البغدادي وما تبقى من «خلافة» الأوكار والكهوف

البغدادي وما تبقى من «خلافة» الأوكار والكهوف

بعد غياب أعقب ظهوره في تموز/ يوليو 2014 عبر شريط فيديو بالصوت والصورة وهو يلقي خطبة من منبر جامع النوري الكبير في مدينة الموصل ويعلن الخلافة وتنصيب نفسه «أمير المؤمنين»، عاد أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية» المتطرف إلى احتلال صدارة الأخبار العالمية في شريط فيديو جديد وطويل تتجاوز مدته 20 دقيقة.
وكما هو متوقع استهدف البغدادي من ظهوره الثاني هذا أن يكون بمثابة تكذيب لشائعات مقتله أو جرحه أو خضوعه لعمليات تجميل تخفي حقيقة شخصيته أو إصابته بعاهة دائمة أو مرض عضال، كما حرص على إثبات راهنية الشريط من الناحية الزمنية فتحدث عن وقائع حديثة العهد مثل معركة بلدة الباغوز في ريف دير الزور، والعملية الإرهابية في سريلانكا، وأحداث السودان والجزائر. كذلك لم يفته أن يبدو في الشريط مجالساً جماعة من رجاله، ومتحدثاً إليهم عن واقع «الخلافة» ومآثر «أمرائها»، ومستلماً «بيعة» مالي وبوركينا فاسو وهدايا أفغانستان.
هذا من حيث الأغراض الدعائية المباشرة للشريط والتي تركزت في نهاية المطاف على شخص البغدادي، وأنه بصحة جيدة ولحية محناة ويواصل قيادة «الدولة» و«الخلافة» وسلاحه الفردي على يمينه. وأما الأغراض العقائدية فهي بالطبع متعددة ومتشعبة، لعل الأبرز فيها تشديد البغدادي على أن معركة الباغوز التي انهزم فيها التنظيم ليست نهاية الحرب بين «الإسلام وأهله، مع الصليب وأهله»، وأن التكتيك اليوم هو حرب «استنزاف « بدليل قيام التنظيم بتنفيذ 92 عملية في ثماني دول.
وضمن هدف رفع معنويات أنصار «الخلافة» حيثما تواجدوا، وكذلك استنهاض «الخلايا النائمة» لكي تقوم بمبادرات «ثأرية» على غرار مجزرة الفصح في سريلانكا، تقصد البغدادي الإشادة بمتطوعي التنظيم من الأجانب الذين قاتلوا في الباغوز، أمثال الأسترالي والفرنسي والشيشاني. ولم تكن مصادفة أن يترافق بث الشريط مع عملية إرهابية تبنى التنظيم مسؤوليتها في دكا عاصمة بنغلادش، وأن تسفر مداهمة الشرطة لأحد الأوكار عن مقتل اثنين من المتطرفين. كذلك أعلنت السلطات الفرنسية تفكيك خلية إرهابية كانت تزمع القيام بعملية إرهابية كبيرة ضد قوات الأمن، حسب تصريح وزير الداخلية الفرنسي.
وإلى جانب هذا بدا ملفتاً للانتباه أن البغدادي وضع الرئيس الجزائري المستقيل عبد العزيز بوتفليقة والرئيس السوداني المخلوع عمر البشير في خانة «الطواغيت الساقطين»، رغم أنه ألقى باللائمة على حراك شعبي لم يفقه أن الخروج على الأنظمة السابقة لا يكفي لأن أنظمة أكثر «لؤماً» تحل محلها، والمطلوب هو الالتزام بالجهاد وعقيدة «الخلافة». وبذلك فإن البغدادي يسعى إلى تفادي الخطأ التكتيكي الذي وقعت فيه منظمة «القاعدة» حين أهملت التعاطي الكافي مع الانتفاضات العربية في تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا.
ولعل الجانب الأهم في شريط البغدادي هو تركيزه على أن الحرب اليوم هي مع «الصليبيين» و«أهل الصليب»، وهذا يعني أن التكتيك المقبل هو تسعير العداء بين الإسلام والمسيحية على نطاق عالمي يتيح للتنظيم الإرهابي شحن مشاعر المسلمين وتشديد الإحساس بالمظلومية في نفوسهم وتجنيد المزيد من الأنصار والمتطوعين، كما يفسر استهداف الكنائس المسيحية في سريلانكا بدل المعابد البوذية مثلاً. ويبقى أن العنصر الأكبر الغائب عن أقوال البغدادي هو مستقبل «الخلافة» الفعلي على الأرض، في ما تبقّى لها من أوكار وكهوف.

القدس العربي