مماطلة دمشق تضعف قدرة لبنان على مواجهة سيناريو الجولان في شبعا

مماطلة دمشق تضعف قدرة لبنان على مواجهة سيناريو الجولان في شبعا

بيروت – عاد ملف مزارع شبعا إلى الواجهة بقوة في لبنان خلال الأيام الأخيرة، في ظل خشية متزايدة من إمكانية تكرار الإدارة الأميركية لسيناريو الجولان وقبلها القدس حينما اعترفت بسيادة إسرائيل عليهما.

تقول دوائر سياسية لبنانية إن هذه المخاوف جدية خاصة وأن هناك العديد من الثغرات التي من الممكن أن تستغلها إسرائيل لإقناع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأحقية ضمها لسهول شبعا، لاسيما وأن الأمم المتحدة لم تتسلم بعد من بيروت ودمشق أي خرائط تثبت سيادة لبنان عليها.

وتضيف الدوائر أن النقطة الأخرى التي تصب في صالح إسرائيل هي أن مزارع شبعا تخضع للبند 242، بمعنى أنها تحت رعاية قوات الأمم المتحدة للسلام “اندوف”، وليس القوات الأممية للسلام في جنوب لبنان “اليونيفيل”، ما يعني ضمنيا أن المنظمة الأممية لا تعترف بأحقية لبنان فيها.

وترى الدوائر أن على المسؤولين اللبنانيين وخاصة حلفاء دمشق وعلى رأسهم حزب الله التحرك ومطالبة دمشق بتمكين بيروت من الخرائط التي تثبت لبنانية المزارع أو بتصريح خطي تقدمه للأمم المتحدة بشأن الأمر حتى يتسنى للبنانيين القدرة على الدفاع عن أرضهم، ومواجهة أي مخطط لتكريس سيطرة إسرائيل عليها، كما حصل مع الجولان المجاور.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد وقع في 25 مارس الماضي على مرسوم يعترف فيه بـ”سيادة” إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية المحتلة، متجاهلا بذلك الضغوط الدولية والعربية. ويرى محللون أنه ليس هناك ما يحول دون أن يتخذ ترامب قرارا جديدا بشأن شبعا، خاصة وأنه إلى اليوم لم يتم الحسم بشأنها بين سوريا ولبنان.

وترفض إسرائيل الاعتراف بلبنانية “مزارع شبعا”، بزعم أن تل أبيب احتلتها عندما كانت المنطقة تحت السيطرة السورية عام 1967، كما الجولان السورية.

ولم يتمكن لبنان حتى اليوم من الحصول على اعتراف رسمي من النظام السوري بلبنانية “مزارع شبعا” أو بترسيم الحدود معه، وهو اعتراف تنتظره الأمم المتحدة لتثبت لبنانية تلك المنطقة.

وقال عضو كتلة “التنمية والتحرير”، التابعة لحركة أمل النائب قاسم هاشم، إن “الوثائق التي تثبّت ملكية لبنان لمزارع شبعا موجودة في الدوائر العقارية اللبنانية، علما بأن إسرائيل لم تدخل هذه المزارع في حرب يونيو 1967، بل دخلتها بعد 15 يونيو من ذلك العام، واعتمدت معها سياسة القضم (الاستيلاء التدريجي) حتى عام 1990”.

وتجدر الإشارة إلى أن تلك الحرب اندلعت بين إسرائيل وكل من مصر وسوريا والأردن، بين 5 و10 يونيو 1967، وأدت إلى احتلال إسرائيل لسيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان.

ويرى كثيرون بينهم عضو تكتل “الجمهورية القوية”، النائب وهبي قاطيشا، أن مشكلة شبعا تكمن أساسا في موقف دمشق. ويقول قاطيشا إن “إسرائيل تشترط اليوم اعترافا رسميا من النظام السوري بملكية لبنان لمزارع شبعا، وهو اعتراف ترفض سوريا منحه للبنان لأسباب سياسية، وهي إبقاء هذا الاحتلال (الإسرائيلي) كذريعة تبرّر وجود السلاح غير الشرعي في يد بعض الفرقاء بلبنان (يقصد حزب الله اللبناني الموالي للنظام السوري)”.

وعن تاريخ مزارع شبعا، قال قاطيشا “في 1920 عندما قام الإنكليز والفرنسيون بتقسيم الحدود بين البلدين كانت شبعا ضمن الأراضي اللبنانية، إلا أنه ومع اندلاع الحروب على حدود هذه المنطقة تمدد الجيش السوري ودخل إلى سهول مزارع شبعا بين الثلاثينات والأربعينات”. ولفت إلى أن جهات لبنانية عديدة تحاول اليوم “تجميع أوراق وملكيات قديمة في منطقة النبطية جنوب لبنان، لتثبت ملكية هذه الأراضي، ومن ثمّ تقديمها لدى الأمم المتحدة واستعادة مزارع شبعا”.

وسبق أن أقر العديد من المسؤولين السوريين بينهم وزير الخارجية وليد المعلم بلبنانية المزارع، بيد أن الأمر لم يتعد سقف التصريحات، ولا يستبعد البعض أن تحاول دمشق استغلال هذه الورقة لابتزاز حكومة سعد الحريري لاجبارها على تطبيع كامل للعلاقات الدبلوماسية معها مقابل الإقرار رسميا بأن سهول شبعا هي أراض لبنانية.

ولا ينكر الخبير الاستراتيجي، العميد متقاعد هشام جابر، امتلاك سوريا لخرائط يمكنها إنقاذ لبنان من هذا المأزق “فيكفي أن تبعث سوريا وثيقة للأمم المتحدة تثبت أن الأرض تابعة للبنان، لتضاف لما قدمه لبنان من وثائق، كي تتبنى الأمم المتحدة تلك الوثيقة وتعترف بلبنانية مزارع شبعا”.

وأرجع جابر عدم إقدام سوريا على تلك الخطوة إلى “أسباب مرتبطة بامتعاض سوريا من عدم تواصل لبنان بشكل رسمي معه بهذا الخصوص”. وقال إن “سوريا لا تتنكّر لملكية لبنان لهذه الأراضي، واعترفت بذلك شفهيا مرات عديدة، لكنها تنتظر اتصالا دبلوماسيا من مستوى رفيع يقينا ويقيها أيضا شرّ خسارة هذه المزارع”.

وتحدث جابر عن دخول الجيش السوري إلى مزارع شبعا “قبل عام 1997، وبناء على اتفاقية الدفاع العربي المشترك، وافق لبنان على أن يتولى الجيش السوري حماية مزارع شبعا، لأن المزارع قريبة جغرافيا من سوريا والجيش السوري قادر على حمايتها من التهريب والاعتداءات”.

وتابع أن “سوريا كانت تشغل هذه المزارع قبل 1967، ويدّعي العدو الإسرائيلي أنها تابعة للجولان، علما بأن لبنان لم يشترك بحرب 67”.

وأعلن وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في تصريح صحافي الجمعة، أن كلا من “مزارع شبعا” و”تلال كفرشوبا” و”قرية الغجر” لبنانية، ولا مكان للاحتلال عليها.

والنطاق الجغرافي لـ”مزارع شبعا” غير محدود بدقة، وهي تمتد طوليا بحدود 24 كم، ويتراوح عرضها بين 13 و14 كم، وتقع على منحدرات وتلال وسهول وهضاب، وتتدرج من علو 1200 متر عن سطح البحر وصولا إلى موازاة مستوى سطح البحر.

وتسيطر إسرائيل على 12 مزرعة من المنطقة، ويمرّ الخط الأزرق، الذي رسمته هيئة الأمم المتحدة عام 2000، على جبل السماق وشمالي قمة جبل روس، حيث يبقى معظم منطقة “مزارع شبعا” جنوبا له.

العرب