كل الأسرار تفضح في البيت الأبيض إلا سر صفقة القرن

كل الأسرار تفضح في البيت الأبيض إلا سر صفقة القرن

لم يعد للحديث عن السلام في الشرق الأوسط صدى يذكر، وسط الصخب الذي تثيره صفقة القرن، أي اتفاق السلام الجديد في الشرق الأوسط الذي يسطّر ملامحه في سرية تامة مستشارا الرئيس الأميركي دونالد ترامب جاريد كوشنير وجيسون غرينبلات. ويحيط الغموض بهذه الصفقة التي يحجم معظم قادة المنطقة عن دعمها في ظل عدم الإعلان عن الكثير من محتوياتها.

واشنطن – من ستيف هولاند – في البيت الأبيض، الذي لا يطول فيه في العادة كتمان الأسرار، لا تزال السرية الشديدة تكتنف تطورا واحدا هو فحوى خطة السلام في الشرق الأوسط التي وضعها جاريد كوشنير وجيسون غرينبلات مستشارا الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وترامب نفسه، المعروف بإفشاء الأخبار دون تفكير كلما شاء، لم تبدر منه أي تفاصيل عن خطة السلام بسبب حساسيتها. كما يسارع البيت الأبيض إلى نفي كل ما تكشف عنه الصحف تحت عنوان تسريبات عن صفقة القرن، التي يصفها مراقبون بأنها صفقة ترامب التي يناور بها على كل المستويات، والتي مهد من خلالها الطريق صهره جاريد كوشنير ليحصل على دعم اللوبي المؤيد لاسرائيل الذي دعم ترامب في الانتخابات الرئاسية وربما يكون الدور على كوشنير في السنوات القادمة.

وبعد أن أسعد ترامب الإسرائيليين وأغضب الفلسطينيين بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في 2017 ونقل السفارة الأميركية إليها في مايو الماضي، كان يتوقع أن يعلن عن صفقة القرن، لكن لم يتم الأمر، بل فجّر ترامب قنبلة الجولان التي كانت الورقة التي قوى بها ظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وكان نتنياهو ضمن إعادة انتخابه بعد أيام فحسب من اقتراحه ضم المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية التي تعتبرها معظم دول العالم مخالفة للقانون الدولي. ولم تعلق الإدارة الأميركية على هذه التصريحات التي أدلى بها نتنياهو عشية الانتخابات.

ويتوقع مساعدو ترامب أن يطرح الرئيس الأميركي صفقة القرن ما أن يشكل نتنياهو حكومة ائتلافية، ويقول مسؤولون إن الصفقة ستطالب الجانبين بتقديم تنازلات رغم الانتقادات الموجهة للإجراءات التي اتخذتها الإدارة حتى الآن.

وبقاء خطة السلام طي الكتمان أمر لافت للنظر في البيت الأبيض الذي تجد فيه مسودات الأوامر التنفيذية والحوارات السرية والمداولات الداخلية طريقها إلى الصفحات الأولى للصحف.

ولضمان السرية التامة، قصّر كوشنير وغرينبلات عدد من يحق لهم الاطلاع على الخطة طوال العامين اللذين عكفا فيهما على وضعها.وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية إن أربعة أشخاص فقط هم الذين لهم الحق في الاطلاع على تطوراتها بانتظام، وهم كوشنير وغرينبلات والسفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان وآفي بركويتس مساعد كوشنير.

ويتم اطلاع ترامب بانتظام على فحوى الخطة لكن ليس من المعتقد أنه قرأ الوثيقة المؤلفة من عشرات الصفحات بالكامل. وقال المسؤول “يتم اطلاعه إذا كان شيء ذو بال يحدث أو طرأت فكرة يريدان عرضها عليه”.

وكوشنير مطور عقاري في نيويورك وزوج إيفانكا ابنة ترامب أما غرينبلات فمحام كان يعمل في السابق لحساب ترامب. وقد انخرط الاثنان في العملية دون أن يعلما شيئا يذكر عن تاريخ البحث عن السلام بين العرب وإسرائيل على مدى العشرات من السنين.

وتتناول الخطة قضايا سياسية أساسية مثل وضع القدس وتهدف من جانب آخر إلى مساعدة الفلسطينيين على تعزيز اقتصادهم. ومن الجوانب التي تطوقها السرية ما إذا كانت الخطة ستقترح إنشاء دولة فلسطينية بما يلبي مطلب الفلسطينيين الأساسي.

والأربعاء قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إن الخطة ستطرح قريبا، لكنه امتنع عندما سئل عن قول ما إذا كانت الإدارة تؤيد حل الدولتين الذي مثل منذ فترة طويلة أساس مساعي السلام في الشرق الأوسط.

وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض إن ترامب يقول لمبعوثيه في الشرق الأوسط “إذا استطعتم أن تنجزوا هذا الأمر فستصبحون أعظم مفاوضين في التاريخ”.

قال مسؤولان إنه عندما بدأ كوشنير وغرينبلات وضع الخطة في 2017 طلبا من الأطراف المعنية التطلع للمستقبل ووصف النتيجة التي يمكنهم قبولها في كل قضية من القضايا بدلا من الوقوف عند مواقف تاريخية.

وقال مسؤول إن فحوى رسالتهما للجانبين كان “لا يمكن أن تسمح بصراع جدك أن يعطل مستقبل أولادك”.

وقال مسؤولان آخران إنه يتم اطلاع نائب الرئيس الأميركي مايك بنس وبومبيو وجون بولتون مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض على تطورات خطة السلام لكنهم لا يتدخلون فيها نزولا عند رغبة كوشنير.

ومثلت السرية التي أحاط بها كوشنير وغرينبلات الخطة أثناء تعديلها وصقلها نوعا من التحدي لحكومات دول خليجية تريد معرفة التفاصيل قبل أن تلتزم بتخصيص موارد لصندوق فلسطيني.

وقام كوشنير وغرينبلات بجولة في المنطقة خلال فبراير الماضي للترويج للشق الاقتصادي دون أن يذكرا أي تفاصيل عن فحوى الشق السياسي الأكثر أهمية.

وكانت قطر من المحطات التي توقفا فيها. ولم تصدر إشارة عن لولوة الخاطر، المتحدثة باسم وزارة الخارجية القطرية، في حديث لمجموعة صغيرة من الصحافيين في واشنطن في الآونة الأخيرة، إلا أن كوشنير وغرينبلات قدما تفاصيل تذكر عن الخطة السياسية خلال زيارتهما. وقالت “لا أعتقد أنها أصبحت نهائية”.

وقال دينيس روس المبعوث صاحب الخبرة الطويلة في الشرق الأوسط، ويعمل الآن زميلا مرموقا بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن الفريق الأميركي مازال “أمامه الكثير من العمل لضمان ألا يفاجأ القادة العرب بما سيطرح، وهم بحاجة للاطلاع عليه مكتوبا لا شفاهيا”، لكنه قال إن السرية في هذه المرحلة مفهومة.

وكتب الباحثان في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، جوناثان شانزر، وهو محلل سابق لشؤون تمويل الإرهاب في وزارة الخزانة الأميركية، وغيث العمري، وهو مستشار سابق لفريق التفاوض الفلسطيني (1999-2001)، أن السرية التي تلتزم بها الإدارة الأميركية وميلها إلى تجنب الصخب التقليدي المتمثل في عملية صنع السلام، قد يمنحنان الرئيس ترامب أفضلية افتقر إليها.

العرب