“العسكري” السوداني.. بين جزرة أمريكية وعصا أوروبية- أفريقية

“العسكري” السوداني.. بين جزرة أمريكية وعصا أوروبية- أفريقية

أعادت الولايات المتحدة الأمريكية تذكير المجلس العسكري الانتقالي في الخرطوم بأن السودان ما يزال على قائمة واشنطن لما تعتبرها “دول راعية للإرهاب”.

الجيش السوداني أطاح، في 11 أبريل/ نيسان الجاري، بعمر البشير من الرئاسة، بعد ثلاثة عقود في الحكم؛ وذلك تحت وطأة احتجاجات شعبية مستمرة منذ أواخر 2018.

ويواصل المحتجون فعالياتهم، للضغط على المجلس العسكري الانتقالي، لتسليم السلطة لحكومة مدنية في أسرع وقت ممكن؛ إذ يخشى المحتجون أن يلتف الجيش على مطالبهم، كما حدث في دول عربية أخرى.

وقالت الخارجية الأمريكية، في بيان الخميس الماضي، إن “تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب ما يزال ساري المفعول، ويتم تعليق مناقشات المرحلة الثانية (من الحوار بين البلدين)”.

وتابعت: “حان الوقت للتحرك صوب حكومة انتقالية شاملة تحترم حقوق الإنسان وسيادة القانون”.

وكانت واشنطن أعلنت، في 14 نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي، أنها بدأت المرحلة الثانية من الحوار مع الخرطوم، بهدف “تحسين تعاوننا وتيسير الإصلاحات الهادفة في السودان”.

وأفادت السفارة الأمريكية في الخرطوم، آنذاك، بأن تلك المرحلة تتضمن ستة مسارات، هي: توسيع التعاون في مكافحة الإرهاب، تعزيز حماية حقوق الإنسان وممارساتها، تحسين وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء السودان.

كما تتضمن إيقاف الأعمال العدائية الداخلية لإيجاد بيئة مواتية للتقدم في عملية السلام، ومعالجة إدعاءات متعلقة بالإرهاب، وأخيرا الالتزام بقرارات مجلس الأمن المتعلقة بكوريا الشمالية.

ورفعت إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في 6 أكتوبر/ تشرين أول 2017، عقوبات اقتصادية وحظرا تجاريا كان مفروضا على السودان منذ 1997.

لكن واشنطن لم ترفع اسم السودان من قائمة “الدول الراعية للإرهاب”، المدرج فيها منذ 1993، لاستضافته الزعيم الراحل لتنظيم القاعدة، أسامة بن لادن.

القائمة الأمريكية

التنبيه الأمريكي بقائمة “الإرهاب” يضيف عبئا جديدا إلى أعباء المجلس العسكري الراهنة، ولاسيما الداخلية.

ويحاول المجلس إرسال تطمينات إلى الاتحاد الأوروبي بأنه سيسلم السلطة للمدنيين، خلال عامين كحد أقصى.

ويتعرض المجلس لضغط أفريقي، حيث أمهله مجلس السلم الأفريقي 15 يوما لتسليم السلطة إلى حكومة مدنية.

وعد وتهديدان

قال الكاتب والخبير السياسي، عبد الله رزق، إن “واشنطن، وبتذكيرها المجلس بقائمة الإرهاب، انضمت إلى الاتحادين الأوروبي والأفريقي في دعم مطالب الشعب السوداني في قيام سلطة مدنية تحل محل المجلس العسكري”.

وأضاف: “الاتحادان رفعا العصا في وجه المجلس، إذ حدد الاتحاد الأفريقي 15 يوما لتسليم السلطة وإلا سيجمد عضوية السودان، وأمهله الاتحاد الأوروبي 30 يوما، وإلا سيفرض عقوبات”.

وتابع: “يقابل العصا الأفريقية والأوروبية جزرة أمريكية.. واشنطن لوحت بالجزرة، عندما عرضت، قبل أيام، بحث شطب اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب، إذا أتم الانتقال إلى الحكم المدني”.

تقييم المجلس

رأى القانوني والخبير في العلاقات الدولية، حاتم الياس، أن “واشنطن بتجميدها المرحلة الثانية من الحوار تريد أن تنتظر الخطوات التي سيتخذها المجلس العسكري بشأن تسليم السلطة”.

واشنطن بتجميدها المرحلة الثانية من الحوار تريد أن تنتظر الخطوات التي سيتخذها المجلس العسكري بشأن تسليم السلطة

وأردف الياس أن “مخاوف واشنطن مازالت قائمة، فربما المجلس العسكري الجديد، الذي جاء بعد خلع البشير، يحمل داخله عناصر النظام القديم، خاصة بعد رفض المجلس تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية”.

وأعلن رئيس اللجنة السياسية للمجلس العسكري، عمر زين العابدين، أنهم لن يسلموا البشير للمحكمة الجنائية، وإذا تمت محاسبته فستكون المحاكمة في السودان.

والبشير مطلوب للمحاكمة، منذ سنوات، أمام المحكمة الجنائية؛ بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم بحق الإنسانية وإبادة جماعية في إقليم دارفور غربي السودان، بينما ينفي البشير صحة تلك الاتهامات، ويقول إن المحكمة مُسيسة.

وأردف الياس: “رغم أن واشنطن ليست جزءا من اتفاقية المحكمة الجنائية، إلا أن مراعاة دول العالم الثالث للالتزامات الدولية قد ترى فيه واشنطن جدية تجاه القرارات الدولية”.

ورأى أن “رفض المجلس العسكرى تسليم البشير ربما أوحى للإدارة الأمريكية بأن ثمة استمرارية ما لنمط التفكير القديم لنظام البشير، الذي لطالما قدم نفسه كنظام معادٍ للغرب”.

وتابع أن “واشنطن تريد تقييم مدى التزام المجلس بالمسار المدني، فأي حوار حاليا مع المجلس قد يعطي انطباعا بأن واشنطن تريد استمراره في الحكم عكس الإرادة الشعبية”.

إعادة بناء العلاقات

ذهب رزق إلى أن “تغيير النظام السوداني يمهد لإعادة بناء العلاقات مع واشنطن، في ضوء شروط تاريخية وأوضاع جديدة، فالعقوبات مرتبطة بالنظام السابق، مما يعني سقوطها بسقوطه”.

وأردف أن “ذلك يفتح المجال أمام إعادة تأسيس العلاقات وفق اعتبارات مختلفة، أساسها التعاون وتبادل المصالح”.

واعتبر أن “سقوط النظام واكتمال انتقال السلطة من المجلس العسكري إلى سلطة مدنية انتقالية يوفر أرضية ملائمة لشطب اسم السودان من القائمة الأمريكية”.

وزاد رزق بأن “تحقيق بعض من اشتراطات الرفع من قائمة الإرهاب يتم بتوفير ظروف مواتية، خاصة محاربة الإرهاب ودعم السلام في الداخل وفي دولة جنوب السودان، واحترام حقوق الإنسان”.

أعباء عديدة

بجانب الأعباء الخارجية، ولا سيما الضغوط الأمريكية والأوروبية والأفريقية، يواجه المجلس العسكري الانتقالي أعباء داخلية عديدة.

وما يزال المجلس يسعى إلى معالجة تداعيات عزل البشير، لاسيما فيما يخص مؤسسات عسكرية وشخصيات محسوبة على النظام السابق.

ويواجه المجلس ضغوط حراك شعبي متواصل، لحسم ملفات عديدة تتعلق بالنظام السابق ومؤسسات حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا.

ويظل العامل الاقتصادي مهم للغاية، فالأوضاع الاقتصادية المتردية كما هي، رغم تطمينات الحلفاء في مصر والسعودية والإمارات بتوفير الدقيق (طحين) والوقود وقود الغاز.

وانطلقت الاحتجاجات الراهنة في البداية تنديدا بالأوضاع الاقتصادية، ثم ارتفع سقف المطالب إلى إسقاط نظام البشير.

الأناضول