قمة دونالد ترامب وكيم جونغ أون: هل يمكن إيجاد حل وسط يربح فيه الجميع

قمة دونالد ترامب وكيم جونغ أون: هل يمكن إيجاد حل وسط يربح فيه الجميع

تنعقد، في 27 و28 فبراير 2019، في هانوي، القمة الثانية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، على أمل أن تخرج بنتائج أكثر وضوحا من قمتهما الأولى. وكان ترامب عبّر عشية القمة عن تفاؤله بأنها ستكون “ناجحة جدا”، ورد جونغ أون على مبادرة الرئيس الأميركي بقوله إنه “قرار شجاع من جانبكم لبدء حوار بين البلدين”. لكن، هذه التصريحات، وإن صدرت عن شخصيات مثل دونالد ترامب وكيم جونغ أون، لا تعير اهتماما بالأعراف واللياقة الدبلوماسية، لا تخرج عن سياق بروتوكولي وتبشر بأن اللقاء سيحقق سبقا.

تأتي القمة الثانية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون بهانوي وقت شهدت فيه المفاوضات بين الدولتين تعثرا كبيرا بعد القمة التاريخية التي جمعت بين ترامب وجونغ أون في سنغافورة في 12 يونيو الماضي، وكشفت عن تفاؤل بشأن إمكانية حدوث انفراج كبير في أزمة البرامج النووية والصاروخية لدى كوريا الشمالية.

لكن فشلت المفاوضات المباشرة بين واشنطن وبيونغ يانغ. ولم يتم التوصل إلى اتفاق، جراء تعنّت كل طرف وتمسكه بعدم تقديم تنازلات واضحة، وتجمدت تقريبا المفاوضات منذ أكتوبر الماضي.

بالتزامن مع التعثر الدبلوماسي، وردت تقارير متعددة تفيد بأن قدرات كوريا الشمالية النووية زادت بشكل يجعلها تمتلك ما بين 20 إلى 60 سلاحا نوويا. وقد تمتلك قريبا صواريخ باليستية عابرة للقارات.

يعود استعصاء الأزمة على الحل إلى عدّة عوامل رئيسية، أبرزها أن كوريا الشمالية وصلت بالفعل إلى مستوى متقدّم للغاية في تطوير برامجها النووية والصاروخية، ما قد يمكّنها، خلال فترة وجيزة للغاية (ربما نهاية العام الحالي أو بداية العام المقبل) من تهديد الأراضي الأميركية لأول مرة في تاريخها، ما جعل صانعو القرار في بيونغ يانغ متمسكين بصورة أكبر بهذه البرامج، لأنها الرادع الوحيد والملاذ الأخير لمواجهة أي عدوان أميركي محتمل لتغيير النظام الحاكم في كوريا الشمالية.

خيارات محفوفة بالمخاطر

يشعر صانعو القرار في بيونغ يانغ أن بلادهم لم تحصل، منذ قمة سنغافورة، على تنازلات ملموسة من الولايات المتحدة، مع أن كوريا أظهرت بالفعل نواياها الحسنة تجاه القضية النووية من خلال تجميد التجارب النووية والصاروخية، وتفكيك موقع لاختبار الصواريخ، وتفجير أجزاء من منشأة للتجارب النووية. تبدو الأدوات والخيارات المتوافرة تحت تصرف الإدارة الأميركية محدودة التأثير في تعديل سلوك وتوجه بيونغ يانغ. فالخيار العسكري محفوف بالمخاطر، والاستمرار في فرض العقوبات الاقتصادية الصارمة غير فعّال حتى الآن.

وثمة عدد من التحديات الدبلوماسية الشاقة للتعامل الناجز في الأزمة الكورية الشمالية، لأن الصين وبدرجة أقل روسيا، تختلفان مع الولايات المتحدة بشأن مدى الضغط اللازم ممارسته على الرئيس الكوري، في وقت يميل الرئيس الكوري الجنوبي مون غاي- ايه، إلى التقارب والحوار مع كيم جونغ أون، بينما يفضّل رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي مواصلة أقصى الضغوط، ما يشكّل صعوبات إضافية في إقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن برامجها النووية والصاروخية.

وكان الرئيس الكوري الجنوبي التقى مع الزعيم الكوري الشمالي ثلاث مرات العام الماضي، سعيا وراء إحياء المشروعات الثقافية والاقتصادية المشتركة والحد من التوترات العسكرية على طول الحدود. كما التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ أيضا مع كيم جونغ أون أربع مرات منذ مارس الماضي، وآخرها في يناير بمناسبة عيد ميلاد كيم جونغ أون الخامس والثلاثين.

واتخذت موسكو خطوات خاصة لزيادة دورها في شبه الجزيرة الكورية، واستأنفت المحادثات مع سول حول بناء خط أنابيب الغاز الذي يمر عبر كوريا الشمالية لربط روسيا مع كوريا الجنوبية، وعرضت روسيا إدارة محطة للطاقة النووية في كوريا الشمالية، مقابل نزع السلاح النووي لها.

ورغم تخلّي الإدارة الأميركية عن سياسة الصبر الإستراتيجي التي طبقتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما في التعامل مع كوريا الشمالية، وتفضيلها تكثيف الضغط الدبلوماسي والاقتصادي وممارسة إستراتيجية أقصى الضغوط على بيونغ يانغ، إلا أن الانقسامات الداخلية كانت عاملا مهما في تعثّر حلّ الأزمة الكورية منذ القمة الأولى التي جمعت ترامب وكيم.

