روحاني يزور بغداد تأكيدا للنفوذ وبحثا عن متنفس اقتصادي

روحاني يزور بغداد تأكيدا للنفوذ وبحثا عن متنفس اقتصادي

لا يغطي الطابع الاقتصادي للزيارة التي سيقوم بها الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى العراق على الرسالة السياسية التي تريد طهران أن توصلها من خلالها إلى المجتمع الدولي بأنها لا تزال تُحكم قبضتها على جزء من العالم العربي برغم الضغوط الشديدة المسلطة عليها والهادفة إلى الحد من نفوذها في المنطقة.

بغداد – يستعد الرئيس الإيراني حسن روحاني لزيارة العراق الأسبوع القادم، لأول مرة منذ تشكيل الحكومة الجديدة في بغداد واختيار عادل عبدالمهدي رئيسا لها.

ولم يسبق لروحاني أن زار العراق في ولايته الحالية أو السابقة. وتأتي زيارته الوشيكة في ظل ازدياد الضغوط الاقتصادية والعقوبات الشديدة التي تفرضها واشنطن على طهران بسبب ملفها النووي وأنشطتها في المنطقة.

وتقول مصادر دبلوماسية لـ”العرب” إن “إسهام بغداد في تخفيف ضغط العقوبات الأميركية على إيران سيكون على رأس جدول أعمال زيارة روحاني إلى العراق”.

وتضيف المصادر “أن مسؤولين في البنك المركزي الإيراني سيرافقون روحاني إلى بغداد أملا في التوصل مع نظرائهم العراقيين إلى صيغ تساعد في الالتفاف على العقوبات الأميركية التي تقيد التحويلات المالية بالدولار بين البلدين”.

وتحاول حكومة روحاني التي تتعرّض أيضا لضغوط داخلية متزايدة من قبل الدوائر الأكثر تشدّدا وقربا للمرشد علي خامنئي وعلى رأسها الحرس الثوري الإيراني، استثمار نفوذ إيران في العراق والذي تعاظم أثناء خوض الحرب على تنظيم داعش والتي أفسحت المجال لقاسم سليماني قائد فيلق القدس ضمن الحرس الثوري للتدخل بشكل متزايد في الشأن العراقي وتعظيم دور قادة الميليشيات الشيعية في العراق عسكريا وسياسيا.

روحاني لدى كثير من الساسة العراقيين ليس هو بوابة العبور إلى طهران بل قاسم سليماني الذي ساهم بتشكيل المشهد العراقي

ويرى متابعون للشأن العراقي، أنّ من الوارد أن تتم المقارنة بين روحاني وسليماني في سياق معادلة تكون الغلبة فيها للثاني بحكم ارتباط زعماء الأحزاب والميليشيات الدينية به أو من خلاله بالمرشد الأعلى. غير أن الطابع الاقتصادي لزيارة روحاني سيضفي، بحسب أحد المحللّين السياسيين، “أهمية على الزيارة من جهة ما تمثله على مستوى الوفاء للعقيدة وهو أمر يتجاوز الاتفاقات المبرمة مع الولايات المتحدة في ما يتعلق بالعقوبات المفروضة على إيران ومدى التزام الحكومة العراقية بتطبيقها”.

ويضيف ذات المحلّل “ذلك يعني أن الحكومة العراقية قد تكون مضطرة إلى مجاراة الخطط الإيرانية للاستفادة من العراق باعتباره مخرجا مهما يعينها على الحصول على العملات الصعبة وفي مقدمتها الدولار الأميركي. وإذا ما عرفنا أن السوق العراقية لا تزال تعتمد في جزء كبير من نشاطها على الصادرات الإيرانية فإن تنفيذ المطالب الإيرانية يبدو أمرا معقولا بغض النظر عما يمكن أن يسببه ذلك من إحراج للحكومة العراقية”.

ويستدرك المحلّل السياسي العراقي بالقول “غير أن الطابع الاقتصادي ينبغي ألا يغطي على المعنى الرمزي للزيارة. فمن خلالها تسعى إيران إلى بث رسالة إلى المجتمع الدولي بأنها لا تزال تحكم قبضتها على جزء من العالم العربي، برغم الشروط الأميركية التي تنص على إنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة. وهو تحد تسعى طهران من خلاله إلى وضع المجتمع الدولي أمام واقع جديد، تعتقد أنها صارت بموجبه المرجعية التي يجب على العالم التفاوض معها من أجل وضع حلول لأزمات المنطقة. فروحاني الذي سبق له أن عبّر عن تمسكه بسياسات بلاده التوسعية لا يمكنه إخفاء حقيقة أن تلك الزيارة تنطوي على استعراض للقوة، يعتقد الإيرانيون أنهم في حاجة إليه تأكيدا لعدم استسلامهم لتأثيرات العقوبات السلبية على الاقتصاد الإيراني”.

