التمرد الانفصالي في بابوا يصطدم بصخرة السيادة بإندونيسيا

التمرد الانفصالي في بابوا يصطدم بصخرة السيادة بإندونيسيا

يشكل تصاعد العنف بشكل لافت خلال الأشهر القليلة الماضية في إقليم “بابوا” شرقي إندونيسيا من قبل متمردين انفصاليين من السكان الأصليين؛ صداعا للسلطات في جاكرتا، التي تبدي تصميما على إخماد التمرد، وعدم السماح بتكرار السيناريو الانفصالي في تيمور الشرقية.

ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قتل أكثر من خمسين شخصا في هجمات لحركة متمردة انفصالية تطلق على نفسها “الجيش الوطني لتحرير بابوا الغربية”. وكان أشدها عنفا الهجوم الذي وقع يوم 2 ديسمبر/كانون الأول الماضي وأسفر عن مقتل 31 شخصا جلهم عمال بناء في موقع لشق طريق سريع، وفق الحكومة الإندونيسية.
وتبنى الهجوم جيش تحرير بابوا الغربية الذي قال إن القتلى جنود، بينما وصف الجيش الإندونيسي العملية بالمجزرة، وأعلن عن إرسال 600 عسكري إضافي لتأمين استكمال شق الطريق السريع.

كما قتل العديد من عناصر الجيش والأمن الإندونيسيين في هجمات بأسلحة نارية وتقليدية. ويعود أحدث هجوم إلى الخميس الماضي، وأسفر عن مقتل ثلاثة جنود.

وليس هناك تقدير دقيق لعدد المسلحين الانفصاليين المنخرطين في هذا الصراع الذي نادرا ما يتم تناوله في الإعلام. وعادة ما يشن هؤلاء هجماتهم انطلاقا من مخابئهم في الأدغال، كما تتركز المواجهات بين الطرفين أساسا في المرتفعات المغطاة بالغابات الكثيفة.

ويعود التمرد إلى مطلع ستينيات القرن الماضي حين انسحب المحتلون الهولنديون من القسم الغربي من الجزيرة لتسيطر عليه إندونيسيا عسكريا، قبل أن تضمه رسميا بموجب استفتاء جرى عام 1969 واعترفت به الأمم المتحدة. وكانت “حركة بابوا الحرة” هي من أطلق شرارة العمل المسلح ضد القوات الإندونيسية المنتشرة في الإقليم.

ورغم أن بابوا حصلت على قدر من الحكم الذاتي عام 2001، فإن نفس الحركة الانفصالية (التي يمثل جيش تحرير بابوا الغربية جناحها العسكري) لم تتخل عن هدفها بإقامة دولة مستقلة على أراضي الإقليم على غرار الدولة الجارة، بابوا غينيا الجديدة القائمة في القسم الشرقي من الجزيرة.

تقرير المصير
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، قدم رئيس الحركة الموحدة لتحرير بابوا الغربية بيني وندا إلى المفوضة الأممية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه عريضة بعنوان “تقرير المصير”، قال إنها تحمل توقيعات 1.8 مليون شخص من مجموع سكان الإقليم الذين يتجاوز عددهم ثلاثة ملايين.

وقبل ذلك، نقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن المتحدث باسم الحركة جاكوب رومبياك أنهم مستعدون للحوار في الأمم المتحدة لحل المشكلة، ملوحا في نفس الوقت بالحرب.

لكن مواقف السلطات في جاكرتا مما يجري في بابوا تكشف بوضوح تصميمها على إنهاء التمرد المسلح في الإقليم الغني بالنفط والمعادن من ذهب ونحاس.

ورغم أن إندونيسيا تتعرض لانتقادات بسبب ما يتردد عن انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في بابوا، فإن حركة التمرد لم تحصل على أي دعم لمطلبها بتقرير المصير، كما أن جاكرتا لم تواجه أي تشكيك في سيادتها على الإقليم، بما في ذلك من دول إقليمية مهمة على غرار أستراليا.

وفي نهاية فبراير/شباط الماضي أكد قائد الشرطة الإندونيسية في الإقليم مارتواني سريغار أن كل من يدعو إلى استقلال بابوا سيعتقل، وفق ما نقل عنه موقع “فري وست بابوا” المؤيد للحركة الانفصالية.

وفي تصريحات له الجمعة نقلتها وكالة الأنباء الرسمية عقب أحدث هجوم للمسلحين البابواويين، قال الرئيس الإندونيسي جوكو ويدويودو إنه أمر السلطات الأمنية بإنهاء المشكلة التي يمثلها المتمردون الذين تنعتهم حكومة جاكرتا بالمجموعة الإجرامية.

كما أن وزيرة الخارجية رنتو مرصودي أكدت مؤخرا خلال مؤتمر دبلوماسي أن بلادها لن تتراجع قيد أنملة إذا ما تعلق الأمر بسيادتها.

وحتى الآن، لا يشكل التمرد المسلح -فيما يبدو- تهديدا جديا لكونه ظل لعدة عقود من الزمن محصورا في نطاق محدود، ولكن إندونيسيا -أكبر بلد مسلم بعدد سكان يتجاوز 268 مليونا وفق أحدث تقديرات للأمم المتحدة- تعمل على مسارات أمنية وتنموية ودبلوماسية لمنع محاولة انفصالية جديدة.

وكانت إندونيسيا قد دفعت ثمنا حين انفصل عنها إقليم تيمور الشرقية عام 2002 بعد صراع خلف نحو مئة ألف ضحية جراء القتال والجوع والأمراض، وأيضا حين شهد إقليم آتشه حربا انفصالية بين عامي 1976 و2005 قتل فيها 15 ألف شخص، وفق بعض التقديرات.

حل للمعضلة
وفي مواجهة معضلة التمرد في بابوا، التي تعود في جزء منها إلى تهميش الإقليم وفق ما يراه كثيرون، تَعِد السلطات الإندونيسية بالتسريع في مشاريع التنمية هناك.

وتعهد الرئيس ويدويودو الذي يسعى للفوز بولاية ثانية في انتخابات أبريل/نيسان المقبل، بالانتهاء من مشروع الطريق السريع في بابوا ضمن إطار وعوده بتنمية الإقليم الذي عُد من بين أفقر أقاليم البلاد الأربعة والثلاثين، حسب معطيات نشرت العام الماضي.

وتقول الحكومة الإندونيسية إن الطريق السريع سيتيح ربط المناطق النائية في الإقليم بعضها ببعض، وبناء مرافق صحية وتعليمية من شأنها تسريع عجلة التنمية.

في المقابل، يثير المشروع لدى بعض المجموعات مخاوف من أنه قد يدمر أراضي أجدادهم والغابات الممتدة التي تعد موطنا لهم.

ويشكل السكان الأصليون نحو 50% من مجموع سكان بابوا، كما أن نصفهم تقريبا من المسيحيين البروتستانت، في حين يشكل المسلمون 41%، والمسيحيون الكاثوليك 7%، حسب بعض التقديرات.

المصدر : وكالات,الجزيرة,مواقع إلكترونية