الصراع في ليبيا.. أي كلفة محتملة لتونس؟

الصراع في ليبيا.. أي كلفة محتملة لتونس؟

معارك ضارية في العاصمة الليبية طرابلس، تفاقم من انسداد أفق الحل السياسي بين أطراف النزاع بهذا البلد، وتعمّق مخاوف الجارة تونس من كلفة تخشى الأخيرة أن تكون باهظة.

فتونس التي تشترك مع ليبيا بخط حدودي بطول نحو 500 كلم، تقف متوجّسة من تداعيات اقتتال دخل أسبوعه الثاني، عقب إطلاق الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، في 4 أبريل/ نيسان الجاري، عملية عسكرية للسيطرة على العاصمة طرابلس.

ومع أنّ حفتر فشل -حتى الآن- في تحقيق تقدّم على الأرض، إلا أن الامتداد الزمني للمعارك يزيد من مخاوف تونس التي أعلنت قبل أيام قليلة، أن 24 أوروبياً مسلحاً، بينهم 13 فرنسيا، اجتازوا حدودها قادمين من ليبيا.

كما أن شبح الهجمات الإرهابية التي ضربت البلاد، في السنوات الماضية، لا تزال عالقة بالذاكرة الجماعية للتونسيين، ما يشرعن بطريقة أو أخرى، المخاوف من كلفة باهظة للصراع الليبي على أمن البلاد.

حالة تأهّب

المخاوف بدت، بحسب متابعين، جلية منذ اللحظات الأولى لعملية حفتر في طرابلس، فوزارة الدفاع التونسية أعلنت تحسبها لأي طارئ، وأعلنت اتخاذها جميع الاحتياطات الميدانية لتأمين الحدود الجنوبية الشرقية، ومواجهة التداعيات المحتملة تحسبا لما قد ينتج عنه من انعكاسات على المناطق المتاخمة للحدود التونسية الليبية.

الخارجية التونسية دعت، من جانبها، إلى الوقف الفوري للاقتتال في العاصمة الليبية طرابلس.

كما جددت دعوتها لأطراف الصراع للسعي من أجل التوصّل لحل سلمي توافقي، واصفة التصعيد العسكري الذي تشهده ليبيا بـ”الخطير”.

بدورها، دعت الرئاسة التونسية إلى ضرورة تجنّب التصعيد العسكري في ليبيا، وإنهاء الاقتتال بين أبناء الشعب الواحد.

وحثت جميع الأطراف في ليبيا على الالتزام بالتهدئة وضبط النفس، وتغليب الحوار، وعلى أهمية الحفاظ على المسار السياسي لحلّ الأزمة برعاية أممية.

أما وزارة الدّاخلية فرفعت جاهزيتها، وحذرت من خطر تسلل عناصر إرهابية عبر الحدود الشرقية، بسبب الوضع الأمني في ليبيا.

مناخ ملائم للإرهاب

طارق الكحلاوي، الرئيس السابق للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية (رئاسي)، رأى أنّ “عدم الاستقرار في المنطقة الغربية بليبيا يمكن أن يعمق حالة الفوضى، ويضعف سلطة القوات المُوالية لحكومة الوفاق، ما قد يؤدّي إلى عودة تمركز الدواعش على الحدود التونسية”.

ولفت الكحلاوي إلى أن “ما يحدث في ليبيا من شأنه أن يخلق مناخا ملائما لنشاط الإرهابيين، واستغلال أجواء الفوضى”.

فـ”حالة الفوضى”، يضيف، “ستزيد من صعوبة مهمة الجانب التونسي في إيجاد طرف في ليبيا للتنسيق معه، باعتبار أنّ الأطراف الليبية منشغلة في الصراع الداخلي”.

وبالنسبة للكحلاوي، فإنّ “تونس تعتمد إجراءات أمنية معتادة في مثل هذه الحالات، خصوصا في المنطقة العسكرية العازلة على الحدود مع ليبيا، وهي خطة تستوجب يقظة برية وبحرية”.

ومستدركا أن “الوضع في ليبيا قد ينهك قدرة الجيش والأمن (التونسيين)، لتأمين الحدود، لكنها تظل في حالة تأهب قصوى”.

الوضع في ليبيا قد ينهك قدرة الجيش والأمن التونسيين، لتأمين الحدود

أما المحلل السياسي باسل الترجمان، فاعتبر أنّ “تونس تدفع منذ 2011 غاليا ثمن حالة الانفلات الأمني والسياسي في ليبيا، وخاصة بالمناطق التي يتركز فيها أكبر عدد من الليبيين غربي البلد الأخير، المتاخمة للحدود التونسية”.

وتابع أنّ “كل الأحداث الدّامية التي عرفتها تونس، كانت متأتية من ليبيا التّي احتضنت عناصر إرهابية خطيرة”.

ووفق الترجمان، ينبغي التذكير بالهجوم الإرهابي الأخير الذي شهدته تونس، والذّي استهدف، في 2016، مدينة بنقردان جنوب شرقي تونس، على الحدود مع ليبيا، وفائز السراج على رأس حكومة الوفاق الليبي (المعترف بها دوليا)”.

وخلص إلى أن كل ما تقدم “كلف تونس خسائر كبيرة جدا، وأجبرها على نشر آلاف قوات الأمن والجيش على المناطق الحدودية، لمنع تسلل الإرهابيين، وتكرار تهديدهم للأمن القومي”.

وفي 2016، هَاجمت جماعات إرهابية مقر ثكنات عسكرية وأمنية ببنقردان، ودخلت في مواجهات مع قوات الأمن والجيش، قُتل خلالها 55 مسلّحا، و12 من قوات الجيش والأمن، و7 مدنيين.

تأثير اقتصادي

وفي ما يخص تداعيات الوضع في ليبيا على اقتصاد تونس، اعتبر الكحلاوي أن هذا التأثير “لن يقتصر على تونس، فليبيا بلد نفطي والصراع القائم فيها قد يؤثر على ارتفاع أسعار المحروقات، وعلى مضاربات سوق النفط (العالمية)، رغم أن سياسة الأوبك (منظمة الدول المصدرة للنفط) الحالية قائمة على عدم زيادة الإنتاج للمحافظة الأسعار”.

فيما يصف الترجمان “التبادل التجاري بين البلدين بالأعرج، بعد تراجع الصادرات بشكل مخيف نحو ليبيا، فيما باتت الواردات تذهب إلى التهريب والسوق الموازية”، على حد قوله.

المحلل التونسي المختص في الشّأن اللّيبي، بشير الجويني، رأى من جهته أنّ “ما يحدث في طرابلس التي تضم أكثر من ثلث سكان ليبيا وتتواصل جغرافيا اجتماعيا مع تونس، يؤثر بشكل مباشر على تونس”.

وأوضح الجويني أنّ “الربط الآلي بين الإرهاب والمناطق الحدودية هو في تقديري خطأ مقصود يراد به التعتيم عن التهريب”.

وتابع أن “ما يحدث في الجنوب (التونسي) هو عملية طبيعية لتداخل النسيج الاجتماعي والاقتصادي، ولا سبيل لمكافحة (التهريب) والقضاء عليه إلا بتوفير تنمية حقيقية إدماجية ومندمجة، تضمن الديمومة والاستمرارية، وفي توجه يدعم اقتصادا تونسيا ليبيا يضمن الربح المشترك”.

مصالح “أمنية”

وبخصوص الموقف التونسي تجاه الوضع في ليبيا، أشار الكحلاوي إلى أن “السياسة المعلنة تبدو متوازنة، والمصلحة التونسية تكمن في الإبقاء على علاقة جيدة مع جميع الأطراف، وأيضا مع المنطقة الغربية التي تمسك بالجانب الأمني، وهذا يعني الحفاظ على علاقة قوية معها”.

وأضاف أن “الوضع في ليبيا غامض إلى حد الآن، وطبيعة هجوم حفتر على طرابلس، تعتمد أساسا على تعميق الخلافات القبلية لمحاصرة العاصمة”.

وتابع: “يبدو أنّ حفتر تعطل، والخشية أن يطول هذا الصراع ويستنزف قوة الأطراف اللّيبية، رغم وصولهم إلى اتفاقات مبدئية برعاية أممية، إلاّ أن هذا الهجوم أبطلها وعقد الأمور أكثر”.

وبحسب الترجمان، فإن “لتونس اهتمامات استراتيجية في ليبيا تشمل محورين؛ وجود سلطة مركزية قوية في ليبيا تقضي على الإرهاب وحالة الفوضى واستعادة الأمن في المنطقة، وثانيا استعادة النسق الطبيعي للتبادل التجاري بين للبلدين”.

فيما قال الجويني: “لا ننسى أن الرئيس الحالي (الباجي قائد السبسي) كان وزيرا للخارجية (1981- 1986)، وهو متمرس بالعلاقات خاصة الثنائية مع ليبيا”.

الأناضول