داعش يحذّر من حرب استنزاف طويلة رغم هزيمته

داعش يحذّر من حرب استنزاف طويلة رغم هزيمته

دمشق ـ يعتقد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن تنظيم داعش فقد كامل هيبته وقوته، إلا أنه لا يستبعد ظهور التنظيم من حين إلى آخر خاصة بعد الإعلان الأميركي في 23 مارس تحرير كافة الأراضي في العراق وسوريا من سيطرة التنظيم.
واجتذب تنظيم داعش الآلاف إلى صفوفه من أكثر من 100 دولة من دول العالم بعد سيطرته على مناطق في العراق وسوريا أتاحت له وفرة مالية مكنته من بناء قوة قتالية تمتلك أسلحة متقدمة شبيهة بأسلحة الجيوش النظامية.

إلا أن التنظيم فشل في إدارة المدن التي يسيطر عليها وفي التعامل مع المجتمعات المحلية التي حاول فيها فرض رؤيته “المتشددة” لتطبيق الشريعة الإسلامية وفق فهمه الخاص.
طيلة عام 2013، شهدت المحافظات السنية في العراق حركة احتجاجية طالبت الحكومة -التي كان يرأسها نوري المالكي- بإلغاء قانون مكافحة الإرهاب وإصدار عفو عن غير المدانين بجرائم إرهابية، إلا أن عدم استجابة الحكومة والإصرار على إبقاء عشرات الآلاف من المعتقلين دون محاكمات أو مذكرات قبض قانونية أدى إلى تنامي الشعور بالظلم لدى المجتمعات المحلية في تلك المحافظات التي سهلت بشكل واضح عودة التنظيم من معسكراته الصحراوية إلى المدن.
وبعد أحداث الموصل 2014 مباشرة، رفض العرب السنة الانخراط في الحشد الشعبي أو تشكيل جماعات عشائرية سنية تقاتل إلى جانب القوات الأمنية في عهد المالكي المتهم باتباع “نهجا طائفيا”؛ إلا أن مجيء حيدر العبادي وتبنيه خطابا معتدلا وسياسة متوازنة في علاقات العراق مع ايران والولايات المتحدة، إضافة إلى سلوك تنظيم داعش وتعامله المتشدد مع المجتمعات المحلية التي خضعت لسلطته دفعت بالعرب السنة إلى قبول الانخراط في قتال التنظيم بعد عدة أشهر من سيطرته على مدينة الموصل وإعلان دولته المزعومة “دولة الخلافة الإسلامية”.

مع تلقي التنظيم المزيد من الضربات القاسية وخسارته جميع مناطق سيطرته في العراق وسوريا، فان أيديولوجية التنظيم لا تزال بعيدة عن الهزيمة، كما أن خلاياه لا تزال تنشط في مناطق عدة من سوريا والعراق مع احتمالات التخطيط لهجمات عنيفة في بعض الدول الأوروبية، وفق ما كشفته وسائل إعلام غربية استنادا إلى وثائق خاصة بالتنظيم قالت إنها حصلت عليها.
وقد لا تعني الهزيمة العسكرية الكثير لمستقبل تنظيم داعش ووجوده في المدى القريب بالقدر الذي يتهدد هذا الوجود خلافات حادة في أعلى الهيكل التنظيمي على أسس عقدية ومنهجية، وهي الخلافات الأكثر خطرا، والتي لا يمكن تغافل تداعياتها على جسم التنظيم في قاعدته السفلى التي تمثل عماد ديمومته.

ففي معارك “الجيب الأخير” في منطقة الباغوز في ريف دير الزور الشرقي، تداولت مواقع مقربة من تنظيم داعش دعوات لقيادي شغل مناصب مهمة في التنظيم يدعى أبو محمد الحسيني الهاشمي ضمَّنها كتابا تحت عنوان “كفوا الأيادي عن بيعة البغدادي”، وهي الدعوة الأخطر غير المسبوقة في التنظيم الذي عرف عنه تماسك صفوفه وقلة حالات التمرد أو الانشقاق خلافا للتنظيمات الأخرى؛ ما يكشف واقع الصراع المحموم داخل التنظيم وفي الصف الأول من قيادته.
إلا أن التنظيم الذي خسر آخر منطقة يسيطر عليها في العراق وسوريا بإعلان الرئيس الأمريكي في 23 مارس 2019 النصر الكامل على التنظيم، باشر في بث خطاب دعائي عبر النوافذ المتاحة له في وسائل التواصل الاجتماعي يعلن عبره الالتزام بـ”الحرب الطويلة” وحرب “الاستنزاف” متوعدا بالنصر على “الأعداء” وهزيمتهم في نهاية المطاف.

