استقالة ظريف وأزمة النظام الإيراني

استقالة ظريف وأزمة النظام الإيراني

كشفت استقالة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بتاريخ 26 فبراير الماضي عن أزمة في جانب من جوانب النظام الإيراني، فإعلان الاستقالة جاء عبر تغريدة لوزير الخارجية، لا تمثل الإجراء القانوني المتبع في أي نظام سياسي في العالم، فقد كتب ظريف في رسالة نشرها على حسابه على انستغرام «أعتذر لعدم قدرتي على الاستمرار في منصبي، وعن أي تقصير خلال أدائي مهامي»، وهذه لا تمثل استقالة قانونية.
وكذلك جاءت التعليقات الرسمية والنيابية وفي الحرس الثوري أيضاً، فقد كانت وسائل التواصل الاجتماعي في إيران هي ساحة الأزمة، وجاءت دعوة مستعجلة من داخل البرلمان الإيراني لدراسة الاستقالة وأسبابها وتطوراتها، وهذا يؤكد أن هناك أطرافا في البرلمان الإيراني، أدركت خطورة هذه الاستقالة بهذا الشكل المفاجئ، إضافة إلى التعابير التي أطلقها ظريف في تبرير استقالته أمام الشعب الإيراني، فبينما كان وزير الخارجية ظريف يعبر عن امتعاضه ورفضه لتدخل تيارات سياسية أو أمنية من داخل النظام الإيراني، وصفها بالقوى التي تبث السموم القاتل في السياسة الخارجية، أدرك الشعب الإيراني أن هذه القوى هي من الحرس الثوري الإيراني التي تفرض رؤيتها على قرارات وزارة الخارجية الإيرانية.
أما المشهد الذي تم فيه كشف غياب وزير الخارجية ظريف عن عمله السياسي، فهو عدم حضوره لاستقبال المرشد خامنئي ورئيس الجمهورية الإيرانية حسن روحاني لبشار الأسد، فهذا الاستقبال كان ينبغي أن يحضره وزير الخارجية ظريف من الناحية الدبلوماسية، ولكن ظريف استبعد من هذا اللقاء، وكأن الجهات الأمنية في الحرس الثوري استبعدت ظريف من لقاء الأسد، وعزله عما دار في ذلك اللقاء من مباحثات، تحضيرا وحوارا ونتائج، هذا الاستبعاد وصفه ظريف بأن تلك القوى التي استبعدته تبث السموم داخل الدولة، وليس وزارة الخارجية فقط، وكأنها لا تأمنه على ما سوف يجري الاتفاق عليه مع بشار الأسد، فالاستقالة تعبير عن رفضه قرارات الحرس الثوري الإيراني وتدخلها في شؤون الحكومة الإيرانية، وليس في وزارة الخارجية فقط، علما بأن امتعاضات ظريف وصلت إلى حد رفضه تصريحات للمرشد علي خامنئي أيضاً، وغيره من المسؤولين العسكريين.
وقبل أن يعقد البرلمان جلسة مناقشة استقالة ظريف، سارع الرئيس روحاني إلى رفض الاستقالة، معللا رفضه بتأييد المرشد له قائلا:» لأنك كما وصفك قائد الثورة الإيرانية الأمين والشجاع والأبي والمتدين، وفي طليعة المواجهة أمام الضغوط الأمريكية الشاملة، فإنني لا أوافق على استقالتك لأنها تتنافى مع مصالح البلاد»، وتابع روحاني: «على السلطات والمؤسسات الحكومية كافة أن تنسق مع وزارة الخارجية في ما يتعلق بالعلاقات الدولية، كما تم الإيعاز عدة مرات». هذا جواب طبيعي من رئيس الجمهورية الذي اختار ظريف ليتسلم حقيبة وزارة الخارجية عام 2013، أما الرد غير الطبيعي على رفض الاستقالة، فهو ما جاء على لسان الجنرال قاسم سليماني، الذي قدم ما يمكن اعتباره تعهدا علنيا وصريحا بأن الحرس الثوري لن يتدخل في سياسة وزارة الخارجية الإيرانية، وكأن هذا التصريح كان شرطا لجواد ظريف قبل عودته عن الاستقالة، ولكن لماذا يخرج هذا التصريح من سليماني وليس من غيره من قادة الحرس الثوري، وهنا يجري الربط بين سليماني وظريف وزيارة بشار الأسد لطهران، فقرار استبعاد ظريف من لقاءات الأسد جاء من الجنرال قاسم سليماني في الغالب، بوصفه المنافس لظريف في تحديد السياسة الخارجية لإيران، ومسؤول عن توسيع النفوذ الإيراني في الخارج، وإلا فلماذا يتدخل قائد لواء في الحرس الثوري باستقالة وزير الخارجية، وكأن الصراع بين جواد ظريف وقاسم سليماني فعليا.

