عن اجتماع بغداد.. ما بين الامن والطائفة

عن اجتماع بغداد.. ما بين الامن والطائفة

لم تكن السياسة الإيرانية واضحة كما هي الآن بالنسبة لتعاونها العسكري والامني مع العراق وسوريا، إذ تصاعد خلال الأيام القليلة الماضية، الحديث عن اجتماع ثلاثي سيجمع وزراء داخلية كل من إيران والعراق وسوريا المزمع عقده قريبا في بغداد، والذي نوهت عنه مرضية افخم المتحدثة باسم وزارة الخارجية الايرانية بوصفه “يمثل فرصة قيمة لمواجهة المشاكل التي تعاني منها دول المنطقة لاسيما الارهاب “.
ولعل هذا الاجتماع، سيكون مقدمة لمزيد من علاقات امنية وعسكرية وثيقة بين اطرافه، تكشف عن سعي إيراني بسد الثغرات الامنية في كلا من العراق وسوريا، كما تعبر عن تحسب استباقي في تفادي التعرض إلى أي خطر من خلال تحركات مسبقة، إذ تشهد الاحداث العسكرية في البلدين تصعيدا واسعا يقلق طهران، ويعرض مصالحها للخطر. منها مكاسب المعارضة السورية، بعد سقوط مدينتي إدلب وجسر الشغور مطلع شهر مايو/ أيار الماضي، فضلا عن ما حققه تنظيم “الدولة الاسلامية” من تمدد في فحافظة الانبار.
وبالتالي فان جملة من التحديات التي يشهدها محور شرق المتوسط، الممتد من سوريا إلى العراق وصولا إلى إيران، تتطلب موقفا حازما يحد من التراجعات العسكرية التي يشهدها نظام الاسد، والتي سيتأثر بها العراق حتما. وما يمكن استخلاصه هنا هو عجز القوات النظامية في كلا البلدين عن المواجهة مع تمرد من النوع الذي يقوده تنظيم “الدولة الاسلامية”، انما يعد بمثابة الفرصة السانحة لإيران، والتي حققت للأخيرة مزيدا من النفوذ والتحكم، وهو ما قاد بالنتيجة الى مزيد من انجرار بغداد ودمشق وراء الأجندة الإيرانية بكافة تفاصيلها.
ولهذا لا يمكن النظر الى ما بعد الاجتماع الامني على نحو بريء، فعجز المؤسسة العسكرية وتسيسها، فضلا عن الفساد الهائل الذي يشوب عقودها وقادتها والطائفية التي استحكمت في تركيبتها، مشتركات بين بغداد ودمشق، تؤمن لطهران هيمنة عليهما، لنشهد مزيدا من التابعية العراقية – السورية، فالطرف الضعيف لن يكون بمقدوره اخذ زمام المبادرة او ابداء الرفض، او حتى الاعتراض. ومن هنا فان تقوية النفوذ الإيراني ليتجاوز اطاره الداخلي الشيعي توسعا خارج حدود هذا الاطار، سيكون احد اهداف هذا التعاون، يكشف عنه التماهي في التصريحات والمواقف الرسمية في البلدين مع إيران.
ويُفهم من هذا الاجتماع، ان ثمة اصرار على اخذ زمام المبادرة في مواجهة تنظيم “الدولة الاسلامية” من خلال الميليشيات الطائفية في العراق، او من قبل قوات الاسد النظامية المدعومة بالميليشيات الشيعية العابرة للدولة. فما تريد ترسيخه طهران، ان امنها القومي معادلة غير قابلة للطعن، وبالتالي فان “الجيش الطائفي الشيعي” الذي يتبنى رؤية سياسية وعسكرية، تنسجم مع المصالح الايرانية، هو خيار لن تحيد عنه طهران. وبعبارة اخرى، تبدو كلا من بغداد ودمشق نموذجا طائفيا في مؤسساته السياسية والامنية، التي تماهت مع الايرانيين، إلى حد الاستتباع، ليدخلا في حالة عداء أو شك أو تعايش صعب مع جواره العربي والاقليمي.
اختيار بغداد مكانا لعقد الاجتماع، له دلالاته التي تعبر عن التزام إيراني بالحكومة الشيعية، حيث تتماهى السياسات العراقية الداخلية والخارجية مع اعتبارات الامن القومي الايراني، فبغداد اليوم محطة مهمة لتدريب الميليشيات الشيعية، في مقرات الجيش السابق، والتي يتم فيها تدريب جماعات من المعارضة البحرينية والحوثيين والمقاتلين الشيعة الافغان. كما يعد العراق الرابط الجيوستراتيجي الذي يصل المنطقة العربية بآسيا، بالإضافة إلى كونه العنصر الاهم في محور يمر بكل من أفغانستان وسوريا ولبنان، والذي سيسمح لإيران بالتدخل عبر الأكراد والعلويين لاحتواء تركيا من جوارها الجنوبي، كما ستكون اسرائيل من خلاله عرضة لمزيد من الضغوط الايرانية التي يوقعها الحلفاء.

Iran
وبهذا المعنى، فان الاجتماعي الثلاثي الامني بصبغته الطائفية سيكون متغيرا رئيسا لإعادة هندسة محور شرق المتوسط، ومنع الانهيارات العسكرية التي تواجه قوات الاسد، والابقاء على ممر آمن يربط إيران عن طريق غرب العراق بسوريا، ما يدعو إلى تنسيق الجهود في محاربة تنظيم “الدولة الاسلامية”. فيما صار العراق منصة لتأمين احتياجات إيران المالية والتقنية والحد من أزماتها الاقتصادية، حيث بلغت قيمة إجمالي التبادل التجاري بين طهران وبغداد بحدود 18 مليار دولار سنوياً، وأن 80% من الخدمات التقنية والهندسية في العراق تقوم بها شركات إيرانية، وأن قيمة تلك الخدمات تبلغ 4.2 مليارات دولار.
كما تعمد إيران إلى استغلال التقارب الأميركي- الإيراني الراهن وبالذات في ملف البرنامج النووي الإيراني، وما سبقه من غض للطرف ازاء السياسات الايرانية في العراق، والتي افضت إلى فرض معادلة نفوذ إيرانية جديدة امتدت من العراق نحو سوريا واليمن، لتؤثر كثيرا تفاعلات الجوار العربي مع البلدين، وبالذات دول مجلس التعاون الخليجي ومصر، في ظل التفاهمات التي ترقى إلى مستوى التعاون بين الولايات المتحدة وإيران في الحرب ضد “داعش” في سوريا والعراق.
ومن جهة اخرى فان بغداد تعد وسيطا بإمكانه تقريب وجهات النظر الايرانية الامريكية، والتي بدت متطابقة الى حد كبير لجهة محاربة الارهاب والتصدي له، فالتنسيق بين الامريكيين والايرانيين عبر بغداد بحسب ما يؤكد عليه الساسة العراقيين من شأنه أن يقلص المخاطر المترتبة على امتداد تنظم “الدولة الاسلامية” في العراق وسوريا.
وكانت احداث ما بعد الموصل قد مكنت إيران من تقوية حصيلتها العراقية، لتكون مقاتلة التنظيم سبباً رئيساً في الاستحكام شبة الكامل على التوجهات السياسية لحكومة بغداد، وهو امر ينطبق على سوريا، والتي اضحى للمستشارين الإيرانيين فيها الكلمة العليا في القيادة والاوامر والتخطيط.
ومما لاشك فيه؛ فان بغداد تعتبر احد النجاحات الايرانية التي تحققت لجهة تقليص التأثير والنفوذ الامريكي، مقابل تعاظم الوجود الايراني فيه، وهو ما عبر عنه مستشار الرئيس الإيراني للشؤون الدينية والأقليات، علي يونسي، بقوله ان إيران إمبراطورية عاصمتها بغداد. معتبرا ان :”جغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة وثقافتنا غير قابلة للتفكيك، لذا علينا أن نقاتل معا أو نتحد”.
وتتفوق إيران على التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة كونها تسيطر على كل شيء؛ فلديها الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية، والأهم من ذلك، يوجد جنودها على الأرض ولقوات “الحرس الثوري” صلات بقادة الحشد الشعبي والشبيحة، ما يمنحها فرصة ان تكون شريكا في ادارة شؤون المنطقة، والتحكم في مساراتها السياسية والاقتصادية. فإيران الطموحة قوميا وطائفيا، تسعى من خلال هذا الاجتماع إلى تأكيد مكانتها، واشعار الاطراف الدولية بانه لن يكون هناك نصر ناجز على التنظيم دون مشاركتها وحلفائها في بغداد ودمشق وبيروت.
بالنتيجة، فإننا اليوم أمام صراع مستمر حول المكاسب، في حروب وكالة اتخذت طابعا طائفيا، رغم ابعادها المصلحية والاستراتيجية والتي تعد اكثر اهمية، حيث يعتبر المهتمون بالشأن الايراني ان هذا الاجتماع سيتمخض عنه تحالف ثلاثي شيعي، يجابه التحالف العربي السني. ولذلك، فان هيمنة إيران على سوريا والعراق، ليست الا تعبير عن مشكلة اعمق في ظل اوضاع عربية محتدمة، وعاجزة عن تحجيم التمدد الايراني الذي كان اخره في اليمن، فالمشروعية تأتي من خلال القوة، وهو ما لم يفطن له العرب بمواقفهم الخاثرة.

هدى النعيمي

مركز الروابط لللبحوث والدراسات الاستراتيجية