فيتنام.. لماذا اختيرت لاستضافة قمة ترامب وكيم؟

فيتنام.. لماذا اختيرت لاستضافة قمة ترامب وكيم؟

تتجه أنظار العالم هذا الأسبوع إلى فيتنام، وتحديدا عاصمتها هانوي، التي تستضيف القمة الثانية التي تجمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون.

ومنذ انتهاء القمة الأولى التي جمعت الزعيمين في يونيو/حزيران الماضي في سنغافورة، دارت تساؤلات عن مكان اللقاء الثاني، ولم يتوقع الكثيرون أن يكون فيتنام، وباستثناء استضافتها لقمة دول الآسيان عام 2017، لا يتحدث العالم كثيرا عن هذه الدولة الآسيوية.

ويرسل اختيار فيتنام لاستضافة هذا الحدث رسائل رمزية وعملية عدة إلى طرفي التفاوض، كما يرسل في الوقت ذاته رسائل إلى الأطراف الأهم ذات العلاقة بأزمة ملف السلاح النووي لكوريا الشمالية، سواء تعلق الأمر بكوريا الشمالية أو كوريا الجنوبية، وبالطبع الولايات المتحدة.

أهداف ثلاثة
تجمع فيتنام علاقات دافئة بأطراف الأزمة الكورية المباشرين. وتهدف رمزية فيتنام لخدمة ثلاثة أهداف أساسية، فهي رسالة جدية لتحسين العلاقات بين واشنطن وبيونغ يانغ، ورسالة من دولة شهدت حربا مع الولايات المتحدة وقُتل فيها الملايين وتستضيف اليوم الرئيس الأميركي ترامب للمرة الثانية، كما استضافت عددا من الرؤساء السابقين مثل بيل كلينتون وجورج بوش وباراك أوباما. وهي أيضا رسالة واضحة لكوريا الشمالية عن الخطوات التي من شأنها اتباعها للوصول لما وصلت إليه فيتنام.

كما يمثل عام 2019 الذكرى الثلاثين لغزو فيتنام لدولة كمبوديا المجاورة، وهو ما دفع فيتنام للوقوع ضحية عزلة دولية كبيرة، وستعد القمة مناسبة لطي صفحة العزلة وتبعاتها بصورة نهائية، كما يرى خبير الشأن الفيتنامي بجامعة هارفارد فيت فونغ نغوين.

وستمكن فرصة عقد قمة ترامب وجونغ أون من جذب كبريات وسائل الإعلام الدولية ومئات المحطات وآلاف الصحفيين لتغطية الحدث، وهو ما يمثل فرصة نادرة لخلق صورة ذهنية عالمية جديدة عن فيتنام، وتوفر القمة فرصة مجانية للإعلان والترويج للبلد وتجربته الخاصة.

تاريخيا جمعت هانوي وبيونغ يانغ علاقات قوية صلبة تمثلت أبرز فصولها في دعم كوريا الشمالية فيتنام عسكريا ضد الولايات المتحدة، ويجمع الدولتين اليوم رابطة أيديولوجية قوية تتمثل في تبنيهما نظاما سياسيا شيوعيا صارما.

وتُظهر فيتنام لكوريا الشمالية كيف لدولة منعزلة أن تتبنى سياسات تنتقل بها لدولة ومجتمع حيوي اقتصاديا محققا نسب نمو قياسية دون الإخلال بالنظام السياسي الشيوعي الصارم. وهي الإستراتيجية التي يأمل ترامب وفريقه في أن يقتنع بها الزعيم الكوري كيم جونغ أون.

حرب وعداء
في المقابل، جمعت فيتنام والولايات المتحدة علاقات عداء وحرب تشبه تلك التي تجمع واشنطن وبيونغ يانغ اليوم. ونجحت فيتنام في تطبيع علاقاتها مع الولايات المتحدة، بل يجمعهما اليوم علاقات اقتصادية وسياسية وعسكرية واسعة بعد عقود من الشك وغياب الثقة.