استقالة ظريف تعبير عن رفض تدخل الحرس الثوري الإيراني في شؤون الحكومة الإيرانية، وليس في وزارة الخارجية فقط

إن الشعرة التي قصمت ظهر البعير، ليست فقط زيارة بشار الأسد لطهران، التي لم علم بها وزير الخارجية الايراني من وسائل الاعلام، فالأزمة أكبر من ذلك وقبلها، فمنذ إجراء مفاوضات الملف النووي مع الدول الست، كانت أصوات المحافظين المتشددين من البرلمانيين والحرس الثوري الإيراني ضد التنازلات التي قدمها ظريف لأمريكا، فقد كان ظريف رئيس المفاوضين الإيرانيين، ولو لم يعط وزير الخارجية الأمريكية السابق جون كيري الضوء الأخضر للحرس الثوري الايراني لاحتلال سوريا، لما أصدر خامنئي مباركته للاتفاق النووي، ولما دعم وزير خارجيته جواد ظريف، أمام المتشددين في الحرس الثوري الإيراني حينئذ، فخامنئي هو من قدم الغطاء لبقاء ظريف في الوزارة حتى اليوم، وروحاني لا يزال بحاجة لظريف لمتابعة الملف النووي مع أمريكا، بعد تخلي ترامب عن ذلك الاتفاق، وتمكّن الجنرال قاسم سليماني من إقناع خامنئي وروحاني باستبعاد ظريف من لقاء الأسد دليل على عدم ثقته به. كما أن استبعاد قاسم سليماني لجواد ظريف من لقاء الأسد يكشف عن أن الأسد والحرس الثوري وخامنئي يعدون لخطة مواجهة ضربة أمريكية وإسرائيلية محتملة بشدة، سواء لحزب الله اللبناني في لبنان أو في سوريا، وخطة المواجهة أمنية وعسكرية، ولا ترغب هذه الأطراف إطلاع وزير الخارجية جواد ظريف عليها، باعتبارها خطة عسكرية وليست سياسية، وهذا يدل على علمهم المسبق برفض ظريف لأي عمل عسكري متهور يمكن أن تقوم به إيران في سوريا أو في لبنان، وما يرجح هذه القراءة أن بريطانيا اتخذت قرارا باعتبار حزب الله اللبناني تنظيما إرهابيا بجناحيه العسكري والسياسي قبل الاستقالة بيوم واحد، وهذا مؤشر على تحرك أمريكي قريب ضد حزب الله بالدرجة الأولى، وما يؤكد ذلك تصريح لمسؤول عسكري إسرائيلي بتاريخ 27 فبراير الجاري، بأن إسرائيل قد تستخدم أسلحة غير اعتيادية ضد حزب الله اللبناني إذا هاجمها، فتوقيت إصداره هذا التهديد الإسرائيلي رسالة تهديد لإيران وحلفائها بعدم التفكير بالرد على أي هجوم عليهم، وذهاب بشار الأسد إلى إيران وليس إلى موسكو رسالة إلى اسرائيل أولاً، وإلى موسكو ثانياً، بأن التحالف الطائفي بين بشار وخامنئي هو الأصل في بقاء الأسد في الحكم حتى الآن، وليس بسبب الوجود الروسي، أو هكذا يريدون أن يوصلوا رسالة إلى موسكو قبل غيرها بهذا الصدد.
لا شك أن الأزمة في أصلها أزمة نظام سياسي ذي جناحين، أحدهما يركز على عمل الدولة السياسية، وهو الجناح الظاهري للدولة الإيرانية أمام العالم، والجناح الثاني هو جناح الثورة الإيرانية ويمثلها المرشد والحرس الثوري الإيراني، وهو من يتولى تصدير الثورة والتوسع الخارجي، والجناح الأخير هو الأقوى في قرارات الدولة الإيرانية الداخلية والخارجية، أي بما فيها السياسة الإيرانية الخارجية، بينما يظن وزير الخارجية ظريف بأنه بحاجة إلى مظاهر ضرورية لمنصب وزير الخارجية، وعدم إحراجه أمام الإعلام بفراغ منصبه من اتخاذ القرارات السياسية الخارجية، وهذا ما عبر عنه نائب رئيس مجلس الشورى الإيراني علي مطهري بانتقاده للرئيس روحاني، باتهامه بأنه هو من يفسح المجال للحرس الثوري «للتدخل في السياسة الخارجية»، وطالب روحاني بأن يصلح هذا الخلل، ورفض الاستقالة ومطالبة الحرس الثوري الإيراني بإعلان عدم تدخله في وزارة الخارجية الإيرانية وقراراتها، وهذا ما قام به قاسم سليماني، بوصفه المنافس لظريف، باعتباره الجنرال الأقوى في الحرس الثوري الإيراني، وقد يكون خليفة للمرشد خامنئي بعد وفاته.
قد لا يكون ظريف جادا بالاستقالة، وإن استقالته ردة فعل على تجاهله في وظيفته، وذلك يقرأ من تعبيره عن أمله بقوله إن «تشكل استقالتي تنبيهاً لعودة وزارة الخارجية إلى مكانتها القانونية في العلاقات الخارجية»، وكأنه يعبر عن شرطه أو مطالبته بذلك، ولكن لا يمكن اعتبار عودته عن الاستقالة، وتراجع التدخل من الحرس الثوري بأنه نهاية الأزمة، بل الأرجح أن يتم طرد ظريف في حالة تعرض إيران أو أحد حلفائها لهجوم خارجي مدمر.