البصرة تدور في فلك فساد الأحزاب والمليشيات و مطالبات بإقليم خاص

البصرة تدور في فلك فساد الأحزاب والمليشيات و مطالبات بإقليم خاص

 

الباحثة شذى خليل*

تعد البصرة ثالث أكبر مدينة في جمهورية العراق ، وهي العاصمة الاقتصادية للعراق ، وميناؤه الرئيس ومنفذه البحري الوحيد ، وهي تختزن ما يقارب ثلثي احتياطي نفط العراق وتحتضن حقول نفط عملاقة ، فضلا عن حقول الغاز الطبيعي ، وتمثل المصدر الرئيس لإنتاج وتصدير النفط العراقي.
تقع مدينة البصرة في أقصى جنوب العراق على الضفة الغربية لشط العرب ، ويبلغ عدد سكانها 2,796,000 نسمة ومساحتها 19,070 كم2، وهي المركز الإداري والسياسي لمحافظة البصرة ، وتتميز بكبر حجم الثروة النفطية والغازية التي تمتلكها ، ويقع فيها مقر شركة نفط الجنوب ، وتصدر معظم انتاجها من محطة بترول البصرة.
البصرة عاصمة اقتصادية:
النفط المصدر الرئيس للاقتصاد العراقي ، ويحتوي العراق رابع أكبر احتياطي للنفط في العالم والذي يقدر بـ 115 مليار برميل ، والبصرة تحوي أكبر ثروة نفطية في العراق ، اذ تشير الإحصائيات إلى أنها تملك 15 حقلاً من أصل 77 حقلاً معروفاً ، منها 10 حقول منتجة ما زالت تنتظر التطوير ، كما تحتوي هذه الحقول احتياطياً نفطياً يزيد على 65 مليار برميل مشكلاً نسبة 59% من أجمالي الاحتياطي النفطي العراقي .
أمر قد يثير دهشة الكثيرين لمدينة البصرة الغنية بالنفط ، تعاني الفقر والبطالة وانعدام الخدمات ، وتعج الشوارع بأكوام القمامة ومياه الصرف الصحي ، وتعيش أحياء كاملة بدون مياه وكهرباء.
الشارع البصري يغلي ، ويعتقد أهالي محافظة البصرة أن الانفصال او الإقليم هو الحل ، حيث جدّدت حراكها لتشكيل إقليم فدرالي خاص ، بعد موجة اعتراضات وشكاوى بشأن حصتها من موازنة عام 2019 والتي عدّتها حصة “غير منصفة”، مؤكدة أنّ الحراك سيكون واسعاً جدّاً هذه المرّة ، بعد ما امتزج بالتأييد السياسي والشعبي.
سبق أن طالبت محافظة البصرة ، في ظل الحكومات السابقة ، بتشكيل إقليم خاص ، اعتراضاً على سياسة التهميش والإهمال للمحافظة ، لكنّ محاولاتها السابقة لم تنجح رغم قانونيتها ، وقد تمكنت الحكومات من تسويفها ، بينما يتوقع البصريون أنّ الحال سيختلف مع الحكومة الجديدة برئاسة عادل عبد المهدي.
وبين عضو تحالف “البناء” في المحافظة ، ماجد المياحي ، انّ “البصرة التي تعدّ رئة العراق الاقتصادية ، تعرّضت للتهميش من الحكومات المتعاقبة ، خاصة الحكومة الحالية”، مؤكّداً أنه “لا يمكن القبول بحصة المحافظة من الموازنة الجديدة ، فهي لا تتجاوز كونها موازنة تشغيلية فحسب ، ولا يمكن أن تنجز المشاريع من خلالها”.
وأشار إلى أنّ “الحكومة المحلية بدأت بتنظيم الطلب الرسمي لتقديمه إلى الجهات المسؤولة لاتخاذ الخطوات القانونية لتشكيل إقليم البصرة”.
يعد الحراك نحو تشكيل إقليم البصرة الأوسع قياساً بالمطالبات السابقة ، بعد التأييد من داخل المحافظة.

فساد الإدارة والأحزاب والمليشيات هم سبب خراب البصرة.
البصرة الغنية بمواردها وثروتها وموقعها الجغرافية المهم ، لو كانت تدار بنفسٍ وطني لكانت أغنى بقاع الأرض ، لكن الفساد المسيطر المتمثل بالأحزاب والمليشيات والعصابات هم من سرقوا خيرات المحافظة ، اذ ان الإقليم لا يغير شيئا حسب معلوماتي البحثية ، فقط يزيد الفساد فسادا والاقتتال التنافسي على الثروة ومزيدا من الفرقة بين المحافظات العراقية في احسن الأحوال اذا ما تحولت الى حرب أهلية ، من اجل تقاسم الثروات بالقوة .
النفط في محافظة البصرة يعد المصدر الأساس للميزانية العراقية ، اذ يشكل 80 % من النفط العراقي.
ما يجري في البصرة هو تراكمات الفساد في كل مفاصل المحافظة ، مما نتج عنها نقص الخدمات وأيضا استشراء الفساد الإداري والمالي الذي أدى إلى أن تتحول مدينة البصرة إلى مدينة منكوبة.
في القانون الدولي المدينة المنكوبة هو عدم وجود الماء والكهرباء والصحة والتعليم ، وبالنتيجة تحولت فعلا البصرة إلى مدينة منكوبة بكل المعايير الدولية ، هذه المتطلبات الحياتية منصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، وفي كل دساتير العالم بما فيها الدستور العراقي.
كما أن أزمة المياه أصابت الآلاف بالأوبئة خصوصا الكوليرا والأمراض الكلوية الخطيرة التي بدأت تبيد الناس بالكامل ، لهذا تحولت التظاهرات إلى اعتصامات وإضرابات عارمة في كل المحافظة .