وفيتنام دولة نظامها السياسي شيوعي مغلق مثل النظام في كوريا الشمالية. إلا أن فيتنام اتبعت سياسات انفتاح اقتصادي خلال السنوات الأخيرة جعلت منها واحدة من أسرع دول العالم في نسبة النمو الاقتصادي السنوي. وأصبحت الولايات المتحدة أكبر الشركاء التجاريين لفيتنام بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها عام 1995. وتجمع الدولتين اتفاقية تجارة حرة، وكذلك عضوية رابطة آسيان لدول المحيط الهادي.

وبدأت واشنطن خطوات تطبيع العلاقات منذ 1995 لتصبح فيتنام صديقة للولايات المتحدة بعدما كانت مركزا ورمزا للعداء والشك لكل ما هو أميركي، كما أضحت هانوي وعموم فيتنام قبلة للسياح الأميركيين ومركزا للجذب الاستثماري والتبادل الثقافي.

وتضاعفت صادرات فيتنام أكثر من 200 مرة بين 1986 و2016 لتصل 210 مليار دولار عام 2017، منها 80% مواد مصنعة يصل الكثير منها للولايات المتحدة. وتخطت صادرات فيتنام الصناعية للولايات المتحدة مثيلتها من دول كبيرة مثل إندونيسيا والفلبين.

ويجمع هانوي وواشنطن كذلك علاقات عسكرية تتطور باستمرار، وفي حدث تاريخي زارت حاملة الطائرات الأميركية كارل فينسون ميناء دانانغ في مارس/آذار الماضي، وهي الحاملة التي كانت تنطلق منها طائرات عسكرية لتضرب أهداف فيتنامية أثناء الحرب التي انتهت عام 1975.

شركات كورية
أما كوريا الجنوبية فهي تعد من أكبر الدول التي تستثمر وتُصنع في فيتنام، ويكفي أن نذكر أن شركة سامسونغ الكورية تعد أكبر شركة عاملة في فيتنام. وتعد كوريا الجنوبية إحدى أكبر الدول المستثمرة في فيتنام بمقدار 57.7 مليار دولار، كما يذكر البروفسور فو مينه خونغ من جامعة سنغافورة الوطنية، ويمكن أن تُظهر فيتنام لكوريا الشمالية عائد الانفتاح الاقتصادي مع التمسك بالمنظومة السياسة الشيوعية. وبلغت قيم صادرات شركتي سامسونغ وأل جي الكوريتين من منتجات مُصنعة في فيتنام عام 2018 أكثر من 50 مليار دولار.

النزاع مع الصين
سعت فيتنام لاستضافة قمة ترامب وجونغ أون لإبراز مكانتها وعلاقاتها على المستويات الثنائية وعلى المستوي العالمي. وثنائيا، ستدعم الاستضافة علاقاتها الهامة والمتزايدة مع واشنطن وسول.

مع استمرار النزاع مع الجار الصيني القوي حول الحقوق السيادية والحدود البحرية في بحر الصين الجنوبي، يضيف وجود علاقات لهانوي بالولايات المتحدة المزيد من الثقة لموقف فيتنام. وتحدث عدد من المواطنين الفيتناميين للجزيرة نت بطريق إيجابية عن ترامب حيث يرونه “زعيما قوميا يواجه الصين تجاريا وله مواقف صلبة ضد النزاع في بحر الصين الجنوبي”.

ومنذ ثمانينيات القرن الماضي تحاول فيتنام الظهور بصورة الدولة الصديقة لكل دول العالم والشريك الفعال في كل جهود دعم التعاون والاستقرار الإقليمي والعالمي، كما يقر دستورها. وتسعى هانوي للحصول على مقعد غير دائم بمجلس الأمن، وسيدعم عقد القمة هذه الجهود.

الجزيرة