عملية سلفيت: صفعة متعددة الأوجه لرهانات إسرائيل على “السلام الاقتصادي”

عملية سلفيت: صفعة متعددة الأوجه لرهانات إسرائيل على “السلام الاقتصادي”

مرة أخرى يخرج فدائي من حيث لا يدري الاحتلال الإسرائيلي، فيطعن ويطلق النار ويقتل وينسحب من المكان، ليثبت فشل المنظومة الاستخباراتية والأمنية الإسرائيلية. لكن عملية سلفيت، التي نفذها، الأحد الماضي، فتى فلسطيني لم يتجاوز 19 سنة، أثبتت أمراً إضافياً، وهو أن “السلام الاقتصادي”، الذي تنشده إسرائيل لاحتواء الفلسطينيين، أصيب أيضاً بعدة طعنات في الأشهر القليلة الماضية.
ولم تدخل قرية الزاوية، غرب مدينة سلفيت شمال الضفة الغربية، دائرة الاهتمام الإعلامي فقط، بل إنها أصبحت مسرحاً لاقتحامات، ليلية ونهارية، ينفذها الاحتلال الذي يدعي أن المنفذ هو أحد أبنائها، ويُدعى عمر أبو ليلى (19 سنة)، ويعمل في مجال الألمنيوم إلى جانب مواصلته دراسته الجامعية. وكان الفدائي نفذ عملية مُركبة على مفترق واحدة من أكبر المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والمقامة على أراضي سلفيت، وتُدعى “أرئيل”، وهي مستوطنة صناعية وفيها جامعة إسرائيلية. وكانت الحصيلة مقتل اثنين وإصابة ثالث.


اختار أبو ليلى، وقبله نعالوة، أكبر المستوطنات التي يعمل فيها مئات الفلسطينيين لتنفيذ عمليات نوعية


وقُتل صباح أمس مستوطن إسرائيلي متأثراً بجراح أصيب بها في العملية أول من أمس. ويسكن الحاخام القتيل، في مستوطنة قرب رام الله ويدير مدرسة دينية. ويُعتقد أن تلاميذه من المتطرفين الذين قاموا بقتل المواطنة الفلسطينية عائشة الرابي في أكتوبر/تشرين الأول العام 2018 على حاجز زعترة جنوب نابلس، والذي لا يبعد كثيراً عن مكان تنفيذ عملية سلفيت. وكان نصيب جيش الاحتلال من الإحراج أكبر من نصيب الاستخبارات، إذ قام المقاوم بطعن أحد الجنود والاستيلاء على سلاحه، ليفر الجنود الآخرون من المكان، قبل أن يكمل عمليته بإطلاق النار على جنود ومستوطنين آخرين مستخدماً سيارة إسرائيلية، ويلوذ بعد كل هذا بالفرار، في نجاحات متتالية لعملية مُركبة أحرجت جنود الاحتلال الهاربين والاستخبارات الإسرائيلية. وحسب ما نقله الإعلام الإسرائيلي ونشره موقع “مدار” الفلسطيني، فإن “جندياً كان يقف إلى جانب العسكري الذي قُتل لم يحاول حتى إطلاق النار على المنفذ، فيما قام ضابط إسرائيلي بإطلاق النار من الجانب الآخر لموقع العملية، ما تسبب بجرح المنفذ إلا أنه تمكن من الاستمرار في إطلاق النار”. واعترف إعلام الاحتلال بأن “أداء جنوده في الموقع كان معيباً”. وانضم الفدائي في عملية سلفيت إلى قائمة منفذي عمليات أخرى قاموا بقتل جنود أو مستوطنين واغتنام سلاحهم كما هو الأمر مع الشقيقين البرغوثي، الشهيد صالح، والأسير عاصم الأسير، وقبلهم أحمد جرار.

ويركز مراقبون على أن عملية سلفيت، ومن قبلها عملية أشرف نعالوة، ابن قرية شويكة في قضاء طولكرم، أصابت “السلام الاقتصادي” بطعنات مؤلمة. فأبو ليلى، الذي يدعي الاحتلال أنه منفذ هجوم الأحد، والشهيد نعالوة، اختارا أكبر المستوطنات الإسرائيلية، التي يعمل فيها مئات العمال الفلسطينيين مع مشغليهم من المستوطنين، لتنفيذ عمليات نوعية، ما يُعدم أي أفق للسلام الاقتصادي الذي تنشده إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية لاحتواء الفلسطيني، عبر منحه فرصة عمل في مستوطنات مقامة على أرضه المسروقة. وكانت قوات إسرائيلية خاصة اغتالت، في 13 ديسمبر/كانون الأول العام الماضي، الفلسطيني أشرف نعالوة، منفّذ عملية مستوطنة “بركان” المقامة على أراضي سلفيت، والتي قَتل خلالها مستوطنين وجرح ثالثا، بعد أكثر من 67 يوماً على تنفيذه العملية، وما زالت تعتقل والديه وشقيقه وزوج أخته حتى الآن.

وكثف الاحتلال بعد العملية من حواجزه العسكرية لأغراض أمنية بهدف منع تحرك منفذ العملية الفدائية، إلا أنه لم يمنع مئات الفلسطينيين من الوصول إلى مستوطنتي “أرئيل” و”بركان” للعمل، في إشارة يرى المراقبون أن “هدفها إثبات أن المستوى السياسي والأمني الإسرائيلي يراهن على السلام الاقتصادي مع الفلسطينيين كنهج مهما كلف الأمر”. ويقدر خبراء اقتصاد فلسطينيون عدد العمال الفلسطينيين في المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي المحتلة في العام 1967 بنحو 25 ألف عامل، فيما يصل إجمالي العمال الفلسطينيين داخل المستوطنات وداخل الأراضي المحتلة في العام 1948 إلى نحو 180 ألف عامل.

وسيعمد الاحتلال مثل العادة إلى فرض عقوبات جماعية على عائلة أبو ليلى، وهو أمر يتكرر مع جميع منفذي العمليات الفدائية، إذ يتم اعتقال الأب والأم والإخوة والأخوات، كما جرى الأمر مع عائلات جرار والبرغوثي ونعالوة ومن سبقهم، بالإضافة إلى شن عمليات اقتحام عقابية متكررة فجراً لبيوتهم وإخضاع من يبقى خارج الاعتقال لتحقيقات ميدانية، وصولاً إلى هدم المنزل، واستنفار كل الخلايا الأمنية والعملاء في الميدان من أجل الوصول إلى منفذ العملية لاغتياله أو اعتقاله. لكن من الواضح أن كل أساليب الردع على قسوتها، والتي طبقت مع كل منفذي العمليات من دون استثناء، لن تمنع مقاوماً جديداً من مواصلة تدمير “منظومة الردع” عبر عملية طعن أو إطلاق نار على المستوطنين والجنود.


يُعتقد أن تلاميذ الحاخام المقتول من الذين قتلوا المواطنة الفلسطينية عائشة الرابي


على الصعيد الميداني، فإن كل ما قام به المستوطنون من إلقاء حجارة وضرب المواطنين الفلسطينيين كان متوقعاً، إذ يسيطر المستوطنون على جميع الطرق الخارجية بين المدن الفلسطينية. وهذا الأمر قد يتصاعد بعد زيارة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو مكان العملية لإسناد المستوطنين. وقال نتنياهو، لدى زيارته موقع إطلاق النار، “نعرف هوية المهاجم، وقوات الأمن تتعقبه بكل همة”. وأضاف “هؤلاء الإرهابيون لن يقتلعونا من هنا، بل العكس هو ما سيحدث”. وتحجج بالعملية للإعلان عن بناء وحدات استيطانية جديدة، مشيراً إلى أنه “سيتم البدء بتشييد 840 وحدة معتمدة بالفعل في حي جديد” في المستوطنة.

وفي هذا السياق، قال الخبير في الشأن الإسرائيلي عادل شديد، لـ”العربي الجديد”، إن “عملية سلفيت جاءت قبل ثلاثة أسابيع من موعد الانتخابات الإسرائيلية، وفي وقت يرفع فيه نتنياهو شعار أنه رجل الأمن الذي حقق الأمن للمستوطنين والجيش”. وأضاف “نتنياهو غير معني بالتصعيد الذي يطلبه المستوطنون من إغلاق شوارع، وخنق الفلسطينيين بالحواجز، وهو في الوقت ذاته غير معني بأن يبدو ضعيفاً أمام جمهوره قبل الانتخابات”.