لماذا يحتل العراقيون في تركيا المرتبة أولى بشراء العقارات ؟!

لماذا يحتل العراقيون في تركيا المرتبة أولى بشراء العقارات ؟!

الباحثة شذى خليل*
شهد العراق منذ عام 2003 والى يومنا هذا الكثير من الأوضاع السياسية والطائفية وعدم الاستقرار الاقتصادي وانعكاسها على الحياة الاجتماعية ، مع استمرار العنف في العديد من مناطق وسط وجنوبي العراق.
أرغم آلالف من المواطنين على ترك منازلهم يومياً ، وراحوا يبحثون عن بدائل وخيارات في دول آمنة للاستقرار بها والبدء بحياة جديدة.
ونظرا لموقع تركيا المجاور للحدود العراقية ، وسهولة الوصول إليها براً ، جعل منها وجهة للكثير من العراقيين ، سواء للإقامة بها بشكل دائم ، أو الاستفادة للعبور من خلالها الى الدول الأوروبية ، كونها معبر للكثير منها من جهة أخرى ، بالإضافة لوجود العديد من العلاقات السابقة التجارية بين البلدين ، والتي كانت تقوم على تصدير المنتجات التركية الى العراق واستيراد النفط العراقي الى تركيا ، مما وضعها في مقدمة الخيارات وأسهلها لكثير من العراقيين.

هجرة العراقيين إلى تركيا:
تذكر التقارير الرسمية التركية أن هجرة العراقيين إلى البلاد شهدت ارتفاعا ملحوظا ، بالأخص بعد سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مدينة الموصل في الشمال العراقي في يونيو/حزيران 2014.

وبدوره أدى الى ارتفاع نسبة الوافدين العراقيين الى مختلف المناطق التركية ، أما المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ، فقد أعلنت في 2016 أن عدد العراقيين المسجلين لديها في تركيا بلغ (126750) نسمة ، بينهم (27600) سجلوا بصفة لاجئ ، و (99140) يحملون صفة طالبي لجوء.
وتزايد عدد العراقيين المتواجدين في تركيا بشكل كبير ، حيث بلغ عدد المدارس المعتمدة من قبل وزارة التربية العراقية (27) مدرسة موزعة على المحافظات التركية التي يوجد بها أكثر من (700000) عراقي ، وتضم مدينة اسطنبول خمس مدارس ، وهو العدد الأكبر في محافظة واحدة ويتساوى مع العدد الموجود في العاصمة أنقرة.

الإقامة العقارية:
الإقامة العقارية من أهم عوامل الجذب والتشجيع للعراقيين واقبالهم على شراء العقارات في تركيا ، حيث منحت تركيا للمواطنين الأجانب بمجرد شرائهم لعقار على الأقل في تركيا حق الإقامة في تركيا ، ويحق لهم تمديدها إلى أن تصبح إقامة دائمة ، وهذا الأمر يعتبر مريحاً بالنسبة للعراقيين كونهم يبحثون عن إقامات طويلة الأمد بعيداً عن الإقامات السياحية قصيرة الأمد ، وذلك يساهم في تعزيز تواجد العراقيين في تركيا شبه دائمة.
الرهن العقاري والشراء بالتقسيط: تسمح القوانين التركية للمستثمر الأجنبي بأن يحصل على قرض عقاري من أجل تملك منزل في تركيا ، وهذا القانون يزيد من أعداد المشترين وتسهل عملية الشراء ، خاصة إذا كانوا يملكون المبلغ الكافي لشراء عقار له في تركيا ، أما بعد إصدار قانون الرهن العقاري للأجانب في تركيا صار بالإمكان أن يقترض العراقيون من البنوك التركية قروض مساعدة على شراء العقار ، أو القيام بشراء العقار من شركة البناء مباشرةً ، وبالتقسيط ، وتوجد العديد من المميزات عند شراء البيوت في تركيا وبالأخص شراء شقق في اسطنبول في المجمعات الحديثة ، حيث تسمح الشركات الإنشائية ببيع العقارات قيد البناء بالتقسيط للأجانب ، ولعل الإحصائيات الأخيرة تثبت تصاعد نسب تملك العراقيين في تركيا ، مما يعني استفادتهم بشكل كبير من طرق البيع بالرهن أو التقسيط في تركيا.

