تمزيق نسيج المجتمع العراقي طائفياً وإثنياً وتداعياته على مستقبل العراق مقترحات للحل

تمزيق نسيج المجتمع العراقي طائفياً وإثنياً وتداعياته على مستقبل العراق مقترحات للحل

عبدالوهاب القصاب*

لعل من أسوء ما جاء به الاحتلال هو هذا التفتيت المتعمد للمجتمع العراقي إلى مكوناته الثانوية، وتدمير الهوية الوطنية العراقية بحيث حل الانتماء الثاني هو الاساس، فأصبح الفرد يعرف نفسه بأنه شيعي، أو كردي، أو كلدوآثوري، أو سني! وعبر هذا التفتيت الذي مارسه الاحتلال، وأصحاب الهوى من العراقيين الذين تربصوا هذه الفرصة ليفرضوا خياراتهم، وخيار دولة الجوار الشرقية معهم، فضلاً عن المخطط الرئيس لدولة الاحتلال والكيان الصهيوني. لكن إلقاء اللوم على الآخرين من الطامعين، وذوي الأهواء لا يشكل الحقيقة كاملة، بل يغمض العين عن التعرف على السبب الرئيس الذي أسهم في تفاقم الوضع حتى هذه الدرجة. الحقيقة الماثلة هي أن محصلة الطائفية السياسية، والأمية والجهل قد أسهمتا بالنصيب الأعظم في جَعْل تفتيت المجتمع العراقي أمراً واقعاً. لننظر إلى الممارسات الجمعية التي تظهر للعيان طبيعة وماهية هذا التفتيت.

لدينا تحت أنظارنا حالتان؛ أولاهما الشعائر الحسينية، وثانيتهما الاعتصامات الجماهيرية  التي تطورت إلى حالة ثورية حقيقية نجحت عبر شبه إئتلاف لقوى ثورية متعددة من أن تفرض تحرير أجزاء واسعة من الإقليم الجغرافي العراقي يكاد يغطي أكثر من نصف مساحة العراق، دون أن يعني هذا استكمال إجراءات بناء الإدارة وشؤون العمل اليومي للمواطنين، كذلك دون أن يعني أكثر من حالة الاعتراف بالأمر الواقع التي تشير إلى أن سلطات حكومة بغداد لم تعد هي التي تسيطر وتسيِّر شؤون هذه المحافظات المنتفضة الست بالكامل.شكلت الطقوس الحسينية ظاهرة محدودة آخذة بالتآكل قبل الاحتلال، ليس بسبب ما قيل من قمع النظام لها، بل بسبب انتشار العلم والمعرفة، والقناعة التي ترسخت لدى نسبة ليست قليلة من الشيعة العرب العراقيين، وبالأخص سكان المدن والحواضر، بأن هذه الشعائر لا تشكل إرثاً شيعياً حقيقياً بل هي إرث صفوي – قاجاري أدخل على التشيع عنوة لأغراض دعوية بالدرجة الأولى، إذ كان هدفها الأساس عند إدخالها في التشيع استكمال تشييع المجتمع الإيراني بالقوة الناعمة، ولم يجد القائمون على أمر السياسة والدين في إيران في ذلك الوقت أنعم من الشعائر الحسينية قوة تضرب بعمق على أعماق النفس البشرية.[1] لقد كان هذا الاسلوب هو أحد الأساليب التي التجأت إليها المرجعية الشيعية الإيرانية في العراق بعد هجوم الوهابيين على كربلاء عام 1869.[2]كما هو الآن أحد أهم الوسائل التي تتخذها الأحزاب الطائفية الشيعية في العراق لشد الجماهير إليها، ولعل مما شجع هذه الأحزاب على ذلك النص الوارد في صلب دستور العراق الحالي الذي يضع الشعائر الحسينية في موضع مميز جعل الدولة فيها راعية لممارسة هذه الطقوس والشعائر كما جاء بالمادة 10 من الدستور[3].تحولت هذه الممارسات إلى ما يشبه الغذاء اليومي للأحزاب الحاكمة بحيث تمت المبالغة إلى الدرجة التي توقف فيها أعمال الدولة والجامعات والمدارس لفترة طويلة دون سند قانوني. وقد استتبع تجذر هذه الممارسة في نفوس الناس منذ هيمنة الاحزاب الشيعية على السلطة في العراق وحتى الآن، اتخاذ ما بنته من قناعات في نفوس المؤمنين بها أساساً للتعبئة الجماهيرية لصالح الطائفة بادعاء تهديد رموزها وعتباتها كما جرى مؤخراً بعد هزيمة الجيش الحكومي في الموصل في 10 حزيران2014 وتداعياته. يقول الخميني في هذا الصدد “إن مواكب اللطم هذه هي التي تمثل رمزاً لانتصارنا، لتقم المآتم والمجالس الحسينية في أنحاء البلاد ، وليلق الخطباء مراثيهم، وليبكِ الناس، ولتمارس مواكب اللطم والردات والشعارات الحسينية ما كانت تمارسه في السابق، واعلموا أن حياة هذا الشعب رهينة بهذه المراسم والمراثي والتجمعات والمواكب”. لنرى الثقل الكبير الذي أنيط بهذه المراسم في بناء الشخصية الشيعية الى الحد الذي رأى الخميني فيها أن حياة الشعب رهينة بهذه الطقوس.[4]

