“كعب أخيل” الهندي.. لماذا قصفت الهند باكستان الآن؟

“كعب أخيل” الهندي.. لماذا قصفت الهند باكستان الآن؟

في ساعات الفجر الأولى من أول أمس الثلاثاء 26 فبراير/ شباط، قامت(1) 12 طائرة مقاتلة من طراز ميراج 2000، مزوّدة بذخيرة إسرائيلية موجهة بالليزر، بالإقلاع من إحدى القواعد العسكرية الهندية، وتوجيه ضربة جوية لِما قالت حكومة الهند بأنه المعسكر الأكبر لتنظيم “جيشِ محمد” الموجود بمدينة بالاكوت الواقعة في محافظة خيبر-بختونخوا الباكستانية، وهي أول مرة تتجاوز فيها نيران الجيش الهندي ولاية كشمير المشتعلة دومًا بين البلدين، وتستهدف موقعًا داخل باكستان نفسها منذ عام 1971.

أتت تلك الضربة ردًا على العملية العنيفة التي قام بها أحد المنتمين لتنظيم “جيشِ محمد” في 14 فبراير/شباط الحالي أيضًا، حين أسرع بسيارة مفخخة نحو عدة حافلات تقِل عناصرًا من الشرطة الاحتياطية المركزية التابعة للهند في كشمير، ليُردي 46 منهم قتلى في عملية عُدت(2) الأسوأ منذ عقود، وهو نفس التنظيم المسؤول عن حادثة الاختطاف الشهيرة لطائرة هندية في ديسمبر/كانون الأول عام 1999 من عاصمة نيبال “كاتماندو” إلى “قندهار” الأفغانية حين كانت تحت حُكم طالبان، والضالع أيضًا في الهجوم على البرلمان الهندي عام 2001، وقد اعتقلت باكستان زعيم التنظيم “مسعود أزهر” بعد عملية البرلمان تلك قبل أن تطلق محكمة باكستانية سراحه تحت ذريعة عدم وجود دلائل كافية لإدانته خلال عام واحد.

بالأمس، الأربعاء 27 شباط، قامت باكستان بالرد عبر اختراقها للمجال الجوي الهندي بولاية جامّو وكشمير (الجزء الخاضع للسيطرة الهندية)، وأعلنت وسائلها الإعلامية أنها أسقطت طائرتين حاولتا الاشتباك مع الطائرات الباكستانية، وأسرت طيارين كذلك، وهو ما أكدته(4) نيودلهي جزئيًا، فقد أقرّت وزارة الخارجية الهندية بفقدان طائرة واحدة من طراز ميغ-21، وبأنها لا تزال في عملية البحث عن طيار هندي مفقود، وهو ما تلاه بساعات نشر باكستان لصورة طيار هندي مُصاب يجري علاجه وفقًا «للأخلاقيات العسكرية» وفقما جاء في تغريدة للمتحدث باسم الجيش الباكستاني “آصِف غفور”.

في تلك الأثناء، تعالت أصوات رسمية تشي بأن الطرفين غير راغبين في التصعيد المفتوح والوقوع في شَرك حرب شاملة لم ينجرّا إليها منذ وضعت حرب “كارغيل” أوزارها عام 1999، فقد أشار الجيش الباكستاني في تصريحه الرسمي بأنه مارس حقه في الدفاع عن النفس بعمليته الجوية القصيرة في كشمير الهندية صباح اليوم، وأنه تعمّد استهداف منطقة غير مأهولة وغير عسكرية لتفادي أية خسائر في الأرواح، في حين خرج(5) رئيس الوزراء الباكستاني “عمران خان” في كلمة متلفزة أكّد فيها أهمية الحوار مع الهند، وأن تحرّك باكستان الجوي كان يهدف فقط لإثبات قدرة باكستان على اختراق مجال الهند الجوي كما فعلت الأخيرة ليس إلا، أما وزيرة الخارجية الهندية “سوشما سواراج” فصرّحت بأن الهند لا تريد التصعيد، وأن ضربتها كانت احترازية ضد تنظيم لا يزال يخطط لعمليات قادمة ضد الهند.

معسكر بالاكوت المتذبذب
كان معسكر التدريب التابع لتنظيم “جيشِ محمد” في “بالاكوت” مرصودًا لسنوات من جانب وزارة الدفاع الأمريكية وفق إحدى وثائق ويكيليكس، حيث تشير وثيقة موقعة من الجنرال الأمريكي “جِفري ميلر” عام 2004 إلى وجود معسكر يقدّم تدريبات متطوّرة على استخدام المفرقعات والذخيرة، إلا أن باكستان لم تتحرّك لمواجهة التنظيم تمامًا كما تفعل مع تنظيمات أخرى تُتاح لها حرية نسبية في شمال باكستان، وهو تنظيم سبب صداعًا في أفغانستان أيضًا، حيث غرّد توّاب غورزنگ، المتحدث السابق باسم مجلس الأمن القومي الأفغاني، بتأييده على تويتر للضربة الهندية معتبرًا إياها جزءً مما أسماه «محاربة الإرهاب»، ومستخدمًا وسم «الهند ترد الضربة

ليست باكستان فقط هي الدولة الداعمة لعدم مواجهة التنظيم بشكل جدّي، فالصين في خضم التنافس الشرس بينها وبين الهند منحازة للموقف الباكستاني تجاهه كذلك، فقد عرقلت(6) بكين مقترحًا أمريكيًا في مجلس الأمن لتصنيف “مسعود أزهر” كـ «إرهابي دولي» قبل عام من الآن، كما عارضت أيضًا طلبًا هنديًا في الأمم المتحدة لإدراجه كـ «إرهابي» في ديسمبر/كانون الأول عام 2016، وهو موقف يصب في خانة ترجيح مزاعم الهند بوجود دعم باكستاني ضمني للتنظيم، إذ أنه من غير المرجح بحال اتخاذ الصين لموقف حمائي كهذا لصالح تنظيم مسلح بشكل منفرد تمامًا، والأرجح أن موقفها يأتي في إطار التحالف الوثيق بين بكين وإسلام آباد في مواجهة دلهي.

كان “يوسف أزهر”، أخو زوجة زعيم التنظيم وقائد المعسكر التدريبي، وأحد الضالعين في حادث الاختطاف والمطلوب منذئذ من جانب الإنتربول، كان أحد القيادات التي استهدفتها الضربة الهندية الحالية، حيث تدعي(7) مصادر عسكرية هندية لم تُسمِّ نفسها بأنه قد يكون من بين المقتولين بالأمس إلى جانب عشرات آخرين، الأمر الذي نفته باكستان على لسان المتحدث آصِف غفور، حيث قال الأخير بأن ضربة الهند لم تؤدِ إلى أية خسائر في الأرواح، في تناقض واضح مع التصريحات الأولية القادمة من الهند والتي تحتفي صحافتها حتى الآن بردّ الحكومة المعتبر لعملية 14 فبراير.

لكن الرواية الباكستانية يعززها ما نشرته “نيويورك تايمز”(8) على لسان مسؤولّين أمنيَّين غربيَّين لم تسمهما صرَّحا بأن المنطقة المستهدفة لا تحوِ أية معسكرات تدريبية منذ فترة بعد نقل مواقعها، وبالتحديد منذ تدّفق مؤسسات الإغاثة الدولية للمنطقة بعد زلزال ضربها عام 2005، إذ خشيت التنظيمات المسلحة آنذاك أن تنكشف نشاطاتها هناك وقامت بنقلها.

«يقولون (أي المسؤولون الهنود) بأنهم ضربوا معسكرًا إرهابيًا، لكن العديد من المصادر الاستخباراتية تقول بأنها محت آثارها من باكستان في الأيام الأخيرة، والأمر لا يعدو كونه رمزية سياسية ليس إلا، حيث يرغب مودي بإظهار ردة فعل هندية ذات وزن قبيل الانتخابات المقبلة». كان ذلك تصريح “راهول بِدي”، محلل لدى شركة “جين إنفورميشن” المتخصصة بتقديم التحليلات العسكرية والاستخباراتية في لندن، والذي يظل تصريحه متعارضًا جزئيًا مع المصدر الأمني الأول، إذ يُقِرّ بوجود المعسكر حتى أيام قليلة ماضية حتى بدى واضحًا تبلور رد عسكري هندي دفع التنظيم لإخلاء “بالاكوت” وربما بشكل مؤقت فقط.

على الناحية الأخرى، يشير تقرير ميداني لوكالة رويترز بأن مقابلات مع سكان بالاكوت أفادت بأن أنشطة التنظيم لا تزال جارية هناك، حيث يقول أحد السكان بأن معسكرًا للتنظيم بإحدى القمم الجبلية تم تحويله إلى مدرسة دينية منذ سنوات، وأنها تعج بالطلبة طوال الوقت، لكن أحدًا لا يُسمح له بالاقتراب منها، في إشارة إلى احتمالية استمرار بعض التدريبات السرية هناك. بيد أن سكان “بالاكوت” أيضًا لم يشاهدوا أي ضرر واقع على المدرسة (أو المعسكر)، فهُم يشيرون لسقوط قنابل على بعد كيلومتر واحد من المدرسة، مما أدى لتدمير منزل وبضعة أشجار فقط ليس إلا.

مصداقًا لجانبها من الرواية، نشرت(9) باكستان صورة لبعض مما خلفته الضربة الهندية تُظهر أضرارها المحدودة، وحتى تخرج علينا المصادر الهندية الرسمية بدلائل هي الأخرى أكثر وضوحًا لتفاصيل ضربتها الجوية السريعة وما استهدفته، تظل تفاصيل الضربة وأهدافها مبهمة وتميل نتائجها أكثر لصالح الرواية الباكستانية لا الرواية الهندية الدعائية، في حين يظل توقيت الضربة مثيرًا للانتباه، إذ تنعقد في مطلع مايو/أيار المقبل –أي بعد أقل من ثلاثة أشهر- الانتخابات البرلمانية الأهم في البلاد، والتي يطمح رئيس الوزراء “نارندرا مودي” أن يجدّد عبرها أغلبية حزبه الحاكم المُطلقة في البرلمان، ليستمر خمس سنوات أخرى على رأس السُلطة في دلهي.

تحوّل إستراتيجي أم ورقة انتخابية؟

يبدو الرابط بين الضربة الهندية والانتخابات المُقبلة وجيهًا لأول وهلة، إلا أن شواهد عدة لا ترجّح منطقية ذلك التحليل لتفسير تحرّك الهند، إذ يشير(10) سمير لالواني، نائب مدير برنامج جنوب آسيا بمركز ستيمسون للسياسات والباحث بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة، إلى أن استطلاعات الرأي تحت إدارة مودي لا تدعم الفرضية القائلة بأن التحرّك العسكري ضد باكستان من شأنه رفع أسهمه الانتخابية، فقد امتنعت الهند عن الرد عسكريًا بعد هجوم(11) بَتناكوت في يناير/كانون الثاني 2016 حين هجم مقاتلو “جيشِ محمد” على قاعدة جوية بولاية بنجاب الحدودية وقتلوا ستة جنود وضابط، بيد أن استطلاعات الرأي التي أجراها مركز “بيو” Pew” ذائع الصيت قبل وبعد الحادث لم تُظهر أي تغيّر ملحوظ في شعبية مودي، من ظل يحظى بدعم غالبية الهنود في تعامله مع ملف «الإرهاب» الرسمي لنظامه.

إضافة لذلك، فإن توجيه ضربة إلى الداخل الباكستاني بتلك الصورة لأول مرة منذ 48 عامًا يحمل في طياته نقلة استراتيجية لا يمكن أن تُعزى لحالة انتخابية قصيرة المدى، وهي نقلة تعكس تغيّرات مختلفة داخل الدولة الهندية، أولها وجود مودي في السُلطة مع حزبه القومي الهندوسي “بهارتيا جَنَتا”، والذي ارتبط وجوده في السُلطة تاريخيًا باتخاذ مواقف أكثر حزمًا من باكستان، أبرزها حرب “كارغيل” التي وقعت تحت رئاسة وزراء زعيم الحزب السابق “أتال بيهاري واجبايي”، وكانت الحرب الوحيدة حتى الآن التي اعتمدت فيها باكستان على الجماعات المسلحة بشكل غير مباشر، في حين كانت الحروب السابقة وآخرها حرب تحرير بنغلادش عام 1971 حروبًا كلاسيكية بين الجيشين.

ثانيًا، يعكس تحرّك الهند توجهًا متزايدًا داخل الدولة الهندية -تعززه أجندة الحزب القومية- بأن تتحرّك الهند اتساقًا مع وضعها الحالي كواحدة من قوى العالم الكبرى وليس كمجرد دولة نامية، ومن ثم تصبح لها حقوق التصرف العسكري المباشر ضد أي معاقل تصنفها على أنها «إرهابية تهدد أمنها»، وهو وضع لا ينتظر أي توافقات دولية أو يعترف غالبًا بقوانين حاكمة عالمية، تمامًا كما تفعل روسيا في سوريا الآن مثلًا، وكما فعلت الولايات المتحدة سابقًا في أفغانستان والعراق، وكذلك فرنسا في دول إفريقية عدّة، وهو موقف عبَر(12) عنه بوضوح “آرون جايتلي”، وزير المالية الهندي والقيادي المهم بالحزب، قائلًا إن «القوات الخاصة للبحرية الأمريكية أمسكت بأسامة بن لادن في مدينة أبوتاباد الباكستانية، أليس بإمكاننا إذن أن نفعل الشيء نفسه؟ كنا في السابق نتخيل ونتمنى، أما اليوم فصار بإمكاننا القيام بذلك».

أما التغير الثالث في الدولة الهندية فنجده واضحًا في أن الضربة العسكرية تعكس على الأرجح تحوّلات تخص قضية كشمير تحديدًا، وهي القضية المركزية في العلاقات بين الهند وباكستان. فلقد أثبتت حرب كارغيل قبل مطلع الألفية فشل الاستراتيجية الباكستانية بالاعتماد على الجماعات المسلحة لتعويض ميزان القوة المنحاز للهند لأسباب كثيرة ديمغرافية واقتصادية وعسكرية، لا سيّما مع الضغط الشديد على إسلام آباد من جانب واشنطن بعد حادث 11 سبتمبر/أيلول 2001 لمواجهة «الإرهاب» بشكل جدّي يوافق السياسات الأمريكية الحديثة بعدها، وعلى مدار عقد كامل تقريبًا هدأت وتيرة العنف في كشمير، ووصلت أعداد قتلى الصراع فيها إلى أدنى مستوياتها عام 2012، قبل أن تبدأ بالتصاعد مجددًا.

على مدار السنوات السبع الماضية، تراجع الدور الأمريكي بصورة عامة في منطقة الشرق الأوسط بتعريفها الواسع، وتزايد على الناحية الأخرى الحضور الصيني في آسيا بدعمه المفتوح لباكستان، مما أتاح للأخيرة إعادة النظر في نجاعة الجماعات المسلحة كورقة قوية ضد الهند، لا سيّما وقد شهدت دلهي نموًا اقتصاديًا وحضورًا دوليًا كبيرًا هي الأخرى خلال العقد الماضي 2000-2010 بصورة باتت معها مجاراة الهند عسكريًا أصعب كثيرًا على باكستان. وبالتوازي مع تلك التحولات الدولية، شهدت سياسات الهند الداخلية في جامّو وكشمير فشلًا متزايدًا مع ظهور جيل كشميري جديد حانق على عنف الشرطة في محاولة بسط سيطرتها الأمنية، ومتعاطفًا مع من يطلق عليهم ذلك الجيل «المجاهدين»، علاوة على امتلاكه وسائل تكنولوجية تتطور يومًا بعد يوم للتواصل والتعبير، وهي نفس الفترة التي نشبت فيها الانتفاضات العربية لأسباب شبيهة للمفارقة(13).

يشير “لالواني” في قطعته البحثية بمجلة “فورين أفيرز” إلى أن حالات حظر التجوّل وصلت إلى واحدة شهريًا خلال العام 2015، في حين تزايدت جنازات «المجاهدين» وأعداد المشاركين فيها، وكان أكبرها جنازة قائدَين لجماعة “لشكر طيبه” المسلحة والمسؤولة عن تفجيرات 2008 في مومباي، والتي حضرها ثلاثون ألف كشميري، بالتوازي مع انخفاض المشاركة في الانتخابات البرلمانية مقارنة ببقية ولايات الهند، وكذلك بالمقارنة مع نسبة المشاركة في المقاطعة نفسها قبل اندلاع العنف فيها عام 1989، مما يشي بافتقاد السلطات الهندية لشرعيتها السياسية في مقاطعة كشمير (وليس جامّو ذات الغالبية الهندوسية)، غير أن معظم سكّان كشمير راغبون بالاستقلال وليس الانضمام لباكستان كما تطمح الأخيرة وفق استطلاع للرأي أجرى عام 2010.

الهند.. الطائرات وحدها لا تكفي

لقد كان العقد الماضي “2000-2010” هو الأهم لمفهوم «الحرب على الإرهاب» ومواجهة الجماعات المسلحة بعد أن تحوّلت الولايات المتحدة رسميًا للقضاء عليها عالميًا تحت إدارة جورج بوش، ثم استمرت في استهدافها تحت إدارة أوباما، وهو للمفارقة العقد الأهدأ في كشمير لنفس الأسباب، مما أحدث لدى المؤسسات الهندية العسكرية والاستخباراتية أثرًا عكسيًا جعلها أقل اهتمامًا بذلك الملف، في الوقت الذي اهتمت فيه دول مثل إسرائيل وروسيا وفرنسا وبريطانيا بتأهيل مؤسساتها الأمنية للحروب “غير المتوازية” كما عُرِّفَت. وبعد سبع سنوات من استعادة الجماعات المسلحة لفعاليتها في كشمير للأسباب الاجتماعية والدولية المذكورة، تجد الهند نفسها اليوم متخلّفة في مضمار ذلك النوع من الحروب، لا سيّما جوانبها النفسية والأيديولوجية(14).

تشي الضربة الجوية الهندية إذن برغبة واضحة لدى الجيش بالتحرّك الناجع لضرب أوكار التنظيمات المسلحة التي تستهدف الهند في عُقر دارها، لما فيه من حسم واضح لم تتسم به حكومات الهند السابقة، ولما سيمنحه للهند من حق دولي ضمني لمطاردة أعدائها مثلها مثل غيرها من القوى الكبرى. بيد أن التحرّك الجوي يكشف نقاط خلل عدة سيكون على المؤسسات العسكرية والاستخباراتية الهندية تقديم حلول لها إن طمحت في تحقيق نتائج، أهمها أن تحريك القوة الجوية يظل محدودًا بالنظر للجغرافيا المعقّدة للمنطقة، والتي ستحتاج تأهيل وتدريب القوات الأمنية في نهاية المطاف قبل أن تنجح في اقتلاع جذور تلك التنظيمات من كشمير كما يستهدف النظام الهندي. يُضاف لذلك، وهو الأهم، ضرورة الاشتباك الشامل بالإشكالية الاجتماعية الكامنة في قضية كشمير من جانب المؤسسات المدنية، والتي يمكن أن تحلّ عُقدة كشمير بمنح المزيد من الحكم الذاتي للإقليم، وتقليل الاعتماد على العنف الشُرطي الهندي هناك والمؤسسات الأمنية ذات القبضة العنيفة.

على المدى القصير، وحتى إذا تبيّن خلال الأيام المقبلة أن الضربة الهندية لم تُصب أهدافًا حيوية لتنظيم “جيشِ محمد”، تكون الهند قد ضربت مثالًا قابلًا للتكرار يدلل على نظرتها الاستراتيجية الجديدة لجوارها ولنفسها كقوة دولية، أما الرد الباكستاني المحدود حتى الآن فيكشف رفض باكستان لذلك الواقع الجديد الذي تصبح فيه مجرد دولة جوار يمكن استهدافها في أي وقت، بعد أن ظلت لعقود غريمًا رئيسًا وواحدًا من “قطبي جنوب آسيا”، وهو واقع عسكري ونووي فقط، لكنه يتآكل سياسيًا واقتصاديًا بفعل الصعود الهندي المتسارع.

في تلك الأثناء، وتحت ظل حكومة قومية هندوسية يُرجّح استمرارها لخمس سنوات أخرى في مايو/أيار، وهي انتخابات سيفوز فيها مودي وحزبه على الأرجح، في تلك الأثناء تلقي حرب كارغيل بظلالها على العلاقات بين الهند وباكستان، وتفتح الباب لإمكانية العودة للمعارك الساخنة والشاملة بعد أن عاد العنف لكشمير على مدار السنوات السبع الماضية، لكنها معارك لا يستطيع الباكستانيون خوضها الآن بينما يستمر اقتصادهم في التأزُّم، ولا يستطيع الهنود دخولها دون الثقة بتحقيق الانتصار فيها مثلما فعلوا في كارغيل؛ ثقة لا يملكها جنودهم على الأرض وإن كان يملكها ضباطهم في الجو بطائراتهم كما يبدو، لكنه مقدار ما في السماء من ثقة هندية لا يكفي على أي حال.

الجزيرة