وسيحاول التنظيم عبر وسائل الإعلام تبني الخطاب الطائفي لحشد دعم المجتمعات السنية في مواجهة الشيعة والغرب لاستعادة مكانته التي خسرها في أوساط تلك المجتمعات خاصة البعيدة جغرافيا عن العراق وسوريا.
ومع استمرار السياسات التي ينتهجها نظام بشار الأسد، فإن خطاب التنظيم الدعائي المعبر عن ما يعتقده العرب السنة بتعرضهم للظلم والتهميش والإقصاء، بل والقتل كما في سوريا، قد يجد قبولا في أوساط الفئات أو الأفراد المتضررين من تلك السياسات على المدى البعيد.
وتثير نشاطات التنظيم وكثافتها -رغم الحملات العسكرية لتطهير المحافظات السنية من مسلحيه- مخاوف مسؤولين عراقيين وأميركيين يعتقدون بأن التنظيم لم يفقد حتى الآن وجوده في العراق، وأنه يحقق بعض النجاحات في المجتمعات المحلية نتيجة السياسات المتبعة من حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، التي لا تزال قريبة من السياسات التي انتهجتها حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، والتي يُعزى إليها عودة التنظيم من معسكراته الصحراوية وسيطرته على معظم أجزاء المحافظات السنية.
إذ لم تتخذ حكومة عبد المهدي أي إجراءات لإعادة بناء الثقة بين الحكومة التي تخضع -وفق اتهامات البعض- في قرارها الأمني لإرادة وسياسات قيادات فصائل الحشد الشعبي التي يعتقد العرب السنة أن استمرار تسليم الملف الأمني في محافظاتهم لفصائل الحشد الشعبي مع إفلاتها من العقاب جراء الانتهاكات الواسعة التي تمارسها يعني بالتالي بداية استعادة تنظيم داعش “بعض” ما خسره من الحاضنة الاجتماعية نتيجة سوء إدارته لتلك المجتمعات طيلة سنوات سيطرته عليها.

ولا تزال الحكومة الاتحادية ملتزمة بإنفاذ قانون مكافحة الإرهاب الذي ينظر اليه العرب السنة بأنه قانون “تمييزي” يستهدفهم دون غيرهم من المكونات الأخرى.
ويرى مراقبون أن تنظيم داعش سيبقى كفكر طالما نجح في توظيفه بالصراع الوجودي الذي تشهده عموم المنطقة، وهو صراع ذو خلفيات طائفية في مجمله، وسيتضاءل الإقبال على فكر التنظيم ومنهجه في حال عملت الولايات المتحدة ودول المنطقة على إزالة أسباب وجوده سواء السياسية أو الاجتماعية القائمة على الشعور المتنامي بالظلم لدى المجتمعات المحلية في غياب تحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية للعرب السنة في سوريا والعراق تحديدا.
ويبدو أن تنظيم “داعش” بدأ العودة لأسلوب حرب العصابات بشكل مكثف في العراق وسوريا للحفاظ على زخم نشاطاته والاعلان الواسع عنها للحفاظ على معنويات مقاتليه التي تضررت كثيرا بعد خسارة الجيب الأخير للتنظيم في منطقة الباغوز شرق سوريا، وحالات الاستسلام لمقاتليه واعتقال عدد كبير من قيادييه.
كما أن التنظيم سيظل بحاجة إلى تجديد صفوفه وتجنيد المزيد من المقاتلين من دول العالم بعد أن باشر خطابا إعلاميا بعدة لغات لدول تعيش فيها أقليات مسلمة حالات اضطهاد أو تمييز على أساس ديني، مثل الفلبين وبعض الدول الإفريقية والأوربية.
لذلك، سيظل تهديد تنظيم داعش قائما وبشكل واسع للأمن والاستقرار في سوريا والعراق، مع احتمالات راجحة بأن يكثّف نشاطاته في الفروع البعيدة عن البلدين، الفلبين وأفغانستان وإفريقيا، وكذلك في الدول الأوربية.
ولا يعد انتصارا دائما ما لم يقم الفاعلون المحليون والدوليون بإزالة المسببات التي أدت إلى ظهور التنظيم عبر بناء نظم سياسية بعيدة عن الاقصاء والتهميش والتمييز في السلطة والموارد على أسس الانتماء العرقي أو الطائفي.

العرب