القمة العربية بتونس: حدث كبير بسياقات سياسية واقتصادية فارقة

القمة العربية بتونس: حدث كبير بسياقات سياسية واقتصادية فارقة

تونس – ترتقي القمة العربية في دورتها العادية الثلاثين التي انطلقت أعمال اجتماعاتها التحضيرية في تونس، إلى مستوى الحدث الكبير بسياقات سياسية ودبلوماسية واقتصادية فارقة، ضمن منظومة العمل العربي المشترك ما يجعل منها انعطافة هامة تفرضها مقتضيات المرحلة بتحدياتها المُتنوعة.

وتُجمع الأوساط السياسية التونسية، وكذلك العربية، على أن ملامح هذه الانعطافة بأبعادها الإستراتيجية النوعية، بدأت تتراكم وسط إشارات تعددت فيها الرهانات السياسية، وتشابكت مع العناصر الاقتصادية والتنموية التي تتطلع تونس، ومعها بقية الدول العربية، إلى أن تكون في صدارة الأولويات التي من شأنها توفير الأرضية المناسبة لبناء مستقبل عربي على قاعدة صلبة.

يمكن قراءة تلك الملامح بدلالات عناوينها المُختلفة على الصعيد التونسي، وذلك من خلال الحركية السياسية والدبلوماسية، وكذلك أيضا الاقتصادية المتنوعة، التي تبدأ بانتعاش قطاع الخدمات بمجالاته المُختلفة (اتصالات وفنادق ومطاعم وسيارة الأجرة الخ…)، ولا تنتهي عند البعد الثقافي الذي تحركت مفاعيله على وقع هذه القمة التي أشاع توقيت عقدها الكثير من التفاؤل.

وعلى الصعيد السياسي، أعادت هذه القمة التي لم تعرف تونس مثلها منذ العام 2005 عندما استضافت قمة المعلومات، الأمل في استعادة دورها في المشهد السياسي العربي بمواقفها الهادئة التي تدفع نحو ترسيخ تضامن عربي متين، وتوافق سياسي بعناوين واضحة تستند إلى قاعدة العمل المشترك الذي اهتزت أركانه خلال السنوات الماضية نتيجة ما سُمي بـ”ثورات الربيع العربي” التي تسببت في سقوط أنظمة الحكم في تونس ومصر واليمن وليبيا.

تجاوز الاهتزازات

تعكس مُجريات التحركات السياسية التونسية في علاقة بهذه القمة التي يُنتظر أن يُشارك فيها غالبية القادة العرب، أن تونس مُصممة على تجاوز تلك الاهتزازات، والتأسيس لمرحلة جديدة على أساس تفعيل آليات التعاون الثنائي ومُتعدد الأطراف، وتعزيز التضامن المشترك، القادر على تفكيك عناصر الملفات الخلافية التي حالت سابقا دون استعادة العرب لمكانتهم في المشهد الدولي. ويُشارك في تلك التحركات المُتسارعة مختلف الدوائر الرسمية في البلاد، بما فيها مؤسسة الرئاسة، وخاصة الرئيس الباجي قائد السبسي، الذي قام الأربعاء بزيارة المركز الإعلامي، وذلك في تحرك يؤكد مدى الحرص الذي توليه تونس لإنجاح أعمال هذه القمة.

وتزامنت هذه الزيارة مع تواصل الاجتماعات التحضيرية لهذه القمة، حيث صادف تواجد الرئيس قائد السبسي في المركز الإعلامي، انطلاق اجتماع للمندوبين الدائمين وكبار الموظفين تحضيرا لاجتماع وزراء الخارجية، للنظر في متابعة تنفيذ القرارات والالتزامات.

وألقى المندوب الدائم للمملكة العربية السعودية، التي ترأس بلاده القمة العربية الـ29، كلمة خلال هذا الاجتماع، على أن يُسلم رئاسة القمة إلى مندوب تونس الدائم بالجامعة العربية الذي سيلقي في جلسة المساء كلمة بالمناسبة.

وعلى خط مواز، شكلت الدبلوماسية التونسية في هذه التحركات حجر الزاوية، من خلال الإضافات الكبيرة التي عززت إلى حد كبير التوجهات العامة التي تعكس إرادة سياسية واضحة على تأكيد قدرة تونس ونجاحها في تنظيم واستضافة قمم من هذا الوزن الثقيل.

وعلى هذا الأساس، لم يتردد رئيس الحكومة التونسية الأسبق مهدي جمعة الذي يرأس حزب البديل التونسي، في القول لـ”العرب”، إن تونس لها تقاليد دبلوماسية عريقة تتفاعل بوعي وإدراك كبيرين مع مختلف القضايا والملفات المطروحة في محيطها العربي والإقليمي والدولي، وذلك على قاعدة الحياد الإيجابي والتوافق للخروج بنتائج إيجابية.