أجواء البيئة الإقليمية

كان البيت الأبيض يدافع عن استكمال الحوار والتفاوض مع كوريا، محتفظا بما عرف بالاءات الأربع، وهي: أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى تغيير النظام، ولا ترغب في انهياره، ولا تسعى إلى التعجيل بتحقيق الوحدة الكورية، ولا تنوي نشر قوات خلف خط 38 الفاصل بين الكوريتين في حالة حدوث انهيار سياسي في كوريا الشمالية.

لكن سعت الخارجية الأميركية إلى فرض عقوبات أكثر صرامة على كوريا الشمالية في مجلس الأمن الدولي، وساهمت في إصدار أمر تنفيذي واسع النطاق لمعاقبة منتهكي العقوبات المفروضة على بيونغ يانغ، في ظل تقارير إستخباراتية تؤكد على أن كوريا الشمالية لن تتخلّى عن برامجها النووية والصاروخية.

التعثّر في حل الأزمة الكورية الشمالية جاء أيضا من جانب الرئيس الصيني، نتيجة توظيفه ملف الأزمة في التعامل مع إدارة ترامب، التي شنّت عليه حربا تجارية غير مسبوقة، ولوّحت بدعم تايوان عسكريا ودبلوماسيا لتحقيق الاستقلال عن بكين.

ولدى الصين مقترحها الخاص لحل أزمة كوريا، ويؤكد على أن تكون العقوبات الاقتصادية وسيلة لإعادة المحادثات السياسية بشأن حل أزمة البرامج الصاروخية والنووية، وتلتزم الولايات المتحدة بالتوصّل إلى تسوية لهذه الأزمة مع استبعاد الخيار العسكري.

بيونغ يانغ تشعر أنها لم تحصل، منذ قمة سنغافورة، على تنازلات ملموسة من الولايات المتحدة، مع أن كوريا أظهرت بالفعل نواياها الحسنة تجاه القضية النووية من خلال تجميد التجارب النووية والصاروخية

قدّمت بكين مبادرة جديدة، وأقرّتها مع روسيا بشكل مشترك، تقوم على فكرة المقايضة وفقا لصيغة “الإيقاف على الإيقاف”، أي تقوم كوريا بتعليق تجاربها النووية، مقابل وقف الولايات المتحدة مناوراتها العسكرية السنوية مع كوريا الجنوبية.

قوبلت هذه الفكرة بانتقادات شديدة من جانب دوائر عسكرية وأمنية في واشنطن، لأنها تبدو كأنها ابتزاز، من دون أن تحقق الكثير من وجهة النظر الأميركية، كما أن المبادرة الصينية الروسية تدبير لبناء الثقة على المدى القصير، ولا تقود بالضرورة إلى محادثات لنزع السلاح النووي بالفعل في المديين المتوسط والبعيد، خاصة مع الانسداد السياسي في المفاوضات بين الجانبين.

المشكلة الرئيسية التي تقف أمام نجاح القمة الثانية لترامب وكيم، تكمن في اختلاف أولويات كل طرف. فالأول ينصبّ تركيزه على التوصل إلى خارطة طريق واضحة وجدول زمني محدد لتخلّي كوريا الشمالية عن برامجها النووية والصاروخية بشكل كامل.

أما الطرف الثاني فقد يعطي أولوية لعدة قضايا، منها: التوصل إلى معاهدة سلام بين الدولتين، وتخفيف العقوبات الاقتصادية لإنعاش الاقتصاد المتداعي، والحصول على ضمانات أمنية لبقائه في السلطة، بما في ذلك سحب القوات الأميركية في كوريا الجنوبية.

ما يزيد الأمور تعقيدا عدم وجود اتفاق على تعريف مشترك لنزع السلاح النووي، فالولايات المتحدة، ترى نزع الأسلحة النووية يعني التخلص من الترسانة الحالية وتفكيك جميع المنشآت المنتجة للمواد النووية في كوريا، بما في ذلك منشأة يونغبيون.

وتريد كوريا الشمالية نزع سلاح نووي متبادل مع واشنطن، بحيث تقوم الولايات المتحدة بسحب مظلتها النووية عن كوريا الجنوبية، بما في ذلك سحب الأصول الإستراتيجية التي تعمل بالطاقة النووية في شبه الجزيرة الكورية.

ومرجّح أن تسفر القمة عن ”صفقة غير كاملة” أو “صفقة صغيرة”، وهي أن ينجح كيم جونغ أون في الحصول على موافقة ترامب في تخفيف العقوبات الاقتصادية، مقابل التخلّي الجزئي عن تطوير برامجه النووية والقضاء على الصواريخ الباليسيتية طويلة المدى.

إذا حدث ذلك، سيكون الزعيم الكوري الشمالي نجح في تطبيق سياسة بيونغين أي السعي المتزامن إلى التنمية الاقتصادية مع الحفاظ على أسلحته النووية، وسيكون ترامب حقق انتصارا تاريخيا في ما يتعلق بإزالة التهديد النووي والصاروخي المباشر للأراضي الأميركية.

في ظل هذا السيناريو، ربما تتجه اليابان وكوريا الجنوبية إلى وضع إستراتيجيات عسكرية مستقلة عن الولايات المتحدة، وتقرران إنتاج أسلحة نووية خاصة بهما. وإذا تعثّر الوصول إلى مثل هذه الصفقة في القمة، فإن ذلك يقود لعودة الرئيسيين إلى ما يعرف بسياسة “حافة الهاوية” مرة أخرى، على نمط ما حدث في العام 2017، عندما تصاعد التوتر بين الجانبين إلى حد إمكانية اندلاع مواجهة عسكرية مباشرة.

العرب