أصدر المرجع الأعلى السيد علي السيستاني فتوىً بالجهاد الكفائي للدفاع عن حرمة هذ العتبات بعد هزيمة القوات الحكومية في الموصل أمام مسلحي داعش، والثوار يوم 10 حزيران 2014، وقد استغلت السلطة الحاكمة هذه الفتوى لأبعد الحدود حيث كانت ترسل المتطوعين لجبهات القتال دون تدريب كافي، مما أقع فيهم خسائر فادحة على أيدي الثوار. إن مما يثير الأسى هو الخسائر الفادحة التي توقع بهؤلاء الشباب اللذين غرر بهم ودفعوا دون تدريب كافٍ إلى جبهات القتال ليس للدفاع عن العتبات، وهو ما صدرت الفتوى لأجله، بل للدفاع عن رئيس الحكومة، وموقفه ولصد هجوم الثوار الذين تسببوا بتفكك الجيش الحكومي في الموصل وهرب أفراده.

أما الاعتصامات الجماهيرية فهي شأن آخر انطلق من المحافظات الخمسة، والعاصمة بغداد التي تطورت إلى ثورة مسلحة تظافرت فيها أيدي الثوار لتحرير مساحات واسعة من المحافظات السنية الست من هيمنة السلطة الطائفية الحاكمة. ابتدأت الاعتصامات بشكل تحشد جماهيري فاق التصور بكثافته وإصراره ومنطقية مطالبه. ورغم ما أحاط بهذا الحشد الجماهيري الذي أنهى عامه الأول في كانون الأول 2013، وكان هذا الموعد هو ما اتخذته حكومة نوري المالكي موعداً لمهاجمة اعتصام الرمادي بالتحالف مع حلفاء محليين مثلهم محافظ الانبار، ومنتسبي الصحوات السابقة وبعض شيوخ القبائل والتجار المتعاونين مع الحكومة، إلا أن رد الفعل جاء سريعاً على يد المسلحين حيث تم مجابهة الفعل الحكومي المسلح برد فعل مسلح أيضاً، تمكن الثوار من منع القوات الحكومية من الدخول إلى الفلوجة، وطردت من أحياء مهمة من الرمادي، وبدأت سمات حرب فعلية طرفاها المسلحين الذين انتظموا بالمجالس العسكرية، وقوات لحكومة وحلفائها المحليين من سنة العملية السياسية وبقايا الصحوات.

واجهت الاعتصامات الجماهيرية في المحافظات الست منذ أوائل انطلاقها العديد من السمات السلبية لعل أهمها غياب الإجماع الوطني على عدالة ما انطلقت الاعتصامات من أجله خصوصاً وأن غالبية شعارات الاعتصامات كانت وطنية جامعة، ففيما عدا رفع التهميش والعدالة واطلاق سراح السجينات المعتقلات بدون تهم، وبقية السجناء الذين سجنوا على ذمة المخبر السري فقد كانت بقية الشعارات وطنية عراقية جامعة.

رغم أن محاولات جادة ومصرة على نقل هذا الحشد الجماهيري لينتشر في الجنوب ذي السمة الشيعية، إلا أن أثر هذه المحاولات كان محدوداً على الرغم من أن الشكوى والشعارات كانت واحدة، وغير ذات صفة سياسية، بل كانت تهدف لإحقاق الحق وإعطاء الجماهير حقها، وهنا يعود إلى الأذهان دور الحشد والشحن الطائفي في إحباط هذا المسعى.[5]بالغ رئيس الوزراء في ردة فعله بردود فعل متشنجة حينما دعا هذه الاعتصامات بالفقاعات، والطلب من المعتصمين بأن ينتهوا قبل أن يُنْهَوا، إلى أن وصلت به الحال لتصريحه المشهور عشية طقوس عاشوراء للعام الحالي حيث قال من كربلاء بأن الحرب ما زالت قائمة بين أنصار الحسين ( ويعني بهم هو ومشايعوه) وأنصار يزيد، وعنى بهم العرب السنة المعتصمون، وشنها حرباً بكل أنواع الأسلحة منذ الثلاثين من كانون الأول 2013.

الاحتلال والمغالطات:

تم تعميق الانفصام الطائفي بين العراقيين عبر مجموعة من المغالطات أدخلها الاحتلال، وروجت لها الاحزاب السياسية الشيعية المرتبطة تاريخيا وفعليا بإيران، ومن هذه المغالطات ما يلي:

  1. أن الأمريكيين قد جاؤوا للعراق محررين لا محتلين أو غزاة.
  2. وقد جاؤوا لرفع المظلومية عن الشيعة والأكراد الذين تضطهدهم أقلية سنية عربية.
  3. وأن الشعب العراقي قد رحب بالأمريكيين، وإن من يقاومون الوجود الأمريكي هم إرهابيون تحركهم أصابع أجنبية من الدول (السنية) و(الوهابية)، ولذلك يستهدفون الحسينيات، ومناطق الأكثرية الشيعية انتقاماً منها لضياع السلطة والحكم من أيديهم.
  4. وإن فلول النظام السابق هم من ينشرون الإرهاب، ولذلك فإن استئصال شأفتهم هي السبيل الوحيد لتعميم الأمن والاستقرار في العراق، والحفاظ على حكم الأغلبية المذهبية المزعومة. ومن هنا نجد هذه الدوائر الطائفية قد رحبت بقانون اجتثاث البعث، وحل الجيش العراقي والقوات الأمنية اللذين اصدرهما بول بريمر في شهر مايس 2003 غداة استلامه لمهامه كحاكم مدني عام.
  5. وإن حقوق الأغلبية (الشيعية) ينبغي أن يضمنها الدستور من خلال ضمان دورٍ معترف به للمرجعية الشيعية في تسيير أمور البلاد. وقد افتتح بريمر هذه الممارسة بزيارته المرجع الشيعي في النجف حتى قبل تشريع الدستور وضمان دور المرجعية الشيعية فيه.[6]

مترتبات وتداعيات سياسة التفتيت:

ترتب على سياسة التفتيت التي بوشر بتطبيقها عمليا منذ تسلم مجلس الحكم لمسئولياته بإشراف بريمر وحتى الآن ظهور مجموعة سمات في المجتمع العراقي لم تكن ظاهرةً قبلاً يمكننا إجمالها بما يلي:

  1. انقسام طولي في المجتمع قسمه إلى ثلاثة أشتات هي الشيعة والسنة والأكراد.
  2. تمتع الأكراد في المنطقة الكردية بما يشبه الاستقلال، ليس في المحافظات الثلاث التي يعترف الدستور العراقي السابق بتشكيلها لمنطقة الحكم الذاتي، بل وعلى المناطق المجاورة بحجة أنها مناطق متنازع عليها، وهي كلها مناطق يسكن أغلبها العرب السنة، وشرعت المادة 140 من الدستور لضمان تسوية هذه الحالة. وقد رأينا كيف بادرت الجهات الكردية للتمدد الفعلي مكان قطعات الجيش الحكومي المنسحبة من هذه المناطق بعد هزيمة هذا الجيش أمام المسلحين في الموصل، وكان الدخول واحتلال كركوك هو المظهر الأكثر وضوحاً في هذا المجال.
  3. منع الدستور الانتقال والتجنيس لغرض تغيير الطبيعة الديموغرافية، وهو أمر واضح منع بموجبه عملياً منح الجنسية العراقية لأي عربي بحجة أن ذلك يؤثر على الطبيعة الديمغرافية. وقد شهدنا قيام الشيعة بأمر مشابه في البحرين.
  4. طرحت صيغة الفيدرالية، واتيح للمحافظات بالاندماج وتشكيل أقاليم، وهي مقدمة حقيقية لتنفيذ التفتيت فعلاً على الأرض لما بعد الإقليم الكردي بإنشاء إقليم شيعي  حاول المجلس الأعلى تطبيقه أيام عبدالعزيز الحكيم، وتتصاعد الدعوة له بين ظهراني ساحات الاعتصام من قبل بعض المستفيدين، والحزب الإسلامي.
  5. بُدِءَ بتنفيذ عمليات ترحيل واسعة النطاق على مستوى القطر بهدف التطهير الطائفي، وبالأخص في بغداد، وسامراء، والمحافظات الجنوبية. واستهدفت الجماعة السنية الكبيرة في محافظة البصرة بهدف إفراغها منها.
  6. وضعت فعلياً سيناريوهات لهذا التفتيت بدأها نائب الرئيس الأمريكي بايدن، وتلاقفتها مراكز أبحاث غربية عديدة.
  7. تم الاستحواذ على الدولة ومؤسساتها من قبل الاحزاب السياسية الشيعية، واستحوذ حزب الدعوة بالفعل على الدولة بعد اختطفها بمباركة أمريكية/ إيرانية، وبدء بإقصاء شركاء العملية السياسية من العرب السنة والتنكيل بهم كما حصل لنائب الرئيس طارق الهاشمي. وقد اكتملت عملية استحواذ حزب الدعوة على الدولة بتعيين خضير الخزاعي نائباً للرئيس، وخلو منصب الرئاسة بغياب الطالباني بسبب وضعه  الصحي، وإقصاء الهاشمي.
  8. تحول نظام الحكم إلى نظام دكتاتوري يمارس فيه نوري المالكي دور الحاكم الذي لا مرد لحكمه، وترسخت بنتيجة ذلك سياسة الخيار الطائفي الشيعي لاستكمال الهيمنة على الدولة. ولعل من أسطع الأمثلة على ذلك الطريقة التي تعامل بها هذا الرجل مع المطالب المشروعة لساحات الاعتصامات. بدأ المالكي ينظر لنفسه أنه الشخص الذي لا بديل له عن حكم العراق لذلك بدأ يطالب بالولاية الثالثة، وهو أمر لا يوافقه عليه شركائه من الاحزاب الشيعية الأخرى، وبموقفه هذا أدخل البلد في دوامة العنف والاحتراب بحيث أضحت عملية استبعاده قضية عراقية يجمع عليها الساسة الحاليون سنة وكرد وشيعة عدا أعضاء ائتلافه الانتخابي.
  9. تصدر ذوي الأهواء والمصالح الذاتية، والارتباطات المشكوك فيها للواجهة، ومحاولتهم مصادرة وتجيير الاعتصامات لصالحهم. ورغم ظهور ردود فعل عنيفة تجاههم من الجماهير المنتفضة، إلاٌ أن تحييد هؤلاء وإزالة تأثيرهم يحتاج لجهد ووقت ليس بالقليل. ولا يفوتنا هنا الإشارة إلى الدور السلبي الذي لعبه الحزب الإسلامي العراقي، وبعض المحسوبين على الوسط السني من المسئولين الحاليين في تزييف إرادة السنة العرب، ومصادرة وادعاء تمثيلهم.

الانطلاق لإعادة البناء – العوامل الإيجابية:

توحي الصورة المشار إليها آنفاً إلى شعور بعدم الراحة يدفع للإحباط، وربما اليأس من الاصلاح، والواقع أن الأمر ليس هيناً فحجم التخريب الذي تعرض له الفرد العراقي في قناعاته ليس قليلاً، وإفراغ العراق من كفاءاته أسهم كثيراً في ترك قيادة الناس لغير ذوي الدراية والحنكة والكفاءة. لكن هنالك بصيص أمل يمكن الركون إليه في إصلاح ما تم تخريبه من النفوس، والجماعات، لكن في كل الحالات لا بد من الانطلاق من الذات، إذ أنه لا يمكن إصلاح المجموع ما لم يتم إصلاح الفرد. التحدي الكبير هنا هو في نقل قناعة الفرد من الإيمان بالتفتيت إلى العودة إلى خيار وحدة العراق دولة وشعباً ومؤسسات. ومن هنا ستكون غاية هذه الورقة تلمس الطرق والأساليب والوسائل اللازمة لإخراج ما نتمناه إلى عالم الوجود. سيعيننا في صياغة الأفكار المؤدية لتحقيق التغيير الإطلال على شكل المجتمع العراقي وتوصيفه، للبناء على ما في هذا المجتمع من إيجابيات.

توصيف المجتمع العراقي:-

العراق بلد متعدد الأعراق يشكل العرب حوالي 77-80% من سكانه ويتقاسم الأكراد وبقية الأقليات نسبة 20-23% المتبقية، وبهذا ونظرا للتداخل السكاني واسع النطاق فقد كانت هوية العراق عربية طيلة تاريخه منذ الإسلام وحتى الآن، رغم أن العرب قد عاشوا وسكنوا العراق على ما هو ثابت تاريخيا منذ الألف الأول قبل الميلاد.

هنالك سمة مميزة تميز بها هذا المجتمع المتنوع وهي سمة قبول الآخر والتسامح على عكس ما يشاع حاليا من قبل دوائر متعددة عن الطبيعة العنيفة والدموية للمجتمع العراقي(والتطرف والعنف صفتان لا يمكن نكران وجودهما)، إلا أن هاتين الصفتان لم تمارسها التنوعات العراقية ضد بعضها البعض الآخر بأي شكل من الأشكال ،فلم يثبت لنا التاريخ قيام معارك أو ثارات بين القبائل العربية والكردية أو بين العرب والتركمان أو بين المسلمين والمسيحين أو بين المسلمين العراقيين، واليزيديين.

من هنا نتوصل لاستنتاج مهم هو أن التسامح سمة واضحة في المجتمع العراقي وأن التعايش وقبول الآخر كان السمة السائدة بين تنوعات المجتمع العراقي العرقية والدينية ، أما الموضوع الطائفي فمع اعترافنا بانقسام العرب العراقيين إلى سنة وشيعة بنسبة تكاد تكون متساوية (عكس ما يشاع من أغلبية شيعية مقابل أقلية سنية)، وإن درجة من الإحباط الذي يصاحبه شيء من الشعور بالظلم موجود في الشخصية الشيعية العراقية ، إلا أن هذا لم يتصاعد إلى حالة احتقان وأزمة إبراء فقد استمرت الزيجات المختلطة بين العوائل العراقية العربية(سنية وشيعية)، واستمر التداخل والعمل المشترك على صعيد الإنجاز الوظيفي أو التجاري أو الحرفي ، كما وفشل أي مشروع أيراني بالدخول للعراق عبر البوابة الشيعية بعد اندحار آمال الفرس باحتلاله طيلة الحقبة العثمانية، بل بالعكس كان غالبا ما يستفيد من البوابة الكردية السنية وسيلة للولوج للعراق والتدخل في شؤونه بتشجيعها على التمرد والعصيان، ومدِها بأسبابه ،وقد كان التدخل في الشأن العراقي هاجس وديدن المشروع الإيراني مع اختلاف النظم القائمة به منذ اندحار المشروع الصفوي الإيراني.

هنالك فضلا عن ذلك أساسا تاريخيا يثبت أن العرب والكرد قد عاشوا في نفس هذه المنطقة منذ ما لا يقل عن (3000)سنة إذا أن هنالك منحوتة جداريه آشورية ويعود زمنها إلى الملك الآشوري سنحا ريب يشير فيها للكوردو (Kordo ) (الكرد)  والعريبي (Aribi )(العرب). وهكذا فإن هذا التنوع ليس بجديد على العراق وليس العراق مخلوقا قسريا صنعته بريطانيا يجمع هذه الأشتات سوية كما يدعي البعض من دعاة التفتيت، فالكل قد عاشوا هنا على هذه الأرض.

طرأت على العراق بعد الاحتلال ثغرة جديدة استفاد منها ذوي النوايا السيئة فركزوا على التنوع الطائفي لإنشاء هويات جديدة لم تكن معروفة في العراق قبل ذلك، أن التمايز المذهبي لا يتعدى كونه اجتهادا في الدين وليس هوية ثقافية، وحتى الطقوسيات الشيعية لم تكن لتشكل تمايزا أساسيا ، بل أن عناصر الصلة القرابية كانت هي الوثيقة الأقوى بين القبائل العربية المختلطة في انتمائها المذهبي، كما هي رابطة الدين والعيش المشترك هي الرابط الأقوى الذي يجمع الكرد بالعرب . لقد كان مفتي العراق السني الأكبر حتى سنوات قليلة هو المغفور له المرحوم الشيخ عبد الكريم المدرس صاحب التصانيف الكثيرة ومنها تفسير للقرآن الكريم معروف بغنى مادته، وهو كردي في منطقة بيارة في السليمانية. وهنالك العشرات من أرومات الاخوة الكرد  من أصول عربية، وأن كانوا تركوا الفخر بها مؤخرا لأسباب واضحة.

ما أريد أن أصل إليه في هذه العجالة هو أن هنالك كماً هائلا من التسامح وقبول الآخر والسلام الاجتماعي بل ما يمكن أن أدعوه  بالديمقراطية الاجتماعية التي تجمع كل مكونات الشعب العراقي ،فقبيلة كبيرة من قبائل العراق كالبيات تراها عربية في مكان وتركمانية في مكان آخر وكردية في مكان ثالث…

بل أن بعض أعرق قبائل العراق العربية تراها شيعية في مكان سنية في آخر بل وحتى يزيدية في ثالث وكردية في رابع وحتى مسيحية في بعض الأحيان والشواهد ليست قليلة…

والسؤال الذي يتبادر للذهن نتيجة لكل ذلك ،هل أن بالإمكان إنجاح التحول الديمقراطي في العراق، بإعادته وطناً لكل أهله لا فرق بينهم بسبب الجنس والمذهب والدين؟

قبل أن نبادر للإجابة على هذا التساؤل لا بد من التوقف قليلا محاولين رسم شكل التحول الديمقراطي الذي نرجوه بل وأساسيات هذا التحول التي تجعله تحولا ديمقراطيا بحق، ما هي سمات عملية التحول الديمقراطي التي تمتلك بناءً على ما وصفناه سابقا فرصا جيدة للنجاح في العراق.

لتأمين نجاح هذا التحول ينبغي أن يكون لا منحازا دينيا ولا مذهبيا ولا أثنيا، أي أن الهوية الوطنية العراقية ستكون هي سمته الأولى والأساسية، ذلك أن البديل أي الاستقطاب على الإساس الطائفي / الإثني سيخلف ثلاث كيانات يتألف كل طيف منها من مجموعة متعددة من الرؤى. لنأخذ أمثلة على ذلك لكل من الألوان الثلاث التي أدخلتها الولايات المتحدة الأمريكية إلى الصيغة العراقية:-

التيار الشيعي:-

هذا التيار بلونه المسيس ملزم بالانحياز للخيار الإيراني ،وذلك إن إيران عبر ولاية الفقيه(ولو ان ليس هناك إجماع شيعي على قبولها)هي التي تسيطر على الرأي العام السياسي الشيعي ولا تسمح بأي صوت يتقاطع معها. وتسهم المرجعية الشيعية ولو بشكل غير مباشر للوصول إلى هذا الهدف. هناك تيار ليبرالي عابر للطوائف ضمن الوسط العربي الشيعي يجد صعوبة في التعبير عن نفسه. وهناك تيار قبائلي عشائري يقوده شيوخ العشائر الذي سلبهم التيار المذهبي دورهم.

التيار السني العربي :-

 أجبرت الجماعة العربية السُنية تحت ضغط الظرف الأشوه للحياة السياسية العراقية على اللجوء إلى خيارها المذهبي ،وهو خيار لم تكتمل عناصر نشوئه حتى الآن، إلا أن  بوادر واضحة يمكن تأشيرها تؤكد أن تلون الجماعة السنية العربية بلونها المذهبي قد قطعت شوطا بعيدا. لقد بدا ذلك واضحاً منذ انطلقت دعوات للإقليم تبناها الحزب الاسلامي العراقي منذ أيام الاعتصامات الجماهيرية الكبرى في المحافظات الست المنتفضة، ثم ما هو حاصل من محاولة رسم حدود الإقليم السني بقوة السلاح، رغم أنن ليس أحداً من الثوار قد رفع شعار الإقليم حتى الآن، إلا أن دوائر الحزب الإسلامي لا زالت تصر عليه رغم قلة حصتها التمثيلية بين السنة لعرب. يؤشر تصدر أحد أقطاب الحزب الإسلامي وهو الدكتور سليم الجبوري رئاسة البرلمان العراقي في الاستحقاق البرلماني الحالي فرصة لأنصار هذا التيار للإعراب عن وجهة نظرهم، كما قد تجد المظالم التي ارتكبت بحق الوسط السني العربي صدىً في نفوس البعض بقبول الدعوة لإنشاء الإقليم.

التيار الكردي:-

ينطوي التيار الكردي حاليا تحت أربعة عناوين رئيسية هي:

  • الاتحاد الوطني الكردستاني (جلال طالباني) يمثل هذا التيار منطقة السليمانية (سوران) ويتجذر الشعور القومي الكردي لدى هذا التيار ،كما أن لإيران نفوذ تسعى إلى مدهُ عبر هذه المنطقة التي كانت تاريخيا مجالا لنفوذها تحت مختلف الذرائع. يستحوذ هذا الحزب على الكثير من العناصر اللبرالية والمثقفة الكردية اليسارية. لكن هذا التيار تعرض مؤخراً لضربة قوية بانشقاق الحرس القديم عنه اعتراضاً على ما يبدو على تفشي العلاقات القرابية والفساد المالي والاداري الذي عايش هيمنته على الوضع في السليمانية وتوابعها، واقتسامه  السلطة بشكل غير ديمقراطي مع غريمه ومنافسه الحزب الديمقراطي الكردستاني.
  • حركة التغيير ( كوران): وهي الحركة الصاعدة المنشقة عن الاتحاد الوطني الكردستاني والمعترضة على هيمنة الحزبين الكرديين على الحياة السياسية والاقتصادية والامنية في الاقليم الكردي الراقي.
  • الحزب الديمقراطي الكردستاني: يمثل هذا الحزب القيادة التاريخية للعمل السياسي الكردي(البارتي) رغم سمتها العشائرية المتأتية من قيادة المرحوم الملا مصطفى البرزاني للحركة الكردية، وهي القيادة التي ورثها نجله السيد مسعود برزاني رئيس إقليم كردستان حاليا، ينشط هذا التيار في محافظتي أربيل ودهوك(بهدينان) وهنالك تنافس حاد بين الحزبين وصل لحد الاقتتال العنيف الذي دفع أحداهما ( البارتي) للاستنجاد بالحكومة المركزية (1996) .
  • الاتحاد الاسلامي الكردستاني: ويعتبر الخيار الاسلامي احد اهم الخيارات الفاعلة على الساحة الكردية حاليا بل وهو الخيار الوحيد القادر على تحدي وجود الحزبين الكرديين الحاليين الماسكين بالسلطة حالياً، وقد قام بذلك ، ولذلك فقد اثار هواجس الحزبين. يمثل الاتحاد الاسلامي الكردستاني امتداد فكر الاخوان المسلمين في كردستان، رغم أنه لا يستطيع للظروف الفاعلة حالياً هناك ، الانسلاخ عن التيار العام والاتجاه المتفق عليه للإدراك الكردي للقضية العراقية، لذلك فإن هذا التنظيم يدعو لنفس دعوات الفيدرالية وغير ذلك.

هنالك دعوات اسلامية اخرى في كردستان أهمها الجماعة الاسلامية (جماعة الشيخ علي بابير) التي لها هي الاخرى قواعد على الارض، كما أن هنالك امتدادات حقيقية للقاعدة يمثلها تنظيم أنصار الاسلام (الملا كريكار) .

هنالك تنظيمات تركمانية (سنيه وشيعية ) الا انها لم تثبت وجوداً حقيقياً يوازي ثقلها الحقيقي على الارض ، وقد ائتلفت هذه التنظيمات بغطاء فضفاض تحت مسمى (الجبهة التركمانية) وهي كأي تنظيم ضعيف فضفاض تعرضت لانشقاقات متلاحقة، وهيمن التيار الشيعي من التركمان ، واحتوى الاكراد قسماً من القطاع السني . حاول الاثوريون الهيمنة على الرأي العام المسيحي في العراق وقد خرجوا علينا بقومية عراقية ذات صفات أثنية جديدة هي (الكلدو آشوريون).

مشاهد لما يترتب على الخيار التقسيمي الطائفي / الاثني :

  • هيمنة النفوذ الايراني على العراق، والتحكم بمصيره.
  • تصاعد تأثير الحركات الأصولية, والسلفيه وصولاً الى تأصيل نفوذ القاعدة، ولنا في فيما يسمى  الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام ( داعش)، وما حققته مؤخراً وصولاً لإعلانها الخلافة مثلاً ساطعاً على ذلك.
  • استفحال حالة التطهير الطائفي الإثني على وفق استراتيجية التقسيم التي تعتمد هذا الخيار كبديل لتوالي الانقسامات والعرقية والطائفية بين مكونات الأقاليم.
  • تداعي الشخصية الدولية للعراق، وتلاشي أهمية موقعه  الجيوستراتيجي، وتحوله من رابط جيوستراتيجي خطير الأهمية وعامل توازن واستقرار في الاقليم إلى عامل تفتيت عابر الحدود مما سيؤثر على سلامة واستقرار الجوار العربي في غرب وجنوب غرب العراق ( الخليج العربي والمشرق).
  • تجذر الخيار القومي الكردي، وتلاشي الهوية الوطنية العراقية على حساب جعل الهوية الفرعية الكردية هي الغالبة، وتصاعد الدعوة للانفصال وتقرير المصير وإعلان الاستقلال.

أهمية وخطورة عامل الزمن:

يعد عامل الوقت هو الأخطر في هذا السياق، لأن إهماله سينتج عنه أمر واقع يجعل من المستحيل إزاله آثاره، ولنا في تشيُّع القبائل العربية في الجنوب، وتغير الهوية العرقية لقبائل عربية سكنت الشمال مثلاً على ذلك. المطلوب هنا هو البدء على مراحل بعملية إزالة آثار التفتيت، والأخطر هنا هو التفتيت الطائفي، واحتواء آثار التفتيت العرقي ما استطعنا لذلك سبيلاً.

يقتضي الأمر العمل على محاور متوازية لكسب عامل الزمن، والاستفادة من هذه المحاور في إعادة بعث الهوية الوطنية العراقية. وفيما يلي موجز لهذه المحاور:

  1. المحور الاجتماعي:

تضمن المحور الاجتماعي كل من مؤسسة القبيلة، ومنظمات المجتمع  المدني والتنظيمات النقابية والحرفية. في هذا المجال ينبغي بذل الجهد لتنقية القبائل من كل الدوافع الأنانية التي وجدناها فاعلة في ظل النظام الطائفي الفاعل حالياً. وعلى مستوى منظمات المجتمع المدني ينبغي الانتباه إلى تلك المنظمات التي أنشأها وموَلها الاحتلال، ومحاولة تنقيتها من الشوائب التي لحقت بها بإنشاء منظمات مجتمع مدني مضادة تتولى شرنقتها وإزالتها إن استحال إصلاحها. يتطلب هذا الخيار نشر ثقافة العمل التطوعي بين الشباب، والشريحة المثقفة، لتتولى خدمة مجتمعها بعيداً عن المصالح الأنانية والذاتية التي تعصف بمنظمات المجتمع المدني الحالية.

وبالنسبة لمجتمع القبائل نرى ضرورة تشكيل مجلس للقبائل على مستوى العراق يجتمع فيه رؤساء القبائل العربية والكردية والتركمانية والكلدانية/ الآثورية. يكون هدف هذا المجلس أولاً زيادة اللحمة بين المشايخ، ومن ثم بين القبائل بغض النظر عن انتماءاتها الفرعية. سيكون لفعل من هذا النوع أثر كبير على تقليل التناقضات المستجدة على المجتمع بفعل سياسة التفتيت الطائفي التي عانت منها القبائل في حقبة ما بعد الاحتلال. ينبغي هنا التركيز على المشترك وتعظيمه، واحتواء المختلف عليه، وتخفيف آثاره وصولاً إلى إنهائه.

لعل من أهم متطلبات نجاح هذا الخيار هو أهمية الاعتراف بالآخر، وخصوصياته، فالعربي لن يتحول إلى كردي، وبالعكس لن يتحول الكردي إلى عربيٍ. وبنفس المقياس لن يتحول السني إلى شيعي، ولا الشيعي إلى سني. لقد كان الاعتراف بالآخر أحد أهم سمات المجتمع العراقي، وعلى اساسها انتشرت ظاهرة التصاهر والزيجات المختلطة.

وفي مجتمع المدن، ينبغي هنا تعظيم قيم حياة المدينة بحكم كونها بيئة عابرة للمذاهب والطوائف والعرقيات، سيكون لمجالس الأحياء، والمجالس البلدية، وهو أمر مقنن قبل الاحتلال دور مهم في الدفع باتجاه إزالة آثار الانقسام الظاهرة على المدن العراقية، وتمثل بغداد والبصرة وغيرها من المدن المختلطة مثلاً صارخاً عليها.

لعل النظام التربوي يتحمل عبئاً كبيراً في عملية الاصلاح، إذ أن ما أدخل عليه من ادعاءات وبدع قد أسهم كثيراً في تفتيت المجتمع، ومن هنا سيكون الخيار التعليمي الوطني عاملاً مهماً في هذا المجال، وهو وإن كان يخضع لسيطرة الحكومة الحالية، إلا أن تكثيف الندوات والمؤتمرات الناقدة له، وتفعيل أدوار المجالس البلدية، ومجالس المحافظات في ممارسة دورها في فرض خيارات تصب في المصلحة الوطنية الجامعة سيكون ذي مردود إيجابي في هذا الصدد.

تعزيز قيمة العمل، واعتبار انجاز العمل مهمة تتعلق بكرامة الانسان وشرفه سيساعد على بلورة الاتجاهات النقابية الوطنية التي سيغيب عنها عامل التفتيت شيئاً حتى يغلب عامل الجمع الوطني.

  1. المحور السياسي:

لاشك أن هذا المحور هو محور ذي أهمية خطيرة تعين، أو تحبط الوصول إلى الهدف الذي نسعى إليه. وسيكون من المتبادر إلى الذهن فوراً هو الايصاء بتشكيل أحزاب وجمعيات سياسية عابرة للطوائف والعرقيات، لكن هذا افتراض تعوزه الواقعية والعملية، لأن محاولات من هذا القبيل قد فشلت فشلاً ذريعاً في ظل العملية السياسية الشوهاء الحالية. ومع ذلك يمكن لجهد متضامن من سياسيين ومثقفين ينتجهم الحراك الوطني أن يتنادى إلى تشكيل مثل هذه التنظيمات. وهنا لا بد من الاشارة إلى أن مثل هذه التنظيمات السياسية لم يكن غريباً على العراق، فكل الاحزاب السياسية التي تشكلت في العهد الوطني كانت عابرة للانتماءات الفرعية، والاحزاب الشمولية كالحزب الشيوعي، وحزب البعث كانا عابرين للانتماءات الفرعية، وحركة الاخوان المسلمين كانت كذلك، ومعها حركة القوميين العرب والحركة الاشتراكية العربية. من هنا ينبغي العمل على إطلاق حركات سياسية تأخذ هذا الخيار على عاتقها، وترسخ من قناعاته. من المفيد القول هنا أن الخيار الديمقراطي التعددي لا بد وأن يكون الأساس في تشكيل هذ الحركات، وإلا سنعود للنموذج الشمولي الذي يمثله حالياً هذا الحزب المهيمن على الدولة ( حزب الدعوة)، والحزبين الكرديين اللذين تم تحديهما في كردستان العراق. نتوقع أن يحصل شيء مشابه في الوسط والجنوب لو تم التخطيط بشكل جيد للوصول إلى هذا الهدف.

  1. المحور الأمني:

يستحوذ هذا المحور على أكثر العوامل خطورة، ويتسم بالتعقيد، كون  السلطة هي المالكة للجهاز الأمني بكل إمكاناته من جهة، وإن العامل الخارجي المتمثل بالمليشيات الإيرانية العاملة في العراق والقاعدة يمثل عقبة كبيرة سنجد من الصعوبة في تجاوزها. هنا لا بد من إعداد دراسة معمقة لاحتواء التهديد للوحدة الوطنية الناجم عن هذا المحور يقوم بها مختصون أمنيون واجتماعيون وسياسيون على درجة عالية من الحصافة للوصول إلى حلول عملية وواقعية قابلة للتطبيق لتحييد الآثار السلبية لهذا العامل التي أسهمت في تعميق الانقسام الطائفي العرقي في العراق.

  1. المحور الديني الشرعي:

هذا المحور يحظى بأهمية كبيرة إذ بنتيجته سيمكن إعادة اللحمة للمجتمع العراقي. لن أدخل بالتفاصيل لأن مشايخنا هم الأعرف في هذا المجال، لكني أود أن أشير إلى أهمية توظيف واردات الأوقاف توظيفاً أميناً يعود بالنفع على أبناء مجتمعنا، ويساعد في إعادة اللحمة إليه.

 

العامل الإقليمي والدولي:

في العراق الآن لاعب إقليمي وحيد، وهو إيران، ومهما قيل عن قوة الاحتلال، فإن تأثيرها أقل بكثير من التأثير الإيراني. من هنا ينبغي بذل الجهود لتحييد هذا النفوذ الذي تجاوز حدود المعقول، واستخدام الضغوط والاقناع لتقليل آثاره. هذا الأمر يستلزم هو الآخر عملاً منسقاً على الصعيد الدولي، كالاتحاد الأوروبي مثلاُ، وتفعيل دور الجامعة العربية، وطرح الموضوع في منظمة التضامن الإسلامي، والاستفادة من المنابر التي يتيحها الاتحاد الأوروبي، ومحكمة بروكسل، وغيرها. ولنضرب مثلاً على نجاح مثل هذه العمليات إجبار الاتحاد الأوروبي إسرائيل بالقبول بقراره منع الدعم للبحث العلمي والجامعات التي تستخدم المستوطنات الصهيونية غير الشرعية مقراً لها. يحتاج الموضوع إلى دراسة معمقة يقوم بها مختصون من مختلف المجالات السياسية والعلمية والاقتصادية ليتوصلوا إلى توصيات محددة في هذا الاتجاه.

الخاتمة:

هذه ورقة كتبت كدراسة حالة لم تلتزم الاطار الأكاديمي بصرامته المعهودة، وإن التزمت المنهج التحليلي في التعامل مع متطلباتها وأهدافها، وقد تتهم هذه الورقة بأنها مسرفة في مثاليتها، لكن حجم التحدي الكبير يلزمنا أن تكون آمالنا أكبر، هي ورقة عرضت تصوراً غير آني يحتاج لمدىً زمني طويل، ونفس طويل أمدتنا به ساحات الاعتصام، ومظاهرات الناصرية والبصرة، وبعض التراتيل الحسينية التي دانت الفساد الطاغي على السلطة الطائفية الغاشمة.

 الهوامش:

[1] ناقش الدكتور علي الوردي في موسوعته ” لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث” هذه الظاهرة بشكل جامع في الفصل الثاني من الجزء الأول من موسوعته المشار إليها تحت عنوان ” وسائل نشر المذهب”. انظر: علي الوردي، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، ج 1، دار الوراق للنشر، ط 2، لندن، 1991-1992 ، ص 69-88

[2] من أفضل ما كتب عن دور المرجعية ذات الأصول الإيرانية في النجف لتشييع قبائل الجنوب هو إسحق نقاش في كتابه الموسوم ” شيعة العراق” الذي ترجمته دار المدى فليرجع له من يود الاستزادة.

[3] انظر نص الدستور بالرابط:

http://www.krp.org/uploadedforms/IraqConstitutionA.pdf

[4] عبدالله بن عبدالعزيز: الشعائر الحسينية طقوس لم تكن على عهد الأئمة. انظر الرابط:

http://www.alrashead.net/index.php%3Fpartd%3D3%26derid%3D1785

[5] نشير هنا إلى المحاولات التي بذلها الناشط العراقي عدي الزيدي ورفاