طهران تثقل كاهل بغداد باتفاق غير متكافئ بشأن تأشيرات الدخول

طهران تثقل كاهل بغداد باتفاق غير متكافئ بشأن تأشيرات الدخول

إلغاء الرسوم على تأشيرات الدخول بين العراق وإيران، يعتبر لدى كثير من العراقيين نموذجا مصغّرا للعلاقة غير السوية التي تربط بين البلدين، وتأثّرها بالمسائل السياسية والأيديولجية أكثر من خضوعها لحسابات المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة هو ما ينطبق على اتفاق إلغاء الرسوم.

طهران – سارعت إيران إلى الشروع بتنفيذ اتفاق مثير للجدل أبرمته حديثا مع العراق ويقضي بإلغاء الرسوم على تأشيرات سفر مواطني كل من البلدين إلى البلد الآخر، الأمر الذي اعتبره الكثير من العراقيين عديم الجدوى لبلدهم، نظرا إلى الدفق الهائل من الإيرانيين الذي تستقبله الأراضي العراقية سنويا في المناسبات الدينية الشيعية، بينما لا تستقبل الأراضي الإيرانية في المقابل سوى عدد محدود من العراقيين.

ويقول سكّان المناطق العراقية الأكثر اجتذابا للإيرانيين، إنّهم لا يكادون يستفيدون شيئا من الزوّار الإيرانيين الذين ينتمي أغلبهم إلى الطبقة الأفقر، وهو ما ينعكس في تقشّفهم بالإنفاق نظرا إلى ضآلة المبالغ المالية التي يجلبونها معهم من إيران، إذ أن دوافع أغلبهم لزيارة العراق دينية وليست سياحية وترفيهية.

وتقول الخبيرة الاقتصادية العراقية سلام سميسم إن “الزوّار الإيرانيين عند دخولهم إلى العراق يجلبون معهم كل المتطلّبات التي يحتاجونها، ما يؤدي إلى عدم إنفاقهم مبالغ على الخدمات الفندقية”.

ومن هذه الزاوية يُنظر إلى زيارة الملايين من الإيرانيين بشكل سنوي إلى العراق باعتبارها عبئا اقتصاديا وأمنيا، من المرجّح أن يزيد الإجراء الذي نصّ عليه الاتفاق الجديد من ثقله.

وعلى نطاق سياسي أبعد مدى تبدو إيران في سباق مع الزمن لربط الساحتين الإيرانية والعراقية بأكثر ما يمكن من “المصالح المشتركة”، حتى يستحيل على العراق الإذعان لرغبة الولايات المتحدة في الالتزام بالعقوبات الاقتصادية الشديدة المفروضة على طهران.

وحصل العراق مؤخّرا على استثناء أميركي مؤقّت مدته تسعون يوما من الالتزام بتلك العقوبات، حتى يتمكّن من مواصلة استيراد الكهرباء والغاز الضروري لتوليدها من إيران في ظلّ غياب بدائل عملية عن ذلك.

الملايين من الإيرانيين الذين يزورون العراق لأسباب دينية جلهم فقراء متقشوفون بالإنفاق على السياحة والترفيه

وأعلنت السفارة الإيرانية لدى بغداد، الأحد، بدء إصدار تأشيرات مجانية للرعايا العراقيين الراغبين بالسفر إلى إيران اعتبارا من اليوم الإثنين. وذكرت السفارة في بيان أن القرار يأتي عقب الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني حسن روحاني للعراق أوائل مارس الماضي.

وأوضحت أنّ “كافة أنواع تأشيرات الدخول ستكون مجانية للعراقيين ولن يتم أخذ أي رسوم أخرى بهذا الصدد”. ووقّع رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، والرئيس الإيراني حسن روحاني، خلال زيارة الأخير للعراق، مذكّرة تفاهم بشأن إلغاء رسوم تأشيرات الدخول لجميع الزائرين من مواطني كلا البلدين. وانتقد عراقيون الاتفاق من زاوية عدم جدواه لبلدهم.

وقال عضو اللجنة المالية بالبرلمان العراقي حمه رشيد إن الإجراء يصب في مصلحة إيران فقط، نظرا إلى دخول الملايين من الإيرانيين البلاد سنويا لزيارة العتبات المقدسة في محافظات بغداد وصلاح الدين وكربلاء والنجف”. وأضاف “هناك أيضا سائحون عراقيون يزورون إيران، لكن عددهم لا يصل إلى ربع عدد الإيرانيين القادمين إلى بلدنا”.

ويتدفّق كلّ عام قرابة السبعة ملايين من الزوار الشيعة على العراق لزيارة الأماكن المقدّسة لديهم، وخصوصا خلال الذكرى السنوية لمقتل الحسين ثم في ذكرى اليوم الأربعين بعد مقتله، الأمر الذي يمثّل فرصة اقتصادية لعدد محدود من السكّان، لكنّ العدد المتزايد للزوار بدأ يمثّل عبءا أمنيا على السلطات العراقية بفعل الجهد الكبير لحماية حشود المتوجّهين إلى المراقد الشيعية من جهة، ولمراقبتهم أيضا، إذ أنّ الزيارة تمثّل فرصة سانحة لمهرّبي السلع والمخدّرات من إيران، وكذلك للمتاجرين بالتأشيرات المزوّرة.

ويشتكي بعض العراقيين مما يسمّونه انتهاكا متعمّدا لسيادة بلدهم من قبل الزوّار القادمين من إيران ويقولون إنّ سلوكات الكثير من هؤلاء تنطوي على استهانة بأمن العراق وسلامة مواطنيه، فإضافة إلى استخدام الإيرانيين لتأشيرات مزوّرة، فإنّ أفواجا منهم تحاول أحيانا اقتحام الحدود من دون تأشيرات ولا وثائق سفر.

وتُظهر إحصائيات رسمية قفزة هائلة خلال السنوات الماضية في عدد الزوّار الإيرانيين المتوجهين إلى العراق للمشاركة في إحياء مناسبات شيعية. ويؤكد البعض أن تزايد الأعداد يأتي بتشجيع من الدولة الإيرانية لأسباب أيديولوجية وسياسية في الغالب، إذ أنّ طهران ما تنفكّ ترسل برسائل لدول المنطقة بشأن الترابط الشديد بين الساحتين العراقية والإيرانية، وبأنّ ما تضمّه الأراضي العراقية من مقدّسات شيعية ليس ملكا للدولة العراقية بل للشيعة عموما.

العرب