ويظل السؤال قائما بشأن مدى استعداد بغداد لمجازفة الالتفاف على العقوبات الأميركية ضد إيران. ويقول مسؤول في وزارة المالية العراقية لـ”العرب” إن “العراق أبرم اتفاقا مع الولايات المتحدة على تكليف فريق دولي بمراقبة حركة الأموال بين المصارف المحلية وأنشطتها الخارجية، في إطار خطة لتجفيف مصادر تمويل الإرهاب، هدفها الرئيس ضمان منع تحويل الدولار إلى إيران بأي صيغة”.

ويضيف أن “مسؤولي البنك المركزي الإيراني عرضوا خلال الأسابيع الماضية خططا خطرة على نظرائهم في البنك المركزي العراقي تمكن الطرفين من تبادل مبالغ محدودة بعملات مختلفة بينها الدولار الأميركي”، مؤكدا أن “هذه الخطط لم تثر حماسة العراقيين الخائفين من إغضاب الولايات المتحدة”.

وتعتمد إيران على العراق بشكل رئيس في تعاملاتها التجارية. وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال العام الماضي 12 مليار دولار تحاول إيران رفعها إلى 20 مليارا على ما أفاد روحاني نفسه في وقت سابق.

وتقول المصادر إن “زيارة روحاني إلى العراق، تستهدف حث المسؤولين في بغداد على مناقشة الخطط الإيرانية في مجال التبادل التجاري أملا في ضمان تدفق الدولار من العراق على إيران”.

وفضلا عن الأهداف الاقتصادية البحتة التي تحرك هذه الزيارة فإن زيارة روحاني يمكن أن تمثل رسالة إيرانية إلى الولايات المتحدة، بأن بغداد ستبقى تحت هيمنة النفوذ الإيراني بالرغم من المساعي الأميركية لمواجهة هذا الواقع، بحسب مراقبين.

لكن قدرة روحاني على التأثير على الساسة العراقيين موضع شك في ظل رغبة معظم قادة الأحزاب والفصائل المسلحة القريبة من إيران في التعامل مع المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي ممثلا برسوله شبه الدائم إلى بغداد الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري.

ويقول ساسة عراقيون اختبروا التعامل مع روحاني وسليماني على حد سواء إن الأخير يمثل السلطة الدينية صاحبة القرار النهائي في إيران فيما يمثل الأول
السلطة الرسمية التي تخضع بدورها للمرشد الأعلى.

على هذا يعتقد ساسة عراقيون أن تعهدات سليماني واجبة التنفيذ، ولا يحتاج أن يراجعها إلا مع خامئني ما يضعها خارج قيود المؤسسات ويقربها أكثر من صيغ التعاطي الشخصي فيما لا يعدو روحاني أن يكون موظفا إيرانيا كبيرا بدرجة رئيس عليه أن يخضع للمؤسسة الدينية وقوانينها في بلاده، كما أن عليه الالتزام بصيغ التعامل الرسمي من قبيل عرض مخططاته على مؤسسات أخرى في إيران قبل الشروع في تنفيذها.

وتظهر صور ينشرها سليماني نفسه، الجنرال الإيراني رفقة كثير من المسؤولين العراقيين بالزي العسكري وهم يتناولون الطعام أو يتناقشون ما يعكس النفوذ الكبير الذي يملكه هذا الرجل في العراق.

ولم يتغيب الجنرال الإيراني عن اجتماعات عقدتها أحزاب وتحالفات عراقية قبل وبعد انتخابات مايو العامة. وتؤكد المصادر أنه لعب دورا مؤثرا في تشكيل عدد من القوائم الانتخابية فضلا عن حضوره الفعّال في عملية تسمية كبار المسؤولين والوزراء العراقيين.

ويعتقد الكثير من الساسة العراقيين أن البوابة نحو طهران تمر عبر سليماني وليس روحاني فيما لا يحاول الرئيس الإيراني منافسة الجنرال في التأثير على الملف العراقي.

العرب