فاجعة العبّارة في الموصل تشعل النار في ملفات الفساد

فاجعة العبّارة في الموصل تشعل النار في ملفات الفساد

يؤكد الكثير من العراقيين ولاسيما الناجين من حادثة غرق العبّارة أن هذه الحادثة كان بالإمكان تجنبها لو تم التصدي لتولي المسؤولين والسياسيين الفاسدين المناصب الهامة، فهذه الحادثة ليست سوى قطرة في بحر الفساد الكبير الذي تغرق فيه الموصل أكبر مدن شمال العراق ومن ورائها كل البلاد. وقد حركت فاجعة العبّارة الكثير من ملفات الفساد في مدينة الموصل التي تشهد منذ أشهر تحقيقات للكشف عن هذه التجاوزات، فيما علت استغاثة “الفساد يقتلنا” في التظاهرات التي جابت الشوارع منادية بمحاربة هذه الممارسات في عراق استشرى في مؤسساته الفساد.

بغداد – تعد حادثة غرق العبّارة في الموصل التي ترتقي إلى مرتبة الفاجعة بسبب الخسائر البشرية التي خلفتها، بمثابة الفتيل الذي أشعل النار في ملفات الفساد في أكبر مدن شمال العراق.

وطفت ملفات الفساد الذي تعاني منه الموصل إلى السطح بعد حادثة غرق العبارة التي تسببت بمقتل حوالي مئة شخص، ما دفع السلطات إلى إصدار أوامر بتوقيف المحافظ وملاحقة مسؤولين محليين في المدينة التي ما زالت تنتظر إعادة الإعمار بعد أن دمرتها حرب ضارية مع تنظيم الدولة الإسلامية.

وكانت الصدمة كبيرة بعد غرق العبارة الأسبوع الماضي ومقتل مئة شخص على الأقل فيما لا يزال 63 آخرون مفقودين، وغالبية الضحايا من النساء والأطفال من سكان الموصل التي استعادت القوات العراقية السيطرة عليها من الجهاديين في يوليو 2017.

ويعاني العراق منذ سنوات من فساد استشرى في مؤسساته. ويحتل العراق المرتبة 12 بين الدول الأكثر فسادا في العالم، وقد تسبّب هذا الفساد خلال السنوات الـ15 الماضية بخسارة 228 مليار دولار ذهبت إلى جيوب سياسيين وأصحاب مشاريع فاسدين، وفق مجلس النواب العراقي. ويمثل هذا المبلغ اليوم ضعف الميزانية وأكثر من الناتج المحلي للبلاد.

ولم تتعرض إلا قلة من المسؤولين إلى المساءلة، وهرب أغلبهم خارج العراق ونجا آخرون مستغلين امتيازات خاصة ومنهم حتى من أدينوا بالفساد، كان القانون متساهلا معهم ولم يعاقبوا وخرج البعض بحكم “عفو” أو بعد دفع مبلغ يمثل جزءا صغيرا من الأموال المسروقة، وفقا لمصادر قضائية.

لكن حادثة غرق العبارة أعادت إلى الواجهة كل هذه التجاوزات، وخرج ذوو الضحايا في تظاهرات رددوا خلالها “الفساد يقتلنا”.

وذكر تقرير برلماني أن هناك “مؤشرا على وجود احتقان طائفي خطير سببته الممارسات السلبية” وعوامل على “ظهور ما يسمى بيعة جديدة لداعش الإرهابي واستنهاض عناصرها مرة أخرى” في محافظة نينوى.

والفساد أيضا يحول دون أن تبدأ حتى الآن عمليات إعادة إعمار محافظة نينوى التي خضعت لأكثر من ثلاث سنوات لسيطرة الجهاديين، وشهدت معارك دامية لاستعادة السيطرة عليها.

هذا ما أكده التقرير البرلماني الذي شارك في إعداده 43 نائبا بعد مقابلات استمرت أربعة أشهر مع السكان والمسؤولين.

وكشف التقرير الذي يتألف من 40 صفحة، حجم الفساد في المحافظة التي تصل موازنتها إلى 800 مليون دولار. فتحدث عن “هيمنة لجان اقتصادية تدعي الانتماء إلى الحشد الشعبي، وتسيطر على المشاريع والأراضي والمزادات”.

ودخل الحشد الشعبي المؤلف من فصائل شيعية تقاتل إلى جانب القوات الحكومية، الموصل السنية بعد طرد الجهاديين منها. ولم يلق ترحيبا من سكان المدينة الذين اتهموا البعض من رجال الحشد بالسعي للاستفادة من الحروب.

ولم تتمّ إعادة بناء أي شيء في الموصل، لكن تمّ تدمير عدد كبير من المباني بذريعة رفع الأنقاض. ويقول مسؤول محلي إن رجال أعمال حصلوا على الملايين من الدولارات من خلال إعادة بيع حديد التسليح وأطنان من مخلفات المباني.

وذكر المسؤول، وفقا للتحقيق البرلماني، أن “المكاتب الاقتصادية قامت بنهب ممتلكات المحافظة كالحديد وغيره، وتقدر قيمته بالمليارات. للأسف فإن مكتب الأمانة العامة لمجلس الوزراء هو من يمنح الموافقات ويرسل البرقيات بالموافقة”.

كما كشف التقرير أن محافظ نينوى المقال نوفل العاكوب قام بـ”بناء طريقين يتعارضان مع القواعد البلدية بهدف تهريب مشتقات نفط من حقول تقع إلى الجنوب من الموصل”.

والأربعاء الماضي، أصدرت محكمة استئناف نينوى أمرا بتوقيف محافظ نينوى العاكوب ومنعه من السفر بسبب “ملفات فساد وهدر المال العام واستغلال منصبه الوظيفي”.

وأدى غرق العبارة التي كانت مكتظة بالنساء والأطفال الذين كانوا يحتفلون بعيد النوروز وعيد الأم، رغم تحذيرات رسمية بارتفاع منسوب مياه نهر دجلة، إلى إشعال فتيل النار في ملفات فساد كثيرة أخرى.

وقال النائب عبدالرحمن اللويزي الذي شارك في التحقيق، إن “المحافظ أقيل بناء على توصيات اللجنة التي كانت تعمل قبل الحادثة، لكنها جاءت تحت تأثير حادثة العبارة”.

ويقول ناجون من الحادث إنه كان بالإمكان تجنب وقوع كارثة العبارة، لكن بالنسبة إلى العراقيين، بات هذا الحادث مؤشرا على ضرورة منع تولي “فاسدين” مناصب مهمة.

وكتب ناشط عراقي على حسابه على موقع للتواصل الاجتماعي “غرق العبارة كشف العشرات من ملفات الفساد في الموصل”. وتابع “كم يتطلب الأمر من ضحايا وغرقى حتى يقع الكشف عن ملفات الفساد في المحافظات الأخرى في العراق؟”.

وفيما تواصل قوات الشرطة السبت مطاردة المحافظ العاكوب في عموم البلاد، يرى وزير الدفاع السابق عبدالقادر العبيدي أن آخرين يتنافسون على خلافته في المنصب، ولا يترددون في السير على الطريق ذاته.

وذكر العبيدي في لقاء عبر إحدى القنوات المحلية أن أحدهم “اقترح على عدد من أعضاء مجلس المحافظة مبلغ 250 مليون دينار (أكثر من 200 ألف دولار) لكل واحد منهم، مقابل دعم ترشيحه” لمنصب المحافظ.

العرب