الحديدة اليمنية.. فرص السلام تتضاءل والحرب تلوح في الأفق

الحديدة اليمنية.. فرص السلام تتضاءل والحرب تلوح في الأفق

يخشى سكان مدينة الحديدة، غربي اليمن، من تجدد القتال مع تضاؤل فرص السلام وتصاعد المخاوف من نشوب حرب جديدة في ظل تحشيد مسلح من طرفي النزاع.

ورغم التطمينات، التي يقدمها المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث بخصوص موافقة الحوثيين والحكومة، على المرحلة الأولى لإعادة الانتشار، إلا أن كل المظاهر بالمدينة تشي بحرب جديدة تلوح.

ويرى أبو مهيوب، من سكان الحديدة، تفاؤل غريفيث حول تنفيذ اتفاق السويد -الذي توصل له طرفا النزاع عقب مشاورات (6-13 ديسمبر/ كانون الأول الماضي) – بمثابة “بيع للوهم ومجرد دعاية”.

وتوقف الرجل -الأربعيني والأب لستة أطفال- عن عمله في نقل المسافرين على سيارته “الهيلوكس” بين الحديدة ومدينة زبيد في الجنوب، مع استمرار إغلاق المنفذ الجنوبي للمدينة، وتحول طريق كيلو 16 إلى منطقة حرب.

ويقول: “نحن اليوم بدأنا الشهر الخامس من اتفاق السويد، والأوضاع قد تتفجر في أي لحظة، فالقصف يتكرر بصورة يومية فيما تزال الشوارع والمنافذ مغلقة بالحواجز الإسمنتية وحقول الألغام”.

معارك متكررة

ومنذ أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي تطوّق القوات الحكومية مدينة الحديدة الواقعة على ساحل البحر الأحمر، من الجهتين الجنوبية والشرقية، فيما يسيطر الحوثيون على المدينة والجهة الشمالية منها.

ووافق الطرفان على اتفاق لوقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في 18 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

كما أوفدت الأمم المتحدة فريق مراقبين دوليين، لتنفيذ اتفاق السويد وتسمية الطرف المعرقل للسلام بالمدينة، التي تحوي ميناء رئيسياً يستقبل 75% من الواردات والمساعدات المقدمة لليمنيين.

غير أن الفريق فشل في مهامه حتى اللحظة، فالمعارك تشتعل من وقت لآخر، خصوصاً في مناطق التماس بين الطرفين.

وقال المتحدث باسم قوات العمالقة الموالية للحكومية مأمون المهجمي، إن معارك عنيفة دارت ضد الحوثيين الأربعاء في الدريهمي جنوبي المدينة، عقب هجوم شنه الحوثيون.

وأوضح بأن قواتهم تصدت للهجوم، وقتلت 8 حوثيين وجرحت العشرات، متهمًا الجماعة بمواصلة خرق الهدنة والسعي لإفشال جهود السلام.

في المقابل، نقلت قناة “المسيرة” الناطقة باسم الحوثيين عن مصدر عسكري في الجماعة قوله، إن “مرتزقة العدوان (القوات الحكومية) يقصفون بقذائف المدفعية والرشاشات مطار الحديدة وجولة يمن موبايل وسيتي ماكس (جنوبي).

وأضاف أن القصف طال أيضًا سوق الحلقة ومحيط مستشفى الكويت وكلية الهندسة ومناطق في حي 7 يوليو السكني، بينما “يحلّق الطيران الحربي والتجسسي (للتحالف العربي بقيادة السعودية) في سماء الحديدة”.

جهود شكلية

وتقول الحكومة اليمنية إن الحوثيين خرقوا اتفاق وقف إطلاق النار ألفين و517 مرة حتى 11 إبريل/ نيسان الجاري، وأسفر ذلك عن مقتل 119 شخصًا وإصابة 685 آخرين بينهم نساء وأطفال.

في المقابل، فإن المتحدث باسم قوات الحوثيين العميد يحيى سريع اتهم الحكومة اليمنية بخرق الاتفاق 16 ألفاً و322 مرة.

ووفق مراقبين فإن الاتهامات المتبادلة تشير إلى حجم التعقيدات على الأرض، إذ يصر كل طرف على التمسك بموقفه، في مقابل عجز الأمم المتحدة عن اتخاذ أي خطوات.

ويقول أحد أعضاء الفريق الحكومي في لجنة إعادة الانتشار الأممية، برئاسة قائد فريق المراقبين الدوليين الجنرال الدنماركي مايكل لوليسغارد، إن مساعي الأمم المتحدة ليست بحجم التحديات على الأرض.

ورغم أن غريفيث أبلغ للمرة الخامسة مجلس الأمن، الإثنين الماضي، موافقة الطرفين على الخطة المفصّلة لإعادة الانتشار بمرحلته الأولى، إلا أن المصدر نفى التوصل إلى ذلك.

واتهم المصدر، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته كونه غير مخول بالحديث للإعلام، غريفيث والأمم المتحدة بالدفاع عن الحوثيين وإطالة أمد الأزمة، مشيرًا إلى أن جهود الأمم المتحدة “شكلية”.

والإثنين الماضي، طالب اللواء صغير بن عزيز وهو رئيس وفد الحكومة في لجنة إعادة الانتشار أعضاء البرلمان اليمني والحكومة بإقناع المجتمع الدولي بعدم إمكانية التوصل إلى حل مع الحوثيين في الحديدة، سواء باتفاق السويد أو بغيره.

أما آخر تصريح لمحمد علي الحوثي، وهو قيادي رفيع في الجماعة، وعضو المجلس السياسي (أعلى سلطة للحوثيين) فقد اتهم فيه الحكومة اليمنية بالتصعيد.

وقال، في تصريحات لتلفزيون “فرنسا 24″، إن “الطرف الآخر لم يقدم أي مبادرة أو أي خطوة تؤكد أو تثبت بأنهم يسعون نحو السلام”.

تحشيد عسكري

عقب صلاة الظهر في أحد مساجد العاصمة صنعاء، وقف قيادي حوثي وهو يحمل سلاحه الكلاشينكوف، موجهاً حديثه للمصلين بأن “العدوان” يحشد للهجوم على مدينة الحديدة، “ويتعين علينا أن نواجه المعتدي بالعدوان كما يحثنا القرآن”.

بلهجة كانت تتصاعد، طالب القيادي الشباب بالتطوع في القتال ضد “العدوان” في الحديدة، مهددًا بأن الجماعة قد تلجأ للتجنيد الإجباري، لكنها “تسعى إلى أن يكون التجنيد طوعيًا، حتى لا يسقط أجر الجهاد في سبيل الله”.

هي واحدة من مظاهر التحشيد لحرب قد تكون مدمرة في الحديدة التي يقطنها نحو 600 ألف نسمة، وفقًا لتقديرات أممية.

وقال شهود عيان في الحديدة، إن الحوثيين يعززون تواجدهم المسلح في المدينة بعد وصول مسلحين على دفعات مستغلين توقف غارات التحالف العربي.

وأوضح أحد الشهود أن الحوثيين مستمرون في حفر الأنفاق والخنادق بالشوارع الجنوبية والشرقية للمدينة، ونصب الحواجز الإسمنتية والترابية في بعض الشوارع، في مشهد يعزز فرص اندلاع الحرب.

وفي خطوة قد تدفع باتجاه القتال، قال اللواء صغير عزيز، رئيس الفريق الحكومي بلجنة التنسيق بالحديدة، في حديثه أمام البرلمان، إنه “لا حل مع جماعة الحوثي إلا بالحسم العسكري، والتأخير في العملية العسكرية بالحديدة سيكون له عواقب، وتساقط المزيد من الضحايا المدنيين”.

وضع متردٍ

وتسببت الأوضاع الجديدة في مزيد من التدهور للوضع الإنساني بالمدينة، التي تقل فيها مظاهر الحياة باتجاه الأحياء الجنوبية، التي يقع فيها المصانع والمؤسسات التجارية، بما في ذلك مطاحن البحر الأحمر.

وتقع تلك المطاحن على خطوط التماس بين الحوثيين والقوات الحكومية، وتسيطر عليها الأخيرة حاليًا، فيما تستخدمها الأمم المتحدة منذ بدء الحرب لطحن القمح المقدم كمساعدات للمدنيين.

وتحوي مخازن المطاحن 51 ألف طن متري من القمح، تكفي لإطعام 3.7 مليون شخص لمدة شهر واحد.

ورغم إعلان برنامج الغذاء العالمي استئناف العمل في المطاحن، إلا أن الحوثيين منعوا 120 فنياً من الوصول إلى المطاحن لإعادة تشغيلها وتوزيع القمح المخزّن فيها، طبقًا لمصدر عسكري حكومي.

ويقول سكان، إن الأوضاع تنحدر للأسوأ خصوصًا مع دخول الصيف حيث ترتفع درجة الحرارة إلى قرابة 43 درجة مئوية، وانقطاع الكهرباء بصورة تامة، ودخول شهر رمضان.

ومنذ مارس/ آذار 2015، يدعم تحالف عسكري عربي، تقوده الجارة السعودية، القوات الموالية للحكومة اليمنية، في مواجهة الحوثيين الذين يسيطرون على عدة محافظات في البلاد، بينها صنعاء، منذ سبتمبر/ أيلول 2014.

وأدت الحرب المتواصلة إلى تردي الأوضاع المعيشية والصحية في اليمن، وبات معظم السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية.

الأناضول