تأملات‭ ‬حول‭ ‬التعديلات‭ ‬الدستورية‭ ‬في‭ ‬مصر‭ (‬3-3‭) ‬مستقبل‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬بعد‭ ‬التعديلات

تأملات‭ ‬حول‭ ‬التعديلات‭ ‬الدستورية‭ ‬في‭ ‬مصر‭ (‬3-3‭) ‬مستقبل‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬بعد‭ ‬التعديلات

شرحنا‭ ‬في‭ ‬المقال‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الثلاثية‭ ‬أبعاد‭ ‬التعديلات‭ ‬التي‭ ‬يسعى‭ ‬النظام‭ ‬الحاكم‭ ‬لإدخالها‭ ‬على‭ ‬دستور‭ ‬مصر‭ ‬الحالي،‭ ‬واستعرضنا‭ ‬في‭ ‬المقال‭ ‬الثاني‭ ‬مواقف‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬المختلفة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التعديلات‭. ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬خلصنا‭ ‬إلى‭ ‬خطورتها،‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬وانقسام‭ ‬فصائل‭ ‬المعارضة‭ ‬حول‭ ‬الأسلوب‭ ‬الأكثر‭ ‬فاعلية‭ ‬في‭ ‬التصدي‭ ‬لها‭ ‬وإسقاطها،‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬توقعنا‭ ‬أن‭ ‬ينجح‭ ‬النظام‭ ‬الحاكم‭ ‬في‭ ‬تمريرها‭ ‬عبر‭ ‬استفتاء‭ ‬مشكوك‭ ‬في‭ ‬نزاهته،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تطرأ‭ ‬أحداث‭ ‬محلية‭ ‬أو‭ ‬إقليمية‭ ‬أو‭ ‬عالمية‭ ‬ترغمه‭ ‬على‭ ‬العدول‭ ‬عنها‭ ‬وسحبها‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وهو‭ ‬احتمال‭ ‬ضعيف‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬حال‭. ‬
وسنحاول‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬اليوم،‭ ‬وهو‭ ‬الثالث‭ ‬والأخير‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السلسلة،‭ ‬تحليل‭ ‬آثار‭ ‬دخول‭ ‬هذه‭ ‬التعديلات‭ ‬حيز‭ ‬التنفيذ‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬النظام‭ ‬الحاكم‭. ‬إذا‭ ‬سارت‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬مسارها‭ ‬الطبيعي،‭ ‬وتمكن‭ ‬النظام‭ ‬الحاكم‭ ‬من‭ ‬حسم‭ ‬معركة‭ ‬الاستفتاء‭ ‬لصالحه،‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تنشغل‭ ‬أطراف‭ ‬المعادلة‭ ‬السياسية،‭ ‬لبعض‭ ‬الوقت،‭ ‬في‭ ‬جدل‭ ‬حاد‭ ‬حول‭ ‬تفسيرها‭ ‬الخاص‭ ‬لنتائج‭ ‬الاستفتاء،‭ ‬بل‭ ‬ربما‭ ‬تلجأ‭ ‬فصائل‭ ‬المعارضة‭ ‬إلى‭ ‬تبادل‭ ‬الاتهامات‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بينها‭ ‬حول‭ ‬مسؤولية‭ ‬ما‭ ‬حدث‭. ‬فالنظام‭ ‬الحاكم‭ ‬سيسعى‭ ‬من‭ ‬ناحيته‭ ‬للترويج‭ ‬لأمرين‭ ‬يشعر‭ ‬بحاجة‭ ‬ماسة‭ ‬للتأكيد‭ ‬عليهما‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭. ‬الأول‭: ‬نزاهة‭ ‬وشفافية‭ ‬الاستفتاء،‭ ‬الذي‭ ‬سيروج‭ ‬لمقولة‭ ‬أن‭ ‬نتائجه‭ ‬المعلنة‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬الإرادة‭ ‬الحقيقية‭ ‬للناخبين‭. ‬والثاني‭: ‬التفاف‭ ‬الشعب‭ ‬المصري‭ ‬حول‭ ‬قيادته‭ ‬السياسية‭ ‬وتفهم‭ ‬أغلبية‭ ‬الناخبين‭ ‬لدوافع‭ ‬ومبررات‭ ‬التعديلات‭ ‬الدستورية‭ ‬التي‭ ‬صوت‭ ‬عليها‭ ‬بنعم‭ ‬اقتناعا‭ ‬منه‭ ‬بأنها‭ ‬تصب‭ ‬لصالحه‭. ‬أما‭ ‬فصائل‭ ‬المعارضة‭ ‬فيتوقع‭ ‬أن‭ ‬تنشغل‭ ‬من‭ ‬ناحيتها‭ ‬بمحاولة‭ ‬إثبات‭ ‬أن‭ ‬الاستفتاء‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬نزيها‭ ‬أو‭ ‬شفافا،‭ ‬وأن‭ ‬نتائجه‭ ‬المعلنة‭ ‬ليست‭ ‬هي‭ ‬النتائج‭ ‬الصحيحة،‭ ‬ولا‭ ‬تعكس‭ ‬الإرادة‭ ‬الحقيقية‭ ‬للناخبين،‭ ‬وأن‭ ‬أغلبية‭ ‬ساحقة‭ ‬من‭ ‬الناخبين‭ ‬عبّرت‭ ‬عن‭ ‬موقفها‭ ‬الرافض‭ ‬لهذه‭ ‬التعديلات،‭ ‬إما‭ ‬بالامتناع‭ ‬عن‭ ‬التوجه‭ ‬أصلا‭ ‬إلى‭ ‬صناديق‭ ‬الاقتراع،‭ ‬أو‭ ‬بالمشاركة‭ ‬فيه‭ ‬والتصويت‭ ‬بلا‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فليس‭ ‬من‭ ‬المستبعد‭ ‬ايضا‭ ‬أن‭ ‬تشتبك‭ ‬فصائل‭ ‬المعارضة‭ ‬في‭ ‬تبادل‭ ‬الاتهامات‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بينها‭ ‬حول‭ ‬مسؤولية‭ ‬الفشل،‭ ‬أو‭ ‬العجز‭ ‬عن‭ ‬إدارة‭ ‬معركة‭ ‬سياسية‭ ‬ناجحة‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬دخول‭ ‬التعديلات‭ ‬الدستورية‭ ‬المقترحة‭ ‬حيز‭ ‬التنفيذ،‭ ‬لذا‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬النظام‭ ‬الحاكم‭ ‬وفصائل‭ ‬المعارضة،‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬وبين‭ ‬فصائل‭ ‬المعارضة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بينها،‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬ستعود‭ ‬إلى‭ ‬سابق‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬وربما‭ ‬أسوأ‭. ‬فالنظام‭ ‬الحاكم‭ ‬سيجنح‭ ‬إلى‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬مختلف‭ ‬فصائل‭ ‬المعارضة،‭ ‬مثلما‭ ‬اعتاد‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬وكأنها‭ ‬مجرد‭ ‬قوى‭ ‬هامشية‭ ‬معزولة‭ ‬جماهيريا‭ ‬ومتحالفة‭ ‬مع‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وتعمل‭ ‬لحساب‭ ‬أجندات‭ ‬خارجية،‭ ‬أما‭ ‬فصائل‭ ‬المعارضة‭ ‬فستجنح‭ ‬بدورها‭ ‬إلى‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬الحاكم‭ ‬باعتباره‭ ‬فاقدا‭ ‬للشرعية‭ ‬ومغتصبا‭ ‬للسلطة‭ ‬بقوة‭ ‬السلاح،‭ ‬ولا‭ ‬يستطيع‭ ‬من‭ ‬ثم‭ ‬استعادتها‭ ‬عبر‭ ‬استفتاء‭ ‬على‭ ‬تعديلات‭ ‬دستورية‭ ‬تدعم‭ ‬سماته‭ ‬الاستبدادية،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬مؤشرات‭ ‬توحي‭ ‬بأن‭ ‬معركة‭ ‬الاستفتاء‭ ‬ستساعد‭ ‬فصائل‭ ‬المعارضة‭ ‬على‭ ‬توحيد‭ ‬صفوفها‭.‬
غير‭ ‬أن‭ ‬فترة‭ ‬‮«‬مناكفات‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الاستفتاء‮»‬‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تدوم‭ ‬طويلا،‭ ‬فسرعان‭ ‬ما‭ ‬ستجد‭ ‬أطراف‭ ‬المعادلة‭ ‬السياسية‭ ‬نفسها‭ ‬منغمسة‭ ‬في‭ ‬معارك‭ ‬سياسية‭ ‬أكبر‭ ‬وأهم‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬تصفية‭ ‬الحسابات‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بينها،‭ ‬ألا‭ ‬وهي‭ ‬معركة‭ ‬الانتخابات‭ ‬التشريعية‭ ‬التي‭ ‬ستبدأ‭ ‬إجراءاتها‭ ‬قبل‭ ‬نهاية‭ ‬شهر‭ ‬نوفمبر‭ ‬المقبل،‭ ‬كي‭ ‬يتمكن‭ ‬البرلمان‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬أولى‭ ‬جلساته‭ ‬قبل‭ ‬نهاية‭ ‬شهر‭ ‬يناير‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬المقبل،‭ ‬ومعركة‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬التي‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬أجهزة‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬الاستعداد‭ ‬لها‭ ‬بعد‭ ‬حوالي‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬انعقاد‭ ‬أولى‭ ‬جلسات‭ ‬البرلمان‭ ‬الجديد‭. ‬ولا‭ ‬جدال‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المعارك‭ ‬السياسية‭ ‬الكبرى‭ ‬ستضع‭ ‬كلا‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬الحاكم‭ ‬وفصائل‭ ‬المعارضة‭ ‬أمام‭ ‬تحديات‭ ‬جسام،‭ ‬خاصة‭ ‬أنها‭ ‬ستكون‭ ‬كاشفة،‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬لحجم‭ ‬التغيير‭ ‬الذي‭ ‬طرأ‭ ‬على‭ ‬طبيعة‭ ‬النظام‭ ‬الحاكم‭ ‬وآلياته‭ ‬ووسائله‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬المشكلات‭ ‬والقضايا‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬بعد‭ ‬دخول‭ ‬التعديلات‭ ‬الدستورية‭ ‬حيز‭ ‬التنفيذ،‭ ‬ولمدى‭ ‬قابلية‭ ‬فصائل‭ ‬المعارضة،‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬للنضج‭ ‬السياسي‭ ‬واستخلاص‭ ‬الدروس‭ ‬المستفادة‭ ‬من‭ ‬أخطائها‭ ‬المتكررة‭ ‬طوال‭ ‬الحقبة‭ ‬الماضية‭.‬
من‭ ‬المعروف‭ ‬أن‭ ‬خريطة‭ ‬الطريق‭ ‬التي‭ ‬أعلنها‭ ‬السيسي‭ ‬يوم‭ ‬3‭ ‬يوليو‭ ‬2013،‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬وزيرا‭ ‬للدفاع،‭ ‬كانت‭ ‬تقضي‭ ‬بإجراء‭ ‬الانتخابات‭ ‬البرلمانية‭ ‬أولا،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬شرع‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬جديا‭ ‬في‭ ‬الترشح‭ ‬لانتخابات‭ ‬الرئاسة‭ ‬حتى‭ ‬سارعت‭ ‬لجنة‭ ‬الخمسين‭ ‬التي‭ ‬عهد‭ ‬إليها‭ ‬صياغة‭ ‬الدستور،‭ ‬في‭ ‬إدخال‭ ‬نص‭ ‬احترازي‭ ‬يسمح‭ ‬بإجراء‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬أولا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬فعلا‭ ‬ومكّن‭ ‬لاحقا‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬من‭ ‬التدخل‭ ‬بكثافة‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬التشريعية‭ ‬لتفصيل‭ ‬برلمان‭ ‬على‭ ‬مقاس‭ ‬رئيس‭ ‬جديد‭ ‬قادم‭ ‬من‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬وليس‭ ‬لديه‭ ‬حزب،‭ ‬أو‭ ‬تيار‭ ‬سياسي‭ ‬يضمن‭ ‬له‭ ‬أغلبية‭ ‬برلمانية‭ ‬يعتمد‭ ‬عليها‭. ‬ويلاحظ‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬البرلمان‭ ‬الذي‭ ‬تمكنت‭ ‬أجهزة‭ ‬الأمن‭ ‬من‭ ‬تشكيله‭ ‬هو‭ ‬البرلمان‭ ‬نفسه‭ ‬المكلف‭ ‬اليوم‭ ‬بتمرير‭ ‬التعديلات‭ ‬الدستورية‭ ‬المطلوبة،‭ ‬لتمكين‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬من‭ ‬إحكام‭ ‬قبضتها‭ ‬على‭ ‬مقاليد‭ ‬السلطة،‭ ‬قبل‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬إجراء‭ ‬انتخابات‭ ‬برلمانية‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تتم‭ ‬في‭ ‬أجواء‭ ‬مختلفة‭ ‬كليا‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬2014‭. ‬
على‭ ‬صعيد‭ ‬آخر،‭ ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬انتخابات‭ ‬الرئاسة‭ ‬لعام‭ ‬2014‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬أجواء‭ ‬تمتع‭ ‬فيها‭ ‬السيسي‭ ‬بشعبية‭ ‬كبيرة،‭ ‬خاصة‭ ‬داخل‭ ‬أوساط‭ ‬كانت‭ ‬تشعر‭ ‬باستياء‭ ‬شديد‭ ‬من‭ ‬سلوك‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬عقب‭ ‬ثورة‭ ‬يناير،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬مناخ‭ ‬سياسي‭ ‬كان‭ ‬البعض‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يأمل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬تصحيح‭ ‬المسار‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬إقدام‭ ‬حمدين‭ ‬صباحي،‭ ‬الحاصل‭ ‬على‭ ‬المرتبة‭ ‬الثالثة‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬عام‭ ‬2013،‭ ‬على‭ ‬خوض‭ ‬معركة‭ ‬الرئاسة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬السيسي‭ ‬عام‭ ‬2014،‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬سلامة‭ ‬قراره‭ ‬من‭ ‬عدمه‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬الرئاسة‭ ‬لعام‭ ‬2018‭ ‬فقد‭ ‬اختلف‭ ‬الوضع‭ ‬كلية،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬إقدام‭ ‬السيسي‭ ‬على‭ ‬ردع‭ ‬أو‭ ‬اعتقال‭ ‬أهم‭ ‬منافسيه،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬الفريق‭ ‬أحمد‭ ‬شفيق‭ ‬والفريق‭ ‬سامي‭ ‬عنان،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يترشح‭ ‬أمامه‭ ‬سوى‭ ‬شخص‭ ‬لا‭ ‬يعرفه‭ ‬أحد،‭ ‬عثرت‭ ‬عليه‭ ‬أجهزة‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬الأخيرة‭. ‬ولأن‭ ‬الأجواء‭ ‬التي‭ ‬ستعقد‭ ‬فيها‭ ‬انتخابات‭ ‬الرئاسة‭ ‬المقرر‭ ‬إجراؤها‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬ستكون‭ ‬مختلفة‭ ‬كليا‭ ‬عن‭ ‬سابقتيها،‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تفضي‭ ‬بالنظام‭ ‬الحاكم‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬إلى‭ ‬مفترق‭ ‬طرق‭ ‬قد‭ ‬ينتهي‭ ‬بمأزق‭ ‬لا‭ ‬فكاك‭ ‬منه‭. ‬فليس‭ ‬من‭ ‬المستبعد‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬بالنسبة‭ ‬للرئيس‭ ‬السيسي‭ ‬عاما‭ ‬شبيها‭ ‬من‭ ‬زوايا‭ ‬عديدة‭ ‬بعام‭ ‬2010‭ ‬بالنسبة‭ ‬للرئيس‭ ‬مبارك،‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬اسفرت‭ ‬الانتخابات‭ ‬التشريعية‭ ‬المقبلة‭ ‬عن‭ ‬برلمان‭ ‬يشبه‭ ‬برلمان‭ ‬2010‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬القابلية‭ ‬لإحكام‭ ‬السيطرة‭ ‬عليه‭. ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬يمكن‭ ‬تشبيه‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬مبارك‭ ‬بإجرائها‭ ‬عام‭ ‬2011،‭ ‬وهي‭ ‬أول‭ ‬انتخابات‭ ‬تجرى‭ ‬وفق‭ ‬تعديلات‭ ‬دستورية‭ ‬تم‭ ‬تفصيلها‭ ‬خصيصا،‭ ‬وبدون‭ ‬وجه‭ ‬حق‭ ‬على‭ ‬مقاس‭ ‬جمال‭ ‬مبارك‭ ‬الطامح‭ ‬في‭ ‬إرث‭ ‬السلطة‭ ‬من‭ ‬والده،‭ ‬بالانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬المقرر‭ ‬إجراؤها‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬وهي‭ ‬أول‭ ‬انتخابات‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬تجرى‭ ‬وفق‭ ‬تعديلات‭ ‬تم‭ ‬تفصيلها‭ ‬خصيصا،‭ ‬وبدون‭ ‬وجه‭ ‬حق‭ ‬أيضا،‭ ‬على‭ ‬مقاس‭ ‬السيسي‭ ‬الطامح‭ ‬لفترة‭ ‬ولاية‭ ‬ثالثة‭ ‬يحرمها‭ ‬الدستور‭ ‬تحريما‭ ‬قاطعا‭. ‬
لا‭ ‬أظن‭ ‬أنني‭ ‬أبالغ‭ ‬إن‭ ‬قلت‭ ‬إن‭ ‬إقدام‭ ‬نظام‭ ‬السيسي‭ ‬على‭ ‬طرح‭ ‬التعديلات‭ ‬الدستورية‭ ‬الحالية‭ ‬يشبه‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬إقدام‭ ‬نظام‭ ‬مبارك‭ ‬على‭ ‬طرح‭ ‬التعديلات‭ ‬الدستورية‭ ‬التي‭ ‬استهدفت‭ ‬عام‭ ‬2007‭ ‬فتح‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬جمال‭ ‬مبارك‭ ‬لتولي‭ ‬السلطة،‭ ‬وهو‭ ‬المشروع‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يستشعر‭ ‬مبارك‭ ‬خطورته‭ ‬في‭ ‬حينه،‭ ‬وانتهت‭ ‬بإدخال‭ ‬نظامه‭ ‬في‭ ‬مأزق‭ ‬لا‭ ‬فكاك‭ ‬منه‭. ‬فقد‭ ‬راح‭ ‬مبارك‭ ‬وقتها‭ ‬يختال‭ ‬بنفسه‭ ‬وكأنه‭ ‬في‭ ‬حصون‭ ‬مشيدة،‭ ‬ووصلت‭ ‬استهانته‭ ‬واللامبالاة‭ ‬بما‭ ‬يجري‭ ‬حوله‭ ‬حد‭ ‬التشهير‭ ‬علنا‭ ‬بقوى‭ ‬المعارضة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عبارة‭ ‬‮«‬خليهم‭ ‬يتسلوا‮»‬‭ ‬الشهيرة‭ ‬التي‭ ‬نطق‭ ‬بها‭ ‬أمام‭ ‬مجلس‭ ‬الشعب،‭ ‬الذي‭ ‬جاءت‭ ‬به‭ ‬انتخابات‭ ‬2010‭ ‬المزورة‭. ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬اسابيع‭ ‬قليلة‭ ‬حتى‭ ‬كانت‭ ‬نيران‭ ‬الثورة‭ ‬تحاصر‭ ‬نظامه‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جانب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬اضطرته‭ ‬شخصيا‭ ‬للتخلي‭ ‬عن‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬11‭ ‬فبراير‭. ‬فهل‭ ‬يعيد‭ ‬التاريخ‭ ‬نفسه؟

القدس العربي