قانون قدسية النجف.. محاكم تفتيش في القرن الحادي والعشرين

قانون قدسية النجف.. محاكم تفتيش في القرن الحادي والعشرين

بغداد – طاف مركز مدينة النجف جمهرة من أصحاب العمائم والأفندية يتقدمهم رئيس الوقف الشيعي علاء الموسوي مطالبين بسن قانون يعتبر مدينة النجف مقدسة، والهدف حسب تصريح رئيس الوقف الشيعي صدّ دعوات الإلحاد والانحلال، التي لا تتناسب وقدسية المدينة، والتي تضم مثوى علي بن أبي طالب.

وحثّ هؤلاء على أن يسري ذلك على أي نشاط فني أو شعري خارج الروح الدينية، ويقضي بتحريم عمل النساء في المتاجر كبائعات أو موظفات، ويُحرم مظاهر الاختلاط بين النساء والرجال، وقائمة طويلة أخرى من المحرمات.

وسيسلط هذا القانون، إن أقره مجلس المحافظة ووافقت عليه السلطات المركزية، على رقاب النجفيين والزائرين، وما الدعوة إلى ذلك إلا لإحلال محكمة تفتيش على ضمائر الناس واعتقادهم.

ولم تشهد مدينة النَّجف، والتي عمر حوزتها الدينية نحو ألف عام، منذ انتقل إليها شيخ الطائفة محمد بن جعفر الطوسي سنة (448هـ)، وأقام مدرسته الدينية فيها، أي مطالبة بمثل هذا القانون، على اعتبار أنها مدينة دينية، لكن ذلك لا يمنع أن يظهر فيها الأدب والشعر على اختلاف مناهجهما وأغراضهما، أو أن يتحول النجفيون ورواد المدينة من خارجها إلى كائنات جامدة لا يتأثرون بما يجري في العالم.

مَن يريدون تشريع هذا القانون، المطروح أساسا من قبل على مجلس المحافظة، لا يكتفون بمركز المدينة، إنما المحافظة بأقضيتها ونواحيها، وكأن المحافظة خارج العراق لا شأن لها بنشاط أدبي أو فني، وأن النساء فيها ملزمات بالطوق الديني، وما يترتب على ذلك من فرض جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما يعني هذا المظهر من سطوة دينية صارمة ستؤثر تأثيرا سلبيا على مدينة النجف نفسها.

يتحدث المطالبون بقانون القدسية عن تفشي الإلحاد والانحلال في المدينة، مضخمين أي فكرة أو تصرف على أنه إلحاد، لكن ألا يسألون أنفسهم ما هو مصدر الإلحاد في هذه الفترة، والمدينة عمرها ألف عام؟ أليست الأحزاب الدينية وسلطتها لستة عشر عاما، هي التي كانت وراء تلك المظاهر، فإذا كان الدين يُطبق بهذا الكم من الفساد والانهيار والانحطاط في مظاهر الحياة كافة، أليس مِن حق الشباب أن يتساءلوا عما يدور حولهم؟

واعتبر عراقيون في تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي أن تلك المظاهرة لا تعدو أن تكون إلا خطوة لتعزيز وجود المحاكم الدينية على الطريقة الإيرانية، وأن تشريع مثل هذا القانون سيشجع الخروج على تلك القُدسية، لأنها من خلق حكومة طالما تظاهر النجفيون ضدها بسبب الفساد وشح الخدمات، فما الذي يمنع من اعتبار تلك الاحتجاجات طعنا في تلك القُدسية.

وأجمعت التعليقات على أن وجود مثل هذا القانون القامع للحريات لا يعني النجف، والتي كانت مكانتها الدينية محفوظة في صدور الأجيال منذ وجودها إلى يومنا هذا، إنما يعني قدسية الجماعات الدينية، فأي اعتراض على صاحب عمامة سيدخل في إطار هذا القانون على اعتبار أنه يمثل الدين، وأي اعتراض على الجماعات المرتبطة بالولي الفقيه سيقمع بسيف هذا القانون.

وظهر في النجف شعراء متمردون وشخصيات إشكالية، عبر تاريخها الطويل، لكن لم يصدر في يوم من الأيام ما يقمع تلك الآراء ما دامت لا تخدش مظهر المدينة الديني، فعندما طلبت السلطات العثمانية من مرجع زمانه الشيخ حسن كاشف الغطاء (في أواسط القرن التاسع عشر) تكفير أحد الدعاة أجاب: أنا في واد يوما يظهر فيها صاحب رأي أو فكرة، فهل أقتل الناس عليها، إنما يقولون ويذهبون والنجف باقية.

ويقول نشطاء عراقيون إن على الداعين لسن هذا القانون أن يفهموا أن الحظوة الدينية والقدسية لا تأتي بقانون، وأن في العراق أكثر من مدينة دينية، فهل يتحول العراق، حيث تلك المدن، إلى أرض مقدسة.

وتساءلوا إلى أين يذهب العراق والفاسدون أنفسهم يطالبون بهذا التقديس، وهل من التقديس أن يكون سلاح الميليشيات المحصنة بحماية الولي الفقيه الإيراني مسلطا على الرّقاب، وأن تطبق القدسية بقوتها؟

العرب