فوضى البريكست تزداد تعقيدا إثر تمديد أوروبي بشروط لا تدعو للاطمئنان

فوضى البريكست تزداد تعقيدا إثر تمديد أوروبي بشروط لا تدعو للاطمئنان

لندن – منح قادة الاتحاد الأوروبي، إثر قمة استثنائية، بريطانيا إرجاء إضافيا لبريكست لكن بشروط لا تدعو إلى الاطمئنان، بل تعمّق أزمة بريطانيا وتعقد أكثر فأكثر مهمة رئيسة الوزراء تيريزا ماي، حيث يمدد هذا الإرجاء في حالة الجمود ويزيد من الارتباك، ويفاقم من حالة الانقسام الداخلية من جهة بين تيريزا ماي وأعضاء الحكومة، ومن جهة أخرى بين مؤيدي البريكست ورافضي الخروج وسط تضارب في المواقف؛ بين لا صفقة، أو استفتاء ثان، أو البقاء في الاتحاد الأوروبي.

بحسب الاتفاق الذي تم التوصل إليه في ساعات الصباح الأولى، الخميس، أمام بريطانيا حتى 31 أكتوبر لإقرار الطلاق الذي سبق وأن حددته في مارس، لكن الاتفاق يبقي الباب مفتوحا أمام خروج قبل ذلك التاريخ.

ويعطي اتفاق القادة الأوروبيين الـ27 مع تيريزا ماي، تمديدا لبريكست أطول بكثير من تمديد الأسبوعين الذي أقروه سابقا وينتهي الجمعة، حين كانت لندن تخاطر بخروج دون اتفاق والوقوع بفوضى اقتصادية، لكنه اتفاق يقيد بريطانيا أكثر ويمنعها من أي تدخل في شأن مدة التمديد والاكتفاء بالحديث عن مفاوضات الخروج فقط.

عقد الطلاق
الطلاق مؤلم، خاصة إذ امتد الزواج لأكثر من أربعين عاما حيث تشابكت المصالح بشكل يصعب تحريرها ولم يعد الأمر يقتصر على الطرفين المنفصلين فقط بل ترتبط بهما مجموعة من الأفراد، لها رأيها هي أيضا في الانفصال. تصبح الأحداث عاطفية أكثر فأكثر، وتصبح الممتلكات محل نزاع، وتطرح الحاجة إلى معالجة عدد لا يحصى من التفاصيل الدقيقة. هذا الواقع المضطرب تعيشه بريطانيا منذ استفتاء يونيو 2016 للانفصال عن الاتحاد الأوروبي، والذي تحول إلى كابوس وفوضى لا تبدو ملامح الخروج منهما واضحة.

شروط إرجاء بريكست كما حددها الاتحاد الأوروبي
☚ ينصّ الاتفاق الذي منح قادة الاتحاد الأوروبي بموجبه بريطانيا إرجاء إضافيا لبريكست على عدة شروط منها:

● إذا فشلت بريطانيا في إقرار اتفاق الخروج بحلول 22 مايو، عليها أن تجري انتخابات البرلمان الأوروبي بين 23 و26 مايو المقبل.

● التفاوض على اتفاق الخروج الذي تم التوصل إليه في نوفمبر الماضي لن يفتح من جديد.

● عدم بدء المفاوضات حول علاقات مرحلة ما بعد الخروج خلال مدة التمديد.

● تعهد لندن بالعمل بشكل بناء ومسؤول خلال مدة التمديد، تماشيا مع واجب التعاون الصادق.

● على بريطانيا المساعدة في تسهيل إنجاز الاتحاد لمهامه والابتعاد عن أي إجراء قد يعرض للخطر تحقيق أهداف الاتحاد.

● على لندن عدم عرقلة عمليات صنع القرار في التكتل.

● تستبعد لندن من أي محادثات تشمل أعمالا متعلقة بمرحلة ما بعد بريكست.

وتذكّر معضلة البريكست بمعضلة انضمام بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي، التي لم تكن سهلة كذلك وشابها مد وجزر كبيران. كانت الحكومة البريطانية عضوا متناقضا ومتضاربا في عائلة الاتحاد الأوروبي منذ البداية. سنة 1957، انسحبت المملكة المتحدة من الجماعة الأوروبية للفحم والصلب، مترددة في إقرار السيادة لمؤسسة فوق وطنية.

وفي سنة 1973، انضمت الحكومة البريطانية إلى الجماعة الاقتصادية الأوروبية. ولكنها تفاوضت على مر السنين حول عدد من المواضيع التي شملت عددا من السياسات الرئيسية، بما في ذلك الخروج من منطقة اليورو والشنغن وجملة من البنود السياسية والاجتماعية التي جاءت في معاهدة ماستريخت.

ورفض الزعيم الفرنسي شارل ديغول مرتين طلب بريطانيا الانضمام إلى السوق المشتركة، التي تأسست من خلال معاهدة روما عام 1957. لكن المصالح الاقتصادية والسياسية تغلبت في نهاية المطاف، وتم التوصل إلى اتفاق بين الجانبين عام 1973 وانضمت بريطانيا إلى السوق المشتركة في عهد رئيس الوزراء المحافظ إدوارد هيث، ثم إلى الاتحاد الأوروبي لاحقا، ولكنها رفضت الانضمام إلى العملة الأوروبية الموحدة. واليوم، يتجدد الجدل، لكن في اتجاه الخروج.

وترى الباحثة الأميركية أماندا سلوت أنه في ظل هذه الفوضى، “ما زال مصير المملكة المتحدة غير واضح بعد، ولا نعرف كيف ومتى وما إذا كانت ستترك الاتحاد الأوروبي”، مضيفة أن “المفاوضات المطولة والمثيرة للجدل أدّت إلى تقليص الثقة بين لندن وبروكسل، وألحقت الضرر بسمعة المملكة المتحدة في جميع أنحاء القارة، وأثارت موجة من الكراهية تجاه مؤيدي الانفصال في الداخل”.

وانعكس ذلك عبر الشروط التي فرضتها بروكسل، والتي تحصر بريطانيا في منطقة نفوذ تفاوضي محدودة. ويريد قادة التكتل التأكد من أن بريطانيا لن تتدخل في قراراتهم المقبلة حول ميزانية جديدة متعددة السنوات، ولا في سياساتهم التجارية أو حتى في تعيين رئيس جديد للمفوضية الأوروبية وهي بمثابة سلطة تنفيذية للاتحاد.

وشدد قادة الاتحاد على أن “التمديد لا يجب أن يكون وسيلة لعرقلة الأداء الطبيعي للاتحاد ومؤسساته”. وإذا فشلت بريطانيا في إقرار اتفاق الخروج بحلول 22 مايو، سيكون عليها أن تجري انتخابات البرلمان الأوروبي بين 23 و26 مايو.

وإذا لم تنفذ لندن هذا المطلب القانوني للاتحاد الأوروبي، عليها الخروج من التكتل في 1 يونيو دون اتفاق. وكرر قادة الاتحاد الأوروبي تأكيدهم على أن التفاوض على اتفاق الخروج الذي تم التوصل إليه في نوفمبر الماضي لن يفتح من جديد.

ويعارض الكثير من أعضاء حزب المحافظين الحاكم بندا في الاتفاق يقولون إنه يبقي أيرلندا الشمالية لمدة غير محددة في الاتحاد الجمركي. وملف أيرلندا الشمالية عقدة أخرى على طريق البريكست ما زالت عصية عن الحلّ.

كما شدد القادة على أنه على الاتحاد الأوروبي وبريطانيا عدم بدء مفاوضاتهما حول علاقات مرحلة ما بعد الخروج خلال مدة التمديد، وهذا يشمل العلاقات التجارية.

لكن، في حال توصل بريطانيا إلى أفكار جديدة حول العلاقات المستقبلية، سيكون الأوروبيون حاضرين “لإعادة النظر في الإعلان السياسي حول العلاقة المستقبلية”، وهو خارطة طريق تم التوصل إليها أيضا في بروكسل خلال نوفمبر الماضي.

ويشترط الاتفاق أن تكون المحادثات الجديدة متوافقة مع توجيهات التفاوض التي حددها الاتحاد، والتي تتضمن ضمانات بإبقاء الحدود الأيرلندية مفتوحة.

لقاءات منفصلة
باستثناء الاجتماعات التي تضم بريطانيا وقادة الاتحاد وتهدف إلى مناقشة بريكست، ستستبعد لندن من أي محادثات تشمل أعمالا متعلقة بمرحلة ما بعد بريكست.

وسيراجع القادة الأوربيون التقدم بشأن الملف في قمتهم المقررة في يونيو. لكن بالنظر إلى المصالح التي تشترك فيها بريطانيا مع أوروبا، يتوقع أن يواصل الاتحاد الأوروبي اتباع سياسة العصا والجزرة مع بريطانيا “المتمردة”، ومهما كانت علاقة المملكة المتحدة بالاتحاد الأوروبي، سيبقى هناك خط رفيع رابط بينهما، وسيكونان مضطرين لمواصلة العلاقة بينهما بأي طريقة، حيث يفرض ذلك الوضعُ الجغرافي والأمني والشؤون الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية.

العرب