دمشق تئن: لم تصلنا ناقلة نفط واحدة منذ ستة أشهر

دمشق تئن: لم تصلنا ناقلة نفط واحدة منذ ستة أشهر

تواجه الحكومة السورية أزمة في توفير الوقود الأمر الذي أدى إلى شبه شلل في المناطق التي تسيطر عليها، وسط مخاوف من أن يفضي استمرار الأزمة إلى زيادة الاحتقان في صفوف المواطنين وبالتالي مواجهة انتفاضة جديدة في مناطق سيطرتها.

دمشق – طغت أزمة الوقود المتفاقمة على المشهد الداخلي السوري، وشكلت ضغطاً متزايداً على الحكومة السورية، لما لها من تبعات أدت إلى ما يشبه الشلل في مرافق الحياة في عموم المحافظات، وفي العاصمة دمشق بشكل خاص.

وتتناقل وسائل التواصل الاجتماعي صوراً لطوابير من مئات السيارات المتوقفة أمام محطات توزيع الوقود في المدن السورية، التي يقول أصحابها إن مدة الانتظار قد تمتد أحيانا لأكثر من سبع ساعات.

ومنذ منتصف ليل الاثنين أعلن عن تحديد سعر بيع لتر وقود السيارات (بنزين) بـ600 ليرة سورية، وأن المادة ستتوفر بشكل جيد في وقت قريب.

وقامت مؤسسة “سادكوب”، المؤسسة الحكومية المسؤولة عن نقل وتوزيع المحروقات في سوريا، بتوزيع نشرات على وسائل الإعلام، تفيد بالكميات الموزعة على محطات المحروقات في المحافظات وأسمائها. كما باشرت بيع الوقود بالسعر الجديد عبر ما سُمي بمحطات التوزيع المتنقلة خارج مدينة دمشق، وتحديداً على المدخل الشرقي للعاصمة، لتخفيف الازدحام داخل المدينة.

ويرى متابعون للشأن السوري أن الأزمة الحالية للوقود تعود إلى عدة أسباب، ولا يستبعدون دوراً للحكومة السورية نفسها، مستندين في ذلك إلى بدء توفر المادة بكميات معقولة بعد أن تم رفع سعر البيع بهذا الشكل.

وتحديد سعر 600 ليرة للتر الواحد من البنزين ، أي ما يقرب من 1 يورو، يبقى أقل من السعر العالمي قليلاً، ولكن بالنسبة للوضع داخل سوريا يصبح الرقم أكبر من أن تتحمله الشريحة الأوسع من المواطنين، سواء من يملك سيارة خاصة أو من يستخدم وسائل النقل العمومية.

ويرى الخبير السوري أيمن عبدالنور أن أزمة الوقود هي أزمة حقيقية نتيجة العقوبات الأميركية المفروضة على تصدير النفط الإيراني ومعاقبة شركات الشحن البحرية التي تحمل النفط لسوريا “مما أدى إلى توقف شركات التأمين العالمية عن تأمين تلك البواخر وبالتالي عدم تمكنها من المرور عبر قناة السويس مثلاً”.

ويقول أيمن عبدالنور، المستشار السابق لبشار الأسد، لـ”العرب” “أنذرت الولايات المتحدة الدول التي تحمل السفن أعلامها مثل بنما وسيراليون وغيرهما من استخدامها لنقل النفط إلى سوريا”.

ويعتقد عبدالنور أن هناك أيضا بعدا اقتصاديا وماليا في الموضوع، ويقول “روسيا تشترط الدفع سلفا، وإيران لا تستطيع إيصال الشحنات مما أدى إلى نقص شديد في الكميات ودفع بالحكومة إلى إصدار قرار تخفيف استهلاكها 25 بالمئة وإصدار قرار رفع سعر البنزين إلى 600 ليرة سورية (تعادل 1.1 دولار) وهو رقم قد يكون الأعلى عالميا إذا ما أخذت القوة الشرائية بعين الاعتبار.. وكذلك تم رفع سعر المازوت 50 بالمئة”.

ويؤكد عبدالنور أن مصدر النفط والمحروقات في سوريا يأتي عبر “التهريب من لبنان (عبر النظام) وتركيا عبر جبهة النصرة وأيضا عبر نهر الفرات من الآبار الموجودة ضمن المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية”.

ويضيف عبدالنور “وهذا التهريب يصب في مصلحة الميليشيات المسلحة وأيضا في الطرف الآخر الفاسد من النظام”. وفي سياق متصل قالت صحيفة مؤيدة للحكومة السورية إن سوريا تعاني نقصاً في الوقود منذ توقف خط ائتماني إيراني قبل ستة أشهر وأنه لم تصل أي ناقلة نفط إيرانية إلى البلاد منذ ذلك الحين، في ظل تفاقم أزمة الوقود في البلاد.

ويقول سوريون إن نقص الوقود بات أشد حدة منذ أسبوع، وذكر شاهد أن المئات من السيارات اصطفت في طابور طويل في إحدى محطات الوقود في العاصمة دمشق يوم الأربعاء. ونشرت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) صورة لتكدس مروري وأرفقتها بتعليق يقول إن السوريين يواجهون “حربا اقتصادية”.

وكان الرئيس بشار الأسد قال في فبراير إن الأزمة جزء من حصار تفرضه حكومات معارضة له، بما فيها الولايات المتحدة التي فرضت عقوبات تحظر على نطاق واسع أي تبادل تجاري مع دمشق.

ونشرت صحيفة الوطن، التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع الحكومة السورية، على صفحتها الأولى تقريراً يقول إن الحكومة تريد أن “تقدم الصورة على حقيقتها”.

وذكر التقرير أن حجم الإنتاج النفطي من المناطق التي استعادتها القوات الحكومية يبلغ حاليا 24 ألف برميل يوميا، وهو ما يقل كثيرا عن احتياجات البلاد التي تبلغ 136 ألف برميل يوميا.

وأضاف “بالتالي نحن بحاجة إلى توريدات، وهنا تحديداً، جاءت أزمة توقف الخط الائتماني الإيراني” والذي وصفته الصحيفة بأنه كان “الرافد الأساسي في هذا الإطار”.

ولم يقدم التقرير أي تفسير لتوقف الخط الائتماني الإيراني. وطهران نفسها هدف لعقوبات أميركية أُعيد فرضها منذ انسحب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين إيران وقوى عالمية. وذكرت الوطن أنه منذ توقف الخط الائتماني الإيراني في 15 أكتوبر، وسوريا “تفتقد النفط… ووفقا لوزارة النفط، فإنه لا ناقلة نفط خام وصلت إلى سوريا منذ ذلك التاريخ”.
l
وفي إطار سعيها لتدبير إمدادات من النفط، عقدت الحكومة اجتماعاً مع مستوردين من القطاع الخاص في مستهل عام 2019 وطالبتهم بالسعي إلى إبرام عقود لاستيراد المنتجات النفطية المكررة. لكن هذه المساعي اصطدمت بعقبات تتعلق “بإجراءات لوجيستية”. وجرى منع السفن من الوصول إلى سوريا بعد دخول المياه الإقليمية.

وحذرت الولايات المتحدة من مخاطر كبيرة لفرض عقوبات أميركية قاسية على الأطراف المشاركة في إرسال شحنات نفطية إلى الحكومة السورية وذكرت بالتفصيل “ممارسات الشحن الخادعة” التي تُستخدم لإمداد سوريا بالنفط.

وتقول واشنطن إن العقوبات تهدف إلى عزل القيادة السورية ومؤيديها عن الأنظمة المالية والتجارية العالمية رداً على فظائع في سوريا، بما في ذلك استخدام أسلحة كيمياوية. وتنفي الحكومة استخدام مثل هذه الأسلحة.

وقالت الوطن إن وزارة النفط تسعى إلى تعزيز الإمدادات من شمال سوريا، في إشارة واضحة إلى حقول النفط الخاضعة لسيطرة قوات يقودها الأكراد. وكان النفط المستخرج من هذه الحقول يستخدم لإمداد المناطق التي تسيطر عليها الحكومة على مدار الحرب.

وقات الصحيفة “هذا الأمر لن يكون سهلا إذا لم يترافق مع إجراءات ترشيد وتقشف”. وأضافت أن العمل “في المرحلة المقبلة” سيتضمن “متابعة الخط الائتماني الإيراني”.

وشكل الدعم العسكري من إيران وروسيا عاملاً حاسماً في دعم الأسد في الصراع المستمر منذ ثمانية أعوام. وأرسلت إيران قواتها إلى سوريا فيما لعبت جماعات شيعية مسلحة مدعومة من طهران، وفي مقدمتها جماعة حزب الله اللبنانية، دورا كبيرا في تعزيز وضع الأسد.

العرب