وهذا نص المادة من الدستور الذي وضعته سلطة الاحتلال برئاسة بول بريمر لتفتيت وحدة العراق ، وفتح بوابات الفساد التي شرعها ضمن قانون ، اذ تعامل مع ارض العراق وكأنه لا توجد أية روابط مشتركة اجتماعية ومادية وثقافية او سياسية واقتصادية وهذه المواد الخاصة بالأقاليم:
المادة (119):
يحق لكل محافظةٍ أو أكثر ، تكوين إقليم بناءً على طلبٍ بالاستفتاء عليه ، يقدم بإحدى طريقتين:
أولاً:- طلب من ثلث الأعضاء في كل مجلسٍ من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم.
ثانياً:- طلب من عُشر الناخبين في كل محافظةٍ من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم.
المادة (120):
يقوم الإقليم بوضع دستورٍ له ، يحدد هيكل سلطات الاقليم ، وصلاحياته ، وآليات ممارسة تلك الصلاحيات ، على أن لا يتعارض مع هذا الدستور.

المادة (121):
أولاً: لسلطات الأقاليم ، الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وفقاً لأحكام هذا الدستور ، باستثناء ما ورد فيه من اختصاصاتٍ حصرية للسلطات الاتحادية.
ثانياً: يحق لسلطة الإقليم ، تعديل تطبيق القانون الاتحادي في الإقليم ، في حالة وجود تناقض أو تعارض بين القانون الاتحادي وقانون الإقليم ، بخصوص مسألةٍ لا تدخل في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية.
ثالثاً: تخصص للأقاليم والمحافظات حصةٌ عادلة من الإيرادات المحصلة اتحادياً ، تكفي للقيام بأعبائها ومسؤولياتها ، مع الأخذ بعين الاعتبار مواردها وحاجاتها ، ونسبة السكان فيها.
رابعاً: تؤسس مكاتب للأقاليم والمحافظات في السفارات والبعثات الدبلوماسية ، لمتابعة الشؤون الثقافية والاجتماعية والإنمائية.
خامساً: تختص حكومة الإقليم بكل ما تتطلبه إدارة الإقليم ، وبوجهٍ خاص إنشاء وتنظيم قوى الأمن الداخلي للإقليم ، كالشرطة والأمن وحرس الإقليم.
ووصلت الأوضاع المتردية من خدمات وغيرها الى مطالبات اهالي البصرة وبدأت بتحركات قانونية مع محافظات أخرى للطعن بحصصها في موازنة عام 2019، إلى جانب حراك شعبي نحو تشكيل الإقليم.
القضاء على الفساد المالي والإداري هو الحل وليس الإقليم في ظل الوضع الراهن .
على الدولة استئصال سرطان الفساد الإداري والمالي في كافة محافظات العراق وبالأخص البصرة ، العاصمة الاقتصادية للعراق لأنها تتعرض لضغوط واطماع الفاسدين ، وذلك بتكثيف جميع الجهود سواء كانت حكومية أو غير حكومية ، لكشف الفاسدين وتقديمهم للعدالة سواء كانوا أحزابا او مليشيات أو عصابات .

وفي ذات السياق ، حذر زعيم التيار الصدري في العراق السيد مقتدى الصدر من مخاطر تشكيل الأقاليم في البلاد ، وقال “الأقاليم إرادة شعب مظلوم يريد إنهاء معاناته لكنها ليست حلا ، فمسؤولو الإقليم سيسهل عليهم سرقتكم وسيمعنون في الفساد والظلم ، وسيتسلط علينا وعليكم الطامعون من الداخل والخارج ، فينعموا بخيراتكم بصورة أكثر ويستضعفونكم فيسهل احتلالكم”.
واضاف أيضا “يا شعب العراق حافظوا على عراقكم واحدا موحدا أرضا وشعبا، هذه نصيحتي لكم والأمر أولا وأخيرا للشعب”.
ويرى الباحثون إيجاد بعض الحلول والمعالجات الضروريـــة للقضاء على الفساد والقائمين عليه والمتنفذين ، حتى وان أصبحت البصرة إقليما لن تنتهي المعاناة ، بل سيزيد الفقير فقرا ، والسارق طمعا وجشعا .
القضاء على الفساد هو الحل الأمثل والاصعب في ظل تفشي الظاهرة ، للخروج بنتائج ايجابيــة تسهم في تقدم المجتمع وبالتالي تسريع عملية التنميــــة بجوانبها المختلفة ، وان من أهم الاستراتيجيات التي تتطلبها معالجة الفساد الإداري والمالي والتي تؤدي إلى الحد منها .
وتم تقسيم المطلب الى فرعين, تناول الاول المعالجات السياسية والقانونية , والثاني المعالجات الاقتصادية .