إلغاء ضريبة القيمة المُضافة: تسمح القوانين التركية للمشترين العقاريين الأجانب والأتراك المغتربين أن يدفعوا قيمة سعر العقار من خارج تركيا عبر البنوك التركية ، ويستفيدون بذلك من إلغاء ضريبة القيمة المضافة والتي تتراوح بين (1-18%) ، وهذا الأمر يتيح للعراقيين المقيمين في بلادهم أو في أوروبا أن يشتروا العقار قبل الوصول إلى تركيا مستفيدين من التخفيضات في الضرائب على سعر العقار.
بيع العقارات في تركيا بالعملة المحلية “الليرة التركية ” فقط: كانت اسعار العقارات في تركيا تُسعّر بإحدى طريقتين: إما بالعملة المحلية “الليرة التركية” أو بالعملات الأجنبية كالدولار الأميركي واليورو والين الاسترليني في بعض العقارات السياحية ، لكن بعد حوالي ثمانية أشهر من الأزمة التي مرت بها أسعار صرف الليرة التركية ، قامت الرئاسة التركية في أيلول/سبتمبر 2018 بإصدار قرار يمنع تسعير العقارات بغير الليرة التركية ، إذ يضطر المشتري الأجنبي لتصريف أموال بالعملات الأجنبية إلى الليرة التركية ثم شراء العقار.
مما شجع المستثمرين العراقيين ، حيث أصبحت الكثير من العقارات الفاخرة في تركيا والتي كانت بالدولار أو اليورو ولم تنخفض أسعارها ، أما بعد إعادة تسعيرها بالليرة التركية فهذا يضمن للمستثمر سعراً أقل بحوالي (40%) مما أسهم بزيادة الطلب على العقارات و(الاستثمار العقاري) .

قانون العقار والجنسية ؟
أصدرت الجمهورية التركية سنة 2012 قانونا يخول الأجانب من (التملك العقاري) في تركيا ، وكان العراقيون ضمن الجنسيات التي يسمح لها بشراء عقار ضمن أي من المدن التركية دون استثناء ، بعد الحصول على موافقة وزراتي الداخلية والخارجية ، وشراء أي نوع من أنواع العقارات سواء كانت (شقق) (فلل) أو (محلات تجارية).
مما جلب الانظار لآلاف العراقيين المتمكنين ماديا ويبحثوا عن بيئة مناسبة للاستثمار الى دراسة (السوق العقاري التركي) وشراء عقارات في تركيا ، ونقل ملكية العقار لاسمهم مباشرة.
مع حق التصرف بالعقار من (بيع – شراء – تأجير – توريث) دون وجود أي عائق يمنع ذلك ، وبالتالي يبقى العقار مملوك مدى الحياة بمجرد وجود (سند الملكية) (الطابو) الذي يعتبر بمثابة وثيقة رسمية صادرة من الحكومة التركية وتثبت ملكية الشخص للعقار.
ويحق للمواطن العراقي بعد شرائه عقار في تركيا الحصول على إقامة بناء على هذا العقار والتي تخوله السفر ضمن وخارج الحدود التركية ، ومزاولة كافة الأعمال والأمور بشكل قانوني ، وذلك بعد تقديم كافة الأوراق اللازمة للحصول على الإقامة في تركيا.
وبموجب قانون منح الجنسية التركية للأجانب ، والذي صدر بتاريخ 19-9-2018 سمح أيضا للعراقي الذي يمتلك عقار بمبلغ (250) ألف دولار أميركي (بالحصول على الجنسية التركية) ، بالإضافة إلى كافة الحقوق الأخرى من تسجيل الأولاد ضمن المدارس والجامعات التركية – الدولية والعربية الموجودة ضمن (المدن التركية) ، واستخدام (البنوك التركية) وإتمام كافة الأوراق والمعاملات اللازمة ضمن الدوائر الحكومية التركية.

الأوراق اللازمة لإتمام معاملة (الطابو) للعراقيين بعد (شراء العقار في تركيا)
1. صورة عن جواز السفر مترجمة الى اللغة التركية ومصدقة من كاتب العدل التركي والسفارة التركية في الخارج.
2. وجود (رقم ضريبي) يستخرج من أمنيات الدولة.
3. صور شخصية.
4. وجود ايصالات عن سداد كافة الرسوم المتعلقة بالطابو.
5. تواجد صاحب العقار أو أي شخص موكل عنه بوكالة موثقة من السفارة التركية أو من كاتب العدل التركي (النوتر).
وفي آخر دراسة أجريت (لنمو الاستثمارات العقارية) واحصائيات حول (الجنسيات الأكثر تملك للعقارات في تركيا) ، احتل العراقيون المرتبة الأولى للعام 2018 كأعلى نسبة بين الأجانب الذين قاموا (بشراء عقار في تركيا) ، ووصل عدد العقارات المباعة للعراقيين خلال السنوات السابقة الى ما يقارب (20000) شقة في كافة المدن التركية في مقدمتها اسطنبول – يلوا – بورصة.

 

وهنا نصل الى نتيجة مهمة يجب تسليط الضوء عليها .. لماذا استثمار العراقيين في تركيا وليس العراق ؟
العراق بطاقته النفطية العملاقة كثاني بلد في منظمة أوبك المصدرة للنفط وبواقع (3.8) مليون برميل يوميا ، ومرشح للزيادة ليصل الى اكثر من (6) ملايين برميل يومياً خلال فترة وجيزة ، وبمخزون نفطي هائل يقدر نحو (152) مليار برميل ، يضعه ضمن اكبر الاحتياطات النفطية على المستوى العالمي ، لكنه قد لا يجد سبيل لجلب الشركات العالمية للاستثمار في بلد يحتاج كل شيء فيه اما للبناء او لإعادة البناء.

وعزوف هذه الشركات من جهة ، وضعف الاستثمار المحلي من جهة أخرى ، والسبب ليس في طبيعة الاستثمار بحد ذاته بقدر ما هو متعلق بالبيئة الاستثمارية الطاردة لرؤوس الأموال ، فبالرغم من رغبة الحكومة العراقية والمتمثلة في دفع عجلة البناء وخلق أجواء جاذبة للشركات العالمية ، وفي ضوء الكساد العالمي وتراجع مستويات الانفاق العالمي ، بقيت البيئة العراقية طاردة للاستثمار وغير جاذبة له ، ولعل الأسباب تتلخص بطبيعة البيئة العراقية التي يمكن ايجازها بما يلي:
• عدم الاستقرار السياسي والأمني ، فبالرغم من الانتصارات المتتالية للقوات الأمنية العراقية ، لاتزال الأمور غير مستقرة وتمثل عائقاً أمام رأس المال الأجنبي والمحلي.
• الفساد بكافة أنواعه ، وفي كل مفاصل الدولة المالي والإداري ، يعد واحدا من اهم الأسباب المعرقلة للاستثمار الأجنبي والطاردة للمحلي ، لأنه يخلق جوا من عدم الثقة بالنظام السياسي ومدى كفاءة انظمته الرقابية والقضائية.

• ضعف التشريعات القانونية الداعمة والمحفزة للاستثمار وبيروقراطية التعاملات التي تعثر عملية الاستثمار.
• دمار البنى التحتية مثل الطرق والجسور والمطارات ووسائل النقل والمنظومة الكهربائية التي تضررت بسبب الحروب المتعاقبة ، مما أثر سلبا على بقيه المشاريع المتوسطة والصغيرة والتي تمثل القطاع الأكبر بالنسبة لتشغيل الأيدي العاملة والحد من مستويات البطالة.
• لا يوجد نظام مالي ومصرفي متكامل يضمن سهولة تدفق الأموال وسلاسة التعاملات المالية والتجارية والذي يعد عائقاً أمام الاستثمار الأجنبي.
• سياسات الاستيراد والتصدير بشكل عشوائي وغير مدروس ، وتبني سياسة الباب المفتوح أمام البضاعة الأجنبية الجيدة والرديئة على حد سواء ، وما يترتب عليه من إضعاف الصناعة الوطنية وبالتالي إضعاف القطاع الخاص وبشكل يجعله غير قادر على القيام بدوره التنموي.
• عدم مشاركة القطاع الخاص بشكل فعال ، وعدم قدرته على الاضطلاع بمسؤوليته وتحريك عجلة البناء وتشغيل الأيدي العاملة وبما يخلق بيئة اقتصاديه وتنموية سليمة.

وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية