التغيير في السودان ضمانة استقرار في القرن الأفريقي

التغيير في السودان ضمانة استقرار في القرن الأفريقي

تحركت السعودية والإمارات ومصر بشكل متزامن لدعم استقرار السودان، وتشجيع قيادته الجديدة على اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان استعادة الدولة المدنية، فضلا عن إرسال رسائل طمأنة بأن التغيير في السودان سيكون مساعدا على الاستقرار في البحر الأحمر ومنطقة القرن الأفريقي قاطعا مع تجربة النظام السابق التي كانت تتسم بالتقلب والمزاجية والارتهان الخارجي.

وتوجه وفد مصري رفيع المستوى، الأربعاء، إلى الخرطوم، بعد يومين من زيارة قام بها وفد مشترك من الإمارات والسعودية، واجتمع الوفد مع قائد المجلس العسكري الانتقالي عبدالفتاح البرهان ونقل رسالة مفادها “استعداد البلدين لتقديم الدعم للسودان في هذه المرحلة المهمة والتاريخية”.

وتلقى البرهان، اتصالات هاتفية من قادة عرب، بينهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز. وتواصل مبكرا مع قادة إريتريا وإثيوبيا وجنوب السودان، ما يمنح بعدا أفريقيا إضافيا للدعم السياسي القادم من بعض الدول العربية، ويساعد على التفكير في شكل جديد لمستقبل منطقة القرن الأفريقي والأمن في البحر الأحمر.

وأعربت اتصالات القادة عن دعمهم ومساندتهم للمجلس لتجاوز المرحلة الدقيقة، ودعم الخيار السياسي الذي يرتضيه السودانيون، من أجل الحفاظ على استقرار البلاد، وهو ما ينسحب على الأمن في منطقة شرق أفريقيا برمتها، ويساهم في تقليم أظافر قوى عديدة تسببت في اهتزازه واستغلت الارتباك الذي عانى منه السودان خلال السنوات الماضية.

واعتبر الباحث السياسي عبدالمنعم سعيد، أن التعاون القائم بين القاهرة والرياض وأبوظبي سيؤدي إلى تطوير التعامل مع ما يجري في السودان، في ظل الاتفاق على الدعم السياسي والاقتصادي للنظام الانتقالي، وتأييد التحركات الشعبية الرامية لطي الصفحة الماضية التي كبّدت السودان خسائر فادحة.

وقال سعيد في تصريح لـ”العرب” إن “السودان بحاجة إلى المزيد من الوقت لسد الثغرات وترتيب أوراقه الداخلية، فهناك دولة يُعاد تشكيلها الآن على أسس سليمة لتتجنب أخطاء المرحلة السابقة، بعد أن أدخلت قيادتها البلاد في صراعات وتحالفات لا تتناسب مع قدراتها”.

وحاولت دول مثل تركيا وقطر وإيران توظيف منهج الانتهازية الذي اتسم به نظام الرئيس المعزول عمر حسن البشير لصالحهم، والاستفادة من الروافد الإسلامية المتغلغلة في نظامه لزيادة حدة التوترات الإقليمية عبر تغذية الأجنحة المتطرفة، وهو ما تصدت له مصر والسعودية والإمارات في أوقات كثيرة، وأفشلت مخططات هدفت إلى السيطرة على مدخل البحر الأحمر من جهة الجنوب.

وتعهّد الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائب رئيس المجلس العسكري ببقاء القوات السودانية المشاركة في التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن حتى تحقق أهدافها.

وتفاءل البعض من المراقبين بالفريق أول عبدالفتاح البرهان لاطلاعه على المخاطر التي يمثلها المتمردون الحوثيون في اليمن، ومعرفته بحدود الاختراق التركي خلال فترة حكم البشير، ما يساهم في زيادة التفاهم حول ترتيبات مستقرة تضمن توفير الهدوء في منطقة عانت من سيولة طويلة الفترة الماضية.

دعم عربي ليتجاوز السودان المرحلة الدقيقة
وأشرف الفريق أول البرهان، عندما كان قائدا للقوات البرية في السودان، على القوات التي أرسلتها الخرطوم للمشاركة في القتال باليمن، وتربطه علاقات وثيقة بكبار المسؤولين في دول التحالف العربي لدعم الشرعية.

وقال مصدر سوداني وثيق الصلة بالقيادة العسكرية الجديدة في السودان لوكالة رويترز، الأربعاء، إن الإمارات والسعودية ومصر كان لها دور في التخطيط “لعزل البشير والفريق عوض بن عوف (وزير الدفاع) وصلاح قوش (رئيس جهاز المخابرات والأمن الوطني)، في إطار استراتيجية ترمي لإضعاف قوة الإسلاميين في السلطة بالسودان”.

وتشير بعض المعطيات إلى أن القيادة السودانية الجديدة ليست بعيدة عن فهم الأخطار التي تمثلها التصرفات السلبية لكل من أنقرة وطهران والدوحة، علاوة على ما يقدمه هؤلاء من دعم للحركات المتشددة في المنطقة، والتي اجتذبت الخرطوم عددا منهم خلال المرحلة السابقة.

لكن هاني رسلان المختص في الشؤون الأفريقية أوضح لـ”العرب” أن الفريق أول البرهان، “سيبتعد عن الدخول في محاور إقليمية في هذه المرحلة على الأقل، إلى حين السيطرة على الوضع السياسي تماما، وسيكتفي حاليا بتهدئة الفناء الخلفي للسودان”.

وأضاف “مهما كانت خبرات رئيس المجلس الانتقالي فإنه سيحاول تجنب الصدام مع بعض القوى التي مال إليها البشير، ولا يملك رفاهية العداء ويريد العبور بالبلاد إلى برّ الأمان، وسيحاول تعظيم المكاسب التي يمكن الحصول عليها من الدول المختلفة التي تمدّ يد العون للسودان”.

ويرى متابعون أن المجلس الانتقالي أمام فرصة جيدة للتعاون مع دول عربية وأفريقية كثيرة، عانت من تقلبات النظام السابق، وبإمكانه أن يرسل إشارات تطمين إلى الداخل بشأن تفكيك الحركة الإسلامية المتجذّرة في مؤسسات الدولة ولها ذيول خارجية من خلال تأييد صفّ القوى التي تتخذ موقفا حازما من المتشددين.

وتتحدد الكثير من معالم النظام الجديد واستجابته لقوى التغيير بناء على ما يتخذه من خطوات صارمة ضد قيادات وكوادر التيار الإسلامي في السودان، وهو ما يجعل فرصة الالتحام مع القوى الرافضة لتوجهات المتطرفين في المنطقة كبيرة.

العرب