.
الفرع الأول: المعالجات السياسية والقانونية للفساد في البلاد:
• حشد السياسات الملائمة لاجتثاث الفساد السياسي والإداري بوصفه ظاهرة مدمرة لعملية التنمية الاقتصادية والسياسية.
• العقوبات الرادعة لمرتكبي الفساد من موظفي القطاع العام والخاص , والتشدد في تطبيق أحكام القانون بحق المخالفين بالنظام العام.
• تطبيق القانون على الجميع سواء كان مسؤول كبير في الحكومة العراقية أو البرلمان ، وبما يتعلق بعمليات التفتيش والرقابة على العمليات المالية من هيئة النزاهة , وعدم السماح للتدخل من أية جهة سياسية أو وزير معين لصالح من تثبت بحقهم عمليات تلاعب أو هدر مالي.
• التدوير الوظيفي للمسؤولين الحكوميين , لأن بقاء المسؤول الإداري فترة طويلة في الموقع نفسه يتسبب في تفشي الفساد , لاسيما في المفاصل الرئيسة في الإدارة العامة كالجمارك ومديريات الشؤون المالية والمشتريات والمصالح العقارية والمؤسسات والشركات العامة.
• ردم الهوة التي تفصل بين الإجراءات الإدارية الرسمية وغير الرسمية , والتي تجعل من القاعدة استثناء , ومن الاستثناء قاعدة , وكلما اتسعت هذه الهوة اتسع معها الفساد والعكس صحيح.
• تحديث القوانين والتحقق من دقة القرارات الإدارية وتطوير منظومة المسائلة لتحسين الخدمات الحكومية والحد من ممارسات الفساد.
• تفعيل دور الأجهزة الرقابية في الإدارات كافة , وتطوير القدرات القيادية والإدارية الحكومية وتكثيف نشاطها وتخويلها بصلاحيات واسعة من اجل محاسبة المقصرين والمهملين , وملاحقة مرتكبي الفساد.
• سن تشريعات تلزم الموظفين بمراعاة أخلاقيات الوظيفة العامة ومتطلباتها.
• تفعيل هيئة النزاهة بالخبرات والتخصصات المطلوبة لأداء أعمالها وجعلها مستقلة تماما في معالجة الفساد المالي وتوفير الحماية لهم.
• استخدام التقنية الحديثة في المراقبة مثل الكاميرات والتسجيلات , واعتماد أسلوب الشباك الواحد في مراجعة دوائر الدولة وتقليل الاتصال قدر الإمكان مع الموظفين.

ثانيا: المعالجات الاقتصادية للفساد:
رفع مستوى أجور ورواتب العاملين في الدولة , وإذا ما استمر مستوى الدخل على نفس المستوى على عدد من السنين , فإن الإدارات العامة ستخسر كوادرها المؤهلة والمدربة إلى القطاع الخاص , وسيبقى في الإدارة العامة الموظفين غير الأكفاء ، مما يؤدي إلى تراجع الإنتاجية وتكريس الروتين واستنبات الفساد.
• إعداد دراسة الجدوى الاقتصادية للمشاريع الجديدة ، والتفضيل بين المشاريع وتحقيق التكامل بين المشاريع للاستفادة بأقصى حد ممكن لتقديم الخدمات لكافة شرائح المجتمع .
• الإسراع في توفير البيئة المناسبة للاستثمار من حيث القوانين وإعمار البني التحتية وتوفير الخدمات الأساسية للعراق .
• نشر ثقافة النزاهة ومكافحة الفساد من خلال المدارس والجامعات وحتى رياض الأطفال لترسيخ مبادى الإخلاص والأمانة بكل شيء ، وبيان الآثار السلبية الآنية والمستقبلية للفساد , والاستخدام الأمثل لطريقة التدريس المناسبة لمنهج متكامل لنشر ثقافة النزاهة لما لها من اثر فعال في الحد من هذه الآفة .
• وضع استراتيجية أمنية من الحكومة للسيطرة على الأوضاع الأمنية وخفض نفقات الأمن لإعمار البلاد وإنشاء جهاز أمني قدير والتخلص من سيطرة المليشيات الطائفية.
وأخيرا يجب على الدول ان تضع رؤية واضحة من الحكومة في ظل التعدد القومي والديني ووجهات النظر السياسية في إدارة مؤسسات الدولة ، والتخلي عن المحسوبية بإعطاء المشاريع من خلال وضع إجراءات وسياسات إدارية وقانونية فاعلة ، وإلزام الجهات المنفذة التقيد بالمعاير والمواصفات الموضوعة ومحاسبة المخالفين.

وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية