مصر.. لماذا لا تنخفض الأسعار رغم انتعاش الجنيه؟

مصر.. لماذا لا تنخفض الأسعار رغم انتعاش الجنيه؟

على استحياء تسلل الأمل إلى قلب الرجل الخمسيني أسعد الطويل بأنه قد يستطيع شراء مستلزمات شهر رمضان الكريم أو ما يعرف بـ”الياميش”، بعد سماعه أخبار عدة على وسائل الإعلام المحلية تبشر باستعادة الجنيه المصري عافيته أمام الدولار تدريجيا.

وفقد الدولار حوالي 78 قرشا أمام الجنيه منذ 27 يناير/كانون الثاني وحتى الآن، وسجل الدولار في تعاملات البنوك المحلية أمس نحو 17.11 جنيها بعدما كان سعره بداية العام الجاري 17.88 جنيها.

ويعد هذا الانخفاض كبيرا أيضا عقب قرار تحرير صرف العملة المحلية الجنيه (أو ما بات يعرف بالتعويم)، حيث كان قد لامس الـ19 جنيها نهاية العام 2016.

صعود قيمة الجنية أمام الدولار لم ينعكس على الأسعار في الأسواق كما يأمل الرجل الخمسيني الذي يسعى لتدبير احتياجات منزله مع قدوم شهر رمضان الكريم، وعلى رأسها شراء “الياميش”.

ويعد “الياميش” أحد أبرز مظاهر احتفال الأسرة المصرية بشهر رمضان الكريم، ويحتوي عادة على المكسرات والتمور والمشروبات.

وبلغت قيمة ما استوردته مصر خلال العام الماضي من الياميش والمكسرات نحو خمسين مليون دولار، وهو ما يقل عن عام 2017 بنحو عشرين مليون دولار، وسط توقعات بمزيد من التراجع خلال هذا الشهر بسبب قلة الإقبال.

كميات أقل
ولمواجهة ارتفاع الأسعار التي تشهدها الأسواق، سيلجأ الطويل -كأغلب المصريين- للشراء لكن بكميات أقل من التي تعود على شرائها خلال السنوات الماضية، وربما يقتصر الأمر على شراء صنفين أو ثلاثة على أقصى تقدير.
وشهدت أسعار الياميش ومستلزمات رمضان ارتفاعا نسبيا تراوح بين 10 و20% عن العام الماضي، وفق ما أوضح ثلاثة تجار جملة في محافظتي القاهرة والجيزة للجزيرة نت.

ويبلغ متوسط سعر الكيلوغرام من التمر -الأكثر استهلاكا على موائد الأسر المصرية في شهر رمضان- 100 جنيه (6 دولارات تقريبا)، في حين كان قد سجل العام الماضي 75 جنيها (4.5 دولارات تقريبا).

أما متوسط سعر الكيلوغرام من المكسرات فيبدأ من 250 جنيها (15 دولارا تقريبا) بزيادة ثلاثين جنيها عن العام الماضي، في حين بلغ سعر الكيلوغرام من الزبيب (العنب المجفف) تسعين جنيها (أكثر من 5 دولارات) بزيادة 25 جنيها عن العام الماضي.

هدوء حذر
أما الفواكه والخضروات واللحوم فقد شهدت هدوءا حذرا في الأسعار، في حين توقع بعض التجار ارتفاع أسعارها بداية من الأسبوع المقبل لعوامل عدة، على رأسها قدوم أعياد شم النسيم (بداية فصل الربيع)، وعيد القيامة المجيد، وشهر رمضان المبارك.

وأرجع عبد الحميد عزت (تاجر جملة) استمرار ارتفاع الأسعار في الأسواق على الرغم من بداية تحسن قيمة الجنيه إلى إحجام عدد كبير من المستوردين عن الاستيراد بسبب الخسائر التي تكبدوها العام الماضي.

وقال عزت للجزيرة نت إن أغلب التجار لجؤوا إلى تخزين السلع الرمضانية بعد عدم تمكنهم من بيعها العام الماضي، وكان قد تم استيرادها في ظل ارتفاع سعر الدولار.

ومن الأسباب التي أدت إلى ارتفاع الأسعار أيضا القرارات الصادرة عن الحكومة المصرية التي تصنف ياميش رمضان سلعة ترفيهية، كما أوضح عزت.

وقررت مصلحة الجمارك المصرية (حكومية) مطلع أبريل/نيسان الجاري تثبيت الدولار الجمركي على السلع غير الأساسية عند 17.38 جنيها، بانخفاض 21 قرشا عن شهر مارس/آذار الماضي.

سعر الصرف ليس هو العامل الوحيد وراء استمرار ارتفاع سعر السلع المستوردة، فهناك النقل والتأمين ومدى استقرار سعر السلعة في بلدها، إلى جانب رسوم الموانئ والجمارك ومدفوعات الفساد (الرشاوى) للتخليص، بحسب الخبير الاقتصادي ممدوح الولي.

غياب الثقة
أما عن سبب عدم تأثر الأسعار المحلية بتراجع الدولار فقال الولي إن التجار ليست لديهم ثقة باستمرار ارتفاع سعر الجنيه أمام الدولار.

وأوضح الولي في حديث للجزيرة نت أن ارتفاع سعر الجنيه أمام الدولار أمر مفتعل من قبل البنك المركزي، وقال “قد سبق للحكومة أن تلاعبت في سعر العملة أكثر من مرة لكن عوامل السوق أجبرتها على التراجع”.

ويستند الخبير الاقتصادي المصري في حديثه إلى عدد من التقارير الصادرة عن المؤسسات المحلية والدولية -لم يسمها- التي تتوقع تراجعا أكبر للجنيه أمام الدولار بنهاية العام الحالي وخلال العام المقبل.

وأوضح الولي أن محافظ البنك المركزي طارق عامر يخوض حربا نفسية مع المضاربين في السوق المصرية بإيهامهم بانخفاض أسعار الدولار، لجذب أكبر قدر ممكن من العملة الصعبة.

في المقابل، ترى الدكتورة شيرين الشواربي نائبة وزير المالية سابقا أن رفع تصنيف مصر الائتماني يعد أهم عوامل تراجع سعر الدولار أمام الجنيه خلال الفترة الماضية، معتبرة ذلك شهادة ثقة دولية بقوة الاقتصاد المصري، مما يساهم في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية خلال الفترة المقبلة.

وثبتت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية تصنيفها الائتماني لمصر إلى “بي2″، مع نظرة مستقبلية مستقرة، وفق ما أوردت وسائل إعلام محلية الأسبوع الماضي.

وتعد هذه المراجعة الإيجابية السابعة من قبل مؤسسات التصنيف الائتماني منذ بدء تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري في عام 2016، وهو ما أشادت به الحكومة المصرية.

وأرجع الخبير الاقتصادي الدكتور رشاد عبده أسباب انخفاض سعر الدولار في مصر إلى أسباب عدة، في مقدمتها زيادة الإيرادات الدولارية التي تتمثل في تحويلات المصريين في الخارج وانتعاش السياحة.

وبلغ حجم تدفقات النقد الأجنبي في القطاع المصرفي المصري منذ تعويم الجنيه وحتى الآن 150 مليار دولار، وفق تقديرات رسمية.

الجزيرة