واعتبر أن نجاح تونس في تنظيم هذه القمة في هذا الظرف العربي الدقيق الذي يتسم بتزايد التحديات، يُعد انطلاقة وعي لتوحيد الصفوف على قاعدة المصالح المشتركة، لمواجهة تلك التحديات بأبعادها المُختلفة، وذلك بآليات تضع المُحددات العملية للخطوات اللاحقة القادرة على إدارة الملفات الساخنة.

ولا تتوقف الدلائل التي تُثبت نجاح الدبلوماسية التونسية في توفير المناخات المناسبة لتكون مُخرجات هذه القمة في مستوى التطلعات، عند تلك المؤشرات، وإنما تتجاوزها لتُثبت أيضا أن تونس اليوم استعادت عافيتها الأمنية، حيث عاد الاستقرار الأمني في ربوع البلاد التي أصبحت قادرة على استضافة مثل هذه القمة العربية التي توصف بأنها “حدث مفصلي بارز”.

وإذا كانت تلك المعطيات تُؤشر إلى القيمة السياسية لهذه القمة، فإن أبعادها الاقتصادية تبدو هي الأخرى لافتة، وتستدعي التوقف عندها، باعتبار أن هذه القمة ستُساهم بشكل أو بآخر في النهوض بالاقتصاد التونسي، وهو ما تعكسه جملة من المؤشرات، منها تحسن أداء البورصة التونسية على وقع الاستعدادات لهذه القمة التي لم تُكلّف خزينة الدولة التونسية دينارا واحدا، باعتبار أن كل المصاريف تكفلت بها الجامعة العربية ودول شقيقة أخرى.

ترافق ذلك مع تسجيل انتعاشة ملحوظة في بقية القطاعات الأخرى، منها تحسن احتياطي النقد الأجنبي التونسي، ليرتفع بثلاثة أيام توريد إضافية، إلى جانب انتعاشة بقية قطاع الخدمات بمجالاته المُتعددة، وخاصة منها النقل الجوي والبري والاتصالات، بالإضافة إلى تحسين بعض مؤشرات القطاع السياحي في علاقة بالفنادق والمطاعم ووكلاء السيارات.

يُنتظر أن تُساهم زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود إلى تونس التي تتم على هامش هذه القمة، في مزيد تحسين الأداء الاقتصادي التونسي، لاسيما وأنه سيتم خلال هذه الزيارة التوقيع على عدد هام من اتفاقيات التعاون الثنائي..

الملك سلمان في تونس

يبدأ العاهل السعودي، اليوم الخميس، زيارة دولة إلى تونس تستغرق يومين، بدعوة من الرئيس الباجي قائد السبسي، يرافقه فيها وفد هام من الأمراء والوزراء وكبار المسؤولين في المملكة العربية السعودية.

وتندرج هذه الزيارة التي تسبق أعمال القمة العربية في دورتها الثلاثين العادية بتونس في إطار تمتين العلاقات التاريخية المتميزة القائمة بين تونس والمملكة العربية السعودية الشقيقة، ورغبة البلدين المشتركة، في المزيد من تعزيزها وتنميتها في كافة المجالات، بما يعود بالخير والفائدة على الشعبين الشقيقين.

وأكدت الرئاسة التونسية أن العلاقات التونسية السعودية تشهد “زخما كبيرا منذ زيارة الرئيس قائد السبسي إلى الرياض، في ديسمبر 2015، حيث تتالت على إثرها زيارات هامة لكبار المسؤولين من البلدين، أبرزها زيارة الأخوة والعمل التي أدّاها ولي العهد الأمير محمّد بن سلمان، إلى تونس، في نوفمبر 2018”.

وتُعطي هذه الزيارة التي ستستغرق عدة أيام، بعدا إضافيا للعلاقات بين البلدين التي ترتقي بأهميتها إلى مصاف العلاقات التاريخية، والمتينة على مستوى مختلف مجالات التعاون الثنائي الذي يشمل التشاور والتنسيق السياسي، وكذلك الاقتصادي والأمني والثقافي.

ورحب مهدي جمعة بزيارة العاهل السعودي لتونس، قائلا “نستبشر بهذه الزيارة التي تعكس عمق العلاقات التونسية-السعودية القائمة على قاعدة الأخوة والاحترام المُتبادل والمصالح المشتركة”.

وأشار إلى أن تونس تبقى بمقدراتها وإمكانياتها، دولة واعدة في مجال الاستثمارات لتحقيق المنافع المشتركة على قاعدة التعاون الذي يُؤسس لمقاربات إستراتيجية تنهض بالنمو الاقتصادي.

ولا تُخفي تونس تطلعها إلى أن تُساهم هذه الزيارة الأولى من نوعها في مزيد دعم وتمتين أواصر الأخوة بين البلدين، لاسيما وأن العاهل السعودي ما فتئ يؤكد أن العلاقات الأخوية بين بلاده وتونس تجاوزت حدود المصالح المادية والمنافع الوقتية، إلى آفاق أبعد وأشمل لتتسم بالنمو المطرد في جميع المجالات.

العرب