الغش التجاري قتل للمواطن العراقي وخسائر للاقتصاد الوطني بأكثر من 100 مليون دولار سنويا

الغش التجاري قتل للمواطن العراقي وخسائر للاقتصاد الوطني بأكثر من 100 مليون دولار سنويا

 


الباحثة شذى خليل*

ظهرت في السنوات الأخيرة وبالتحديد بعد عام 2003 الكثير من الظواهر الاقتصادية السلبية التي انعكست على المواطن بصورة خاصة ، والاقتصاد العراقي ، حيث باتت الأسواق المحلية ، حقلا لتصريف المنتجات المغشوشة والمنتهية الصلاحية ولا تخضع الى الرقابة ، وتخوض السلطات العراقية ، حربا من نوع مختلف ضد التهريب عبر المنافذ التجارية مع دول الجوار ، بالتزامن مع حرب مماثلة داخل المدن تستهدف المناطق الصناعية بحثاً عن ورش ومعامل تمارس الغش الصناعي والتجاري معا والذي استفحل في البلاد.
وعلى الرغم من اقرار مجلس النواب قانون حماية المستهلك , الا انها لازالت موجودة وبكثرة ، فان وجود بضائع غير خاضعة للرقابة المحلية يستوردها العديد من التجار ، ويدفع ثمنها مواطنون نظراً لوجود غش صناعي يتمثل بعمليات تزوير على علاماتها التجارية , وضعف الرقابة الاقتصادية والقانونية أدى الى انتشار عشرات المصانع التي تمارس الغش التجاري من خلال تقليد ماركات البضائع والمواد الغذائية وتمديد صلاحية المنتهية منها بهدف الإضرار بصحة المواطن , فضلا عن الأضرار بالصناعة الوطنية وخاصة مثيلاتها من المستورد , وتشهد مناطق أطراف العاصمة انتشاراً كبيراً لتلك المصانع والمطابع التي تعمل في هذا المجال , فالعراق يخسر يومياً آلاف الدولارات نتيجة عدم وجود ضوابط تحدد العلامات التجارية التي تتناسب مع المواصفات العراقية ، كما ان معظم التجار في العراق يقومون باستيراد ألاف الاطنان من البضائع المزورة تحت مسميات وعلامات تجارية عالمية ، في حين لا تمتلك تلك البضائع ما نسبته 10% من المواد الاصلية التي تحمل تلك العلامة
ويرى اقتصاديون ان تزوير الماركات والصلاحيات ارهاباً من نوع آخر فهو يستهدف صحة المواطن من خلال التعمد بإدخال مواد غذائية منتهية الصلاحية وفي أغلب الاحيان تكون مسرطنة مستغلين الفساد الذي ينخر المنافذ الحدودية والذي يسمح بدخول تلك البضائع والمواد الغذائية غير المطابقة للمواصفات العالمية مما أدى الى غياب الثقة ما بين المواطن والأجهزة الرقابية التي تراها تنشط في المحافظات وتختفي في العاصمة بغداد .

غش معامل الحليب:
ففي محافظة الديوانية ، أكدت مدير عام دائرة صحة الديوانية لمياء الحسناوي ، في شباط المنصرم ، أن فرق الرقابة الصحية تمكنت من خلال جولاتها المكثفة والدقيقة من ضبط أكبر معمل للحليب والتايت لتعبئة وتزوير الماركات العالمية.
واوضحت الحسناوي أن المعمل يقوم وبشكل متخفٍ بتعبئة المواد المختلفة ويضع عليها ماركات مزورة تعود لشركات تجارية معروفة مثل ماركة حليب النيدو والمدهش ، ومسحوق إريال للغسيل، ولفتت الحسناوي إلى انه تمت مصادرة جميع المواد المضبوطة وإحالة صاحب المعمل الى الجهات التحقيقية والقضائية المختصة.
الأسباب وراء الغش الصناعي:
توقفت أغلب المصانع المحلية بعد عام 2003 ، بالتزامن مع تزايد الطلب على معظم السلع الاستهلاكية والمعمرة، وتعطش السوق بعد سنوات الحصار العجاف ، وبعد الانفتاح شبه الكامل للمنتجات القادمة من الخارج ، يضاف إلى ذلك الحاجة للسلع ، فهناك الكثير من السلع والمواد المستهلكة دخلت البلاد بكميات كبيرة ومتنوعة ومتشابهة ، فالاتجاه نحو العالمية أدى إلى ظهور شركات عالمية عملاقة ، ونظام مشاركة المنتج حتى أصبح من الصعب تحديد جنسيتها .

كل هذا أدى الى رواج السلع المقلدة «المغشوشة» ، ما انعكس على الاقتصاد الوطني بخسائر كبيرة ، فالمستهلك للسلعة المقلدة يشتريها لرخص ثمنها ، وتمكث معه بضعة شهور ، ويشتري غيرها حتى نجد أنه يستهلك عددا من الوحدات خلال عام واحد ، بينما السلعة الأصلية تمكث معه عدة سنوات ، فللسلع المقلدة أضرارها الكبيرة على المستهلك ، ولكن ليس على المدى القصير ، بل على المدى الطويل ، ما يؤدي إلى خسائر كبيرة على الاقتصاد الوطني ، لذلك يمكن القول إن السلع الأصلية هي السلع التي تتمتع بخصائص مادية ملموسة وحماية قانونية كافية وعمر طويل أيضا.
ويؤكد مسؤولون في الحكومة العراقية ان الغش اتجاري تصاعدت وتيرته في العامين الماضيين ، حيث استغل البعض انشغال قوات الأمن وأجهزة الدولة بالحرب على تنظيم “داعش” ، ما دفع الأسواق نحو التوسع في الغش والكسب الحرام.

وفي ذات السياق ، قال عضو لجنة الجودة في وزارة الصناعة العراقية محمد الخالدي إن السلطات العراقية شكّلت 82 فريقا رصد وتفتيش في عموم مدن البلاد لملاحقة ورش ومعامل تمارس الغش التجاري ، يقدر عددها بأكثر من 5000 معمل على أقل تقدير ، تقوم بتصنيع مواد مختلفة بشكل رديء وتخدع المستهلك بعلامات تجارية عدة.
وأكد الخالدي تكبّد الاقتصاد العراقي أكثر من 100 مليون دولار سنويا ، بالإضافة إلى تسجيل حالات وفيات بين المواطنين ، مقدّراً زيادة الغش بنسبة 100% خلال العامين الماضيين.
وأضاف ، أن معامل منتشرة للسلع المغشوشة ومنها مياه غازية ومعجون طماطم وبطاريات سيارات ومعلبات غذائية مختلفة وأجهزة كهربائية والكترونية وملابس ، باتت تغرق السوق وتستخدم ماركات تجارية معروفة وتباع بسعر أقل والمستهلكون في القرى والأرياف والمدن البعيدة عن الرقابة هم ضحايا تلك البضائع المغشوشة.

المواطن والاقتصاد الوطني هما ضحية الغش الصناعي!
عملية الإغراق السلعية والجهل في التوجيه والإرشاد ، من شأنهما أن تنبهان المواطن المستهلك لمخاطر السلع المغشوشة ، وغياب دور الرقابة وعدم تفعيل قانون حماية المستهلك ، كما هو معمول به في الكثير من دول العالم ، وهذا ما يعني تخلي عن واجبات الجهات المعنية في الدولة العراقية في حماية المستهلكين ، خاصة إذا ما تعلق الأمر ببعض البضائع الغذائية أو الأدوية او التجميلية التي تتداخل في صناعتها المواد الكيمياوية .

أصبح تلفَ الأغذية أو فسادها مِن الظواهرِ اليومية المتكررة في العراق ، وَالَّذِي تتحكم فِيه عوامل عدة ، مِنْ بَيْنَها: تركيب الغذاء ، قدرته عَلَى تحملِ الرطوبة ، نسبة الدهون والبروتينات والكربوهيدرات الداخلة فيه ، طريقة التداول ، خطوات التصنيع ، الوقت ، التخزين ، فضلاً عَنْ وجودِ الكائنات الدقيقة فِي الوسطِ المحيط بالغذاء ، والمتوجبُ إدراكه أيضاً هو استحالة تحقق تأثير كلّ عامل لوحده ، فعادةً تعمل جميع العوامل المذكورة آنفاً سويةً ، وتؤثر كلها ببعضها البعض مِنْ دُونِ تيسر إمكانية لفصلِها.
وان عمليةِ إخفاء حقيقة البضاعة بتغييرها تغييراً مادياً حتى تصبح شيئاً آخر بقصد إظهارها بغيرِ مظهرها الحقيقي باسْمِ «الغش التجاري» ، مع العرضِ أنَّ تعريفَ هذه الجريمة والسياقات المتبعة فِي التعاملِ مع حيثياتها تختلف مِنْ بلدٍ لآخر بالاستنادِ إلى طبيعةِ التشريعاتِ القانونية النافذة ، والمثيرُ للاهتمامِ هو تعدد أساليب الغش التجاري ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، ما تزال مشكلةَ الألبان الخالية مِن الحليب والنقانق الخالية مِن اللحمِ وغيرها مِن المنتجاتِ المغشوشة ، تثير القلق لدى الهيئات الحكومية والمستهلكين فِي بعضِ البلدان ، فالسلطات الروسية اضطرت فِي عام 2016م إلى إغلاقِ مصنع لإنتاجِ جبنةٍ قابلة للاشتعال ، بعد أنْ ثبت أنها لا تحتوي عَلَى أثرٍ للحليب ، ولا تصلح بحسبِ المصادر الروسية سوى لملء قنديل مِنْ زيتِ الغاز.
وبالتأكيد ، فإن نشر الوعي الاقتصادي لديهم ، وتحذيرهم من السلع المقلدة ، يصاحب ذلك تنفيذ جولات تفتيشية على السلع المقلدة لدى التجار ، وتقارن أسعارها بأسعار السلع الأصلية ، ومجازاة التجار الذين يبيعون السلع المقلدة بنفس أسعار السلع الأصلية ، حيث أن السلع المقلدة لها استراتيجية خاصة في التسعير تختلف عن السلع الأصلية ذات المناشئ المعروفة والماركات العالمية الأساسية .

وذلك نظرا لتعدد الشركات العالمية المشاركة في إنتاج هذا المنتج ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، إن منتجي السيارات يقومون بتصنيع قطع الغيار وتجميع أجزائها من دول أخرى باستخدام بعض الإلكترونيات التي تم تصنيعها في اليابان ، فهناك الكثير من قطع غيار السيارات اليابانية مقلدة ومصنعة في دول شرق آسيا ، وليس الأمر يقتصر على قطع غيار السيارات ، إلا أن هناك الكثير من السلع المقلدة ومكتوب عليها صنع في اليابان وهي مصنعة في دول أخرى ، بل وإن بعضها كان يصنع داخليا في أوقات مختلفة.
من المهم جدا حماية وتوعية المستهلك العراقي للتمييز بين المنتج الأصلي والمقلد ، خاصة وأن العراق يرغب ويسعى لدخول منظمة التجارة العالمية ، وهذا يعني انفتاحا تاما على أسواق العالم بما يتيح المجال واسعا أمام ما بات يعرف بالغش التجاري ، وهذا ما يحتم على الجميع مواجهة موجة الغش التجاري ومحاربته بكل الإمكانات والقدرات ، وذلك بتشجيع صناعتنا الوطنية ، وفتح المجال لتصنيع المواد المستوردة من الخارج ، حيث تتوافر لدينا الإمكانات المالية والبشرية ، ما سيساهم بشكل كبير في عودة القطاع الخاص للعمل وفق منظور ورؤية جديدة ، طالما ان الكثير من البضائع القادمة للعراق هي مصنعة في دول مجاورة ، أو بعيدة نوعا ما ، وبالتالي فإن أمكانية تصنيعها في العراق واردة وممكنة في ظل توفر الإمكانيات البشرية والمادية معا.

خلاصة القول ، انَّ المستهلكَ (المواطن العراقي) يُعَدّ الخاسر الأكبر مِنْ تدهورِ نوعيةِ المنتجات ، بالإضافةِ إلى الإضرار بالاقتصاد الوطني ، وقد تميزت الفترة الماضية بكثرةِ التقارير الخبرية المستندة إلى بياناتٍ مِن الجهاتِ الصحية وبعض الحكومات المحلية ، وَالَّتِي تحدثت عَنْ عدمِ صلاحية الكثير مِن المنتجاتِ الغذائية – الَّتِي يجري ترويجها بوساطةِ جماعاتٍ متخصصة فِي هذا المسار الإجرامي – للاستهلاكِ البشري ، بالنظرِ لخطورةِ بعض المواد الأولية المستخدمة فِي عمليةِ تصنيعها عَلَى صحةِ الإنسان وسلامته ، غير ان البعض الآخر يجري إعادة تغليفه بعد تغيير تواريخ الإنتاج ومدة الصلاحية ، عَلَى الرغمِ مِنْ كونِه تالفاً أو منتهي الصلاحية ، وعرضها إلى المستهلكين مجدداً فِي السوقِ المحلي ، بوصفِها بضاعة جديدة منتجة فِي مصانعٍ رصينة ، مثلما حصل مع الكثير مِن المنتجات الغذائية الفاسدة الَّتِي تدخل البلاد فِي ظلِ الظروف الموضوعية الَّتِي ساهمت فِي انتشارِ ظاهرة الفساد .

 

وحدة الدراسات الاقتصادية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية