مصير بقايا داعش والقوات الأمريكية

مصير بقايا داعش والقوات الأمريكية

لن يكون العراق مقرا للقوات الأمريكية المنسحبة من سوريا، بل معبر وممر فقط وهى فى الطريق إلى العودة، هذا ما أكده رئيس الوزراء العراقى عادل عبد المهدى وكبار المسئولين العراقيين، بل خرجت تأكيدات بأن القوات الأمريكية فى العراق ليس لها قواعد خاصة بها، لكنها تقيم فى قواعد عسكرية مشتركة، وأن مهامها تقتصر على التدريب ومحاربة الإرهاب، نافية ما أعلنه ترامب أن القوات الأمريكية تراقب الأوضاع فى إيران، وتوقعت الحكومة العراقية تخفيض القوات الأمريكية فى العراق وفق برنامج زمنى وليس زيادتها بالقوات القادمة من سوريا، فى الوقت الذى يتهيأ فيه البرلمان العراقى لإصدار قرار يلزم الحكومة بوضع برنامج زمنى لخروج القوات الأمريكية من العراق. هكذا يتضح أن العراق لا يمكن أن يقبل بأن يوضع بين المطرقة الأمريكية والسندان الإيراني، ومجيء القوات الأمريكية يزيد من عوامل التوتر والفوضي، لكن رئيس الوزراء العراقى كان الأكثر تفاؤلا عندما أكد عدم وجود نيات أمريكية بمهاجمة إيران، وأن الكثير من القضايا فى طريقها إلى الحل عبر الحوار، وتخالفه فى الرأى قوى سياسية رئيسية ترى نذير نيات بإعادة احتلال العراق، لكن لا توجد مؤشرات على أن الولايات المتحدة تعتزم تكرار مأساة غزو العراق، فلا هى قادرة ولا الظروف متاحة كما كانت عند الغزو، وأقصى ما تسعى إليه أن تحافظ على نفوذها فى العراق مقابل تقديم مكاسب اقتصادية واستمرار دعم الجيش العراقي، والحيلولة دون تزايد النفوذ الإيراني.

ويبقى السؤال المحير: لماذا لم تخرج القوات الأمريكية عبر تركيا مثلما جاءت، بدلا من الوجود فى العراق؟ ورغم عدم وجود إجابة واضحة، إلا أن القرار الأمريكى بنقل القوات الأمريكية من سوريا إلى العراق يسعى إلى تجنب إظهار الخروج من سوريا على أنه هزيمة، وتوجيه رسالة إلى إيران بأن يدها يمكن أن تطول الداخل الإيراني. وهو ما يفسر القرارات المتضاربة بشأن مدة بقاء القوات الأمريكية فى سوريا ومصير القوة المتبقية فى قاعدة التنف الواقعة بين الحدود السورية والأردنية والعراقية، فالجانب الأمريكى يريد طمأنة حلفائه بأنه باق وموجودا، وأن الانسحاب من سوريا ليس إلا إعادة ترتيب لقواته. لكن التضارب لا يقتصر على توقيت وكيفية الانسحاب الأمريكى فقط، وإنما على العلاقة بين الولايات المتحدة وكل من تركيا وأكراد سوريا، والترنح بين إعلان توافق مع هذا الطرف ثم ذاك، رغم التباعد الكبير بينهما، لكن رغم التطمينات التى تمنحها واشنطن لأكراد سوريا، فإن مصلحتها أن تتوصل إلى اتفاق مع الرئيس التركي، والذى تفضل أن يحل محلها، وأن تجتذبه بعيدا عن روسيا وإيران، وستضحى بالأكراد مقابل تلك المقامرة، حيث لا يمكن ضمان تقلبات أردوغان، الذى يتفاوض مع روسيا وإيران فى سوتشى على عكس ما يتفق عليه مع الولايات المتحدة، لكن القوات الأمريكية فى سوريا ترتب لتسليم أردوغان بقايا جماعة داعش الإرهابية، بعد أن رفضت دول أوروبا تسلم مواطنيها المنضمين إلى التنظيم، ورحب أردوغان باقتراح تسلمه الأسري، لأن قوات سوريا الديمقراطية ليس لديها سجون مناسبة تمكنها من الاحتفاظ بهم، وقد تضطر إلى تسليمهم للجيش السوري، لكن أردوغان سيعرف كيف يمكن أن يستخدم ورقة أسرى داعش لابتزاز أوروبا.

ينقسم أسرى داعش إلى قسمين، المقاتلون الأسرى وعددهم يتجاوز ألف أسير، وقد تسلم العراق 150 أسيرا عراقيا، لكن لا أحد يعرف عدد الدواعش الفارين أو المختبئين أو من جرى نقلهم إلى أماكن أخرى فى إفريقيا وآسيا أو بلدانهم الأصلية، فهذه العمليات جرت طوال العامين الأخيرين، وتدخلت فيها أجهزة مخابرات عدة، لكل منها أهدافها وقدرتها على إعادة استخدام وتدوير دواعش سوريا والعراق، فهناك من غيروا ملابسهم السوداء، وحلقوا ذقونهم وبقوا داخل سوريا والعراق، سواء ليظلوا خلايا نائمة، أو أنهم بالفعل قد يئسوا من تجربتهم المريرة، أما القسم الثانى فهم الأطفال والنساء البالغ عددهم نحو 3500 أمرأة وطفل، لا تقبل بلدانهم إستقبالهم، وليس لهم مكان يلجأون إليه، ولا يمكن إبقاؤهم فى سوريا لأنهم جاءوها من بلدان أخري، تمتد من أوروبا إلى إفريقيا وآسيا، ولا يشكل هؤلاء مشكلة أمنية بقدر ما هى مشكلة إنسانية معقدة، خصوصا مع الترويج إلى أن أطفال داعش عبارة عن مشاريع إنتحاريين، بينما يمكن إعادة تأهيل الأطفال والنساء، باعتبارهم ضحايا، وعلى الجهات المعنية فى الأمم المتحدة أن تتوصل إلى حل لتلك المشكلة الإنسانية، وأن تتولى الإشراف على إعادة تأهيلهم وتوطينهم فى بلدانهم الأصلية أو أى جهة تقبل باستقبالهم.

لا تزال الولايات المتحدة تواصل التخبط فى العراق وسوريا، لكنها لا تهتم أو لا تدرك أن قراراتها المترنحة تلقى بظلالها الثقيلة على شعوب ودول المنطقة والعالم، وأن الجميع قد سئموا تلك السياسات والدمار الناتج عنها.

الأهرام