موكب انتفاضة أبريل بالسودان.. هل يعيد التاريخ نفسه؟

موكب انتفاضة أبريل بالسودان.. هل يعيد التاريخ نفسه؟

الصمت المريب كان هو العنوان الأبرز لساعات الصباح وسط الخرطوم مع قلة الحركة، السيارات والراجلين، لكن الصورة تبدلت عند الساعة الواحدة ظهرا بتوقيت الثورة كما يقول دعاة الاحتجاجات، فظهر المحتجون وعلت الهتافات صوب قيادة الجيش.
كانت سيارات الدفع الرباعي الممتلئة بجنود جهاز الأمن تمشط شوارع وسط الخرطوم الخالية من الازدحام على غير العادة، وكان العسس يرمقون المارة على قلتهم بحثا عن المتظاهرين.

ومن النقاط التي أعلنها تجمع المهنيين السودانيين بدأ الزحف نحو القيادة العامة للجيش، بينما كانت عناصر تابعة للشرطة العسكرية ترتكز على طول الشوارع المؤدية.

وعند تقاطع شارعي السيد عبد الرحمن والمك نمر وشارعي البلدية والمك نمر دارت مواجهات حامية بين المحتجين من جانب والشرطة وقوات جهاز الأمن التي أطلقت الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت بكثافة، وكانت تشكيلات من الجيش تحاول التهدئة لكن تحت إصرار المحتجين وصل الموكب إلى القيادة العامة، وعلى إثر ذلك انسحبت قوات الشرطة والأمن من المشهد إلى حين.

تشكل الموكب
وأمام القيادة بدأ حجم الموكب يظهر للعيان وهو يمتد لأكثر من كيلومتر من الشمال إلى الجنوب على الشارع المطل على القيادة العامة للجيش من مستشفى الأسنان وحتى كوبري (جسر) النيل الأزرق المؤدي للخرطوم بحري ومن نفق جامعة الخرطوم شرقا وحتى مشارف بري غربا.

وأمام القيادة العامة للجيش هتف المحتجون “الليلة ما بنرجع إلا البشير يطلع” وسط تفاعل لافت من قوات الجيش دفع النساء للزغاريد والرجال للهتاف “جيش واحد شعب واحد”.

وظهرت قيادات سياسية أمام قيادة الجيش مثل القيادي في حزب المؤتمر السوداني إبراهيم الشيخ والقيادي في حزب الأمة القومي الصادق المهدي، إلى جانب نجم نادي الهلال والمنتخب القومي لكرة القدم هيثم مصطفى، الذي حمله المحتجون على الأعناق.

اعتصام
وعلى إثر ذلك تحول موكب السادس من أبريل عند العصر إلى دعوة للاعتصام أمام القيادة العامة إلى حين تنحي الرئيس البشير.
والتقت الجزيرة نت بشباب وصلوا من ولايات مجاورة للمشاركة في الموكب الذي يصادف ذكرى انتفاضة 6 أبريل/نيسان 1985 التي أطاحت بالمشير جعفر نميري.

وقال عبد الرحمن، وهو شاب في العقد الثاني من العمر، للجزيرة نت إنه غادر منزل ذويه من مدينة المجلد بولاية غرب كردفان من دون علم والديه ولم يخبرهما بمكانه إلا من أمام قيادة الجيش.

وعند الساعة الخامسة مساء اقتحم المحتجون بيت الضيافة الملحق بالقيادة العامة للجيش -الذي يضم سكن الرئيس عمر البشير- عبر بوابته الرئيسية بعد أن أزالوا الحواجز. وجاء الاقتحام بعد معاودة قوات الشرطة والأمن لإطلاق الغاز المسيل للدموع.

عبور الجسور
ورغم الحشد الذي يقدر بمئات الآلاف أمام قيادة الجيش بالخرطوم، كانت هناك مواكب في الخرطوم بحري وأم درمان تقطعت بها السبل بعد أن أغلقت السلطات الأمنية الجسور المؤدية إلى وسط الخرطوم.

ولكن رغم ذلك تمكن محتجون من عبور الجسور راجلين أو عن طريق جسور بعيدة من وسط الخرطوم مثل جسر القوات المسلحة بين الخرطوم والخرطوم بحري وجسر النيل الأبيض بين الخرطوم وأم درمان.

ورغم كثافة الحشود فإن لجانا من المحتجين شرعت في جمع تبرعات لشراء مياه الشرب وأطعمة للمحتجين الذين لزم الكثير منهم وسط الخرطوم منذ الصباح لضمان مشاركتهم في الموكب، كما حرص بعض منهم على أداء الصلاة أمام قيادة الجيش.

مواكب الولايات
وطبقا لتقديرات بعض المنظمين، فإن موكب السبت كان مليونيا، حيث قالوا إن أكثر من 500 ألف شخص شاركوا في موكب العاصمة إلى جانب الآلاف في ود مدني والمناقل بولاية الجزيرة وكسلا وخشم القربة بولاية كسلا، حيث مسقط رأس المعلم أحمد الخير الذي قتل منذ أسابيع على يد عناصر الأمن.

كما خرجت مواكب في ربك وكوستي بولاية النيل الأبيض وبورتسودان عاصمة ولاية البحر الأحمر، فضلا عن تظاهر الآلاف من نازحي معسكر كلما في نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور.

وبالعودة إلى الخرطوم وعند المساء بدت مظاهر احتفالية بإطلاق أبواق السيارات، خاصة بعد اقتحام المحتجين لبيت الضيافة وتشديد قوات الجيش الحراسة على مقار الإذاعة القومية وتلفزيون السودان في أم درمان.

وحاولت عناصر الشرطة والأمن مساء إعادة السيطرة على شارع القيادة العامة بإطلاق المزيد من الغاز المسيل للدموع لكن دون جدوى، فقد “ذاق المحتجون أول طعم للانتصار” وسط دموع الفرح منذ اندلاع المظاهرات في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وبعد انجلاء موجة إطلاق الغاز المدمع الأخيرة أمر الجيش قوات الشرطة والأمن بالكف عن إطلاق الغاز، كما وفر الجيش سقيا للمحتجين من داخل القيادة، فقد كان يومهم طويلا وقاسيا مع ارتفاع درجة الحرارة.

ويبدو أن الساعات القليلة القادمة ستكون حافلة بالمثير والجديد، فالمحتجون منذ اندلاع الحراك كانوا يشتهون عبور الجسور إلى الخرطوم كما حدث في انتفاضة أبريل قبل 34 عاما.

المصدر : الجزيرة