجه جهود دول القارة لجذب الاستثمارات الأجنبية طويلة المدى. وفي حين زاد الاستثمار الأجنبي في أفريقيا ككلّ خلال العام الماضي، قلصت مجموعة الاستثمار المالي الأميركية العملاقة “بلاكستون جروب إل بي” استثماراتها في القارة بعد أقل من 5 سنوات من دخولها إليها. كما حوّل “بوب دايموند” الرئيس التنفيذي السابق لمجموعة “باركليز” المصرفية البريطانية والرئيس الحالي لمجموعة “أطلسمارا” للاستثمار، اهتمامه عن القارة بعد نحو ست سنوات من جهود مضنية لإنعاش مشروعه المصرفي.

ويقول ويليام أتويل رئيس إدارة أبحاث منطقة جنوب الصحراء الأفريقية بمؤسسة “دكر فرونتاير” للاستشارات في لندن، إنّ “حجم الرهان الضخم وسوء الفهم بالنسبة إلى حجم وطبيعة مطالب العملاء في أسواق جنوب الصحراء الأفريقية، والتوقّعات المبالغ فيها، كل هذا أدّى إلى أخطاء”، مضيفا أن “نهج انتهاز الفرص لا يكفي للتعامل مع قرارات الاستثمار في أفريقيا.

وبحسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد”، كانت أفريقيا والاقتصادات النامية في آسيا فقط هي المناطق التي جذبت المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر خلال عام 2018. ومع وجود 54 دولة تمتد في منطقة تزيد مساحتها عن مساحة الولايات المتحدة والصين والهند ومناطق من أوروبا واليابان معا، فإنّ اتجاهات الاستثمار الأجنبي المباشر في هذه الدول غير موحدة.

وأشارت وكالة “بلومبرغ” للأنباء إلى أن نيجيريا، وهي أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان، وصاحبة أكبر اقتصاد في القارة، سجلت تراجعا في ما يتعلق بتدفق الاستثمار الأجنبي المباشر على مدى 3 سنوات متتالية، نتيجة تفشّي الفساد والسياسات المتقلّبة، وتراجع أسعار النفط وانتشار الفقر في البلاد.

ووفقا للتقديرات، جذبت أفريقيا خلال العام الماضي استثمارات أجنبية مباشرة قيمتها 40 مليار دولار تمثّل جزءا ضئيلا للغاية من حركة الاستثمارات في أنحاء العالم والتي بلغت 1.19 تريليون دولار، وهو ما يخلق فجوة بالنسبة إلى هؤلاء الذين يريدون التعامل مع التحديات الناجمة عن التغيير في أنظمة الحكم وضعف نظم جمع الضرائب، واضطراب أسواق الصرف ونقص العمالة الماهرة. وربما أسهم انهيار “مجموعة أبراج”، والتي كانت واحدة من أكبر شركات الاستثمار في الأسواق الصاعدة، سلبا في الحدّ من التدفقات الاستثمارية إلى القارة.

في الوقت نفسه، فإن مجموعة “كارليل جروب” الاستثمارية الأميركية والتي أغلقت في عام 2014 صندوق استثمارها في جنوب الصحراء والذي كان رأسماله وصل إلى 700 مليون دولار، مازالت تعقد صفقات في المنطقة، حتى بعد أن تضررت جرّاء صفقة شراء بنك نيجيري. وقد استثمرت مؤخرا 40 مليون دولار في شركة السياحة والسفر عبر الإنترنت “وانو دوت كوم ليميتد”.

وهذا التوجه من جانب “كارليل” يختلف عن توجه منافستها في نيويورك “بلاكستون” التي خرجت من جميع استثماراتها في أفريقيا في سبتمبر الماضي.

في المقابل، يسعى بنك “سوسيتيه جنرال” الفرنسي الذي يعمل في 19 دولة أفريقية إلى مضاعفة إيراداته من المنطقة إلى 10 بالمئة، وقال الملياردير المصري نجيب ساويرس في مقابلة مع تلفزيون “بلومبرغ” إنه متفائل للغاية بالنسبة إلى أفريقيا، وبخاصة في ما يتعلق بخدمات التمويل الاستهلاكي. ويعتزم ساويرس دفع إدارة فرع شركة “ثروة كابيتال” للخدمات المالية، المملوكة له، إلى تقديم قروض للأفراد والمشروعات الصغيرة في باقي دول القارة.

وعن المخاطر السياسية التي تواجه الاستثمار في هذه الدول، قال ساويرس، رئيس مجلس إدارة “أوراسكوم القابضة للاستثمار”، “الآن إذا قارنت بين أفريقيا والفوضى الأوروبية والموقف الأميركي، أفريقيا في موقف جيد”.

وتدرس شركة صناعة السيارات الفرنسية “رينو” إقامة مصنع لتجميع سياراتها في غانا بالاشتراك مع “فولكسفاغن” الألمانية و”سينوتراك إنترناشيونال” الصينية. وفي العام الماضي، تفوّقت غانا على نيجيريا باعتبارها صاحبة أكبر قدر من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في غرب أفريقيا، في حين أن حجم اقتصاد نيجيريا يصل إلى ستة أمثال اقتصاد غانا.

كما تعتزم شركة “مرسيدس بنز” الألمانية لصناعة السيارات استثمار 600 مليون يورو (676 مليون دولار) في مصنعها بدولة جنوب أفريقيا، في حين مازالت مجموعة “موانئ دبي العالمية” تدرس فرص الاستثمار في القارة حتى بعد تأميم أحد الموانئ التي كانت تديرها في جيبوتي.

وفي جنوب أفريقيا، يبدو أن الرئيس سيريل رامافوسا الذي يستهدف جذب 100 مليار دولار استثمارات جديدة إلى بلاده بعد سنوات من التراجع خلال سنوات حكم سلفه جاكوب زوما، لا يراهن على الشركاء التقليديين لبلاده مثل الولايات المتحدة وبريطانيا. وقد تعهدت السعودية باستثمار 10 مليارات دولار في جنوب أفريقيا، والصين باستثمار 15 مليار دولار. كما أعلنت شركة النفط الفرنسية العملاقة “توتال” الأسبوع الماضي أول كشف نفطي في المياه العميقة لجنوب أفريقيا.

ويقول روناك جوبالداس، مدير شركة “سيجنال ريسك”، إن أمام “الحكومات الأفريقية الكثير من الخيارات، وشركاء الاستثمار الأجنبي المباشر يتغيرون. فالهند واليابان تبديان اهتماما متزايدا بالاستثمار في القارة السمراء، وتبحث الشركات الأميركية عن الفرص هناك رغم سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانعزالية التي ترفع شعار “أميركا أولا”.

ويقول تقرير “أونكتاد” إن التقدّم نحو توقيع اتفاق للتجارة الحرة بين الدول الأفريقية مع زيادة التركيز على إحياء عمليات التصنيع، يؤدي إلى تسارع وتيرة الاقتصاد الأجنبي المباشر. وقد تلقت جنوب أفريقيا جزءا كبيرا من الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي وصلت إلى جنوب الصحراء الأفريقية عام 2018 حيث بلغت حصتها حوالي 7.1 مليار دولار مقابل 1.3 مليار دولار في 2017.

في المقابل، فإن نقص إمدادات الكهرباء والانقطاع المتكرّر للتيار من جانب شركة كهرباء جنوب أفريقيا “إسكوم” يهدّد تعافي الاستثمار في البلاد، حيث قالت مؤسسة “موديز” للتصنيف الائتماني والاستشارات الاقتصادية إن نقص الكهرباء في جنوب أفريقيا يمثّل خطرا كبيرا على التصنيف الائتماني للبلاد.

وفي نيجيريا، تراجعت قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر العام الماضي بنسبة 36 بالمئة سنويا إلى 2.2 مليار دولار، ولكن مشروعات النفط والغاز الطبيعي الجديدة يمكن أن تؤدي إلى تعافي الاستثمارات خلال العام الحالي، بحسب “أونكتاد”.

وبلغ معدل نموّ الاقتصاد في نيجيريا، وهي أكبر منتج للنفط في القارة، 1.93 بالمئة خلال العام الماضي، مقابل 0.8 بالمئة في عام 2017، بحسب بيانات مكتب الإحصاء الوطني النيجيري. وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر في إثيوبيا خلال العام الماضي بنسبة 24 بالمئة إلى 3.1 مليار دولار، لكنها ظلت أكبر وجهة استثمارية في شرق أفريقيا.

وقال أتويلان النظرة المستقبلية للقارة في 2019 إيجابية بدرجة طفيفة، بفضل الزيادة المطردة في الطلب الاستهلاكي والإنفاق الحكومي والاستثمار، ولكن المخاطر مازالت قائمة في ظل تباطؤ الاقتصاد العالمي. وهذا النموّ غير المستقرّ يجعل الشركات أكثر تركيزا حيث توجد أكبر الفرص المتاحة في جذب العملاء من بين الفئات الأقلّ دخلا في الدول التي بها معدل تضخم منخفض، بحسب “أتويل”، الذي أشار إلى أن كينيا تحظى باهتمام كبير من جانب المستثمرين الأجانب.

ويقول “ستيفن سيمث” المحلل بشركة “جلوبال إيفليوشن فاندز” التي تتابع الأسواق الصاعدة منذ نحو 30 عاما، إن توجه المستثمرين نحو أفريقيا لن يتوقف، “فلا يوجد تراجع في الاهتمام بالتوسع في القارة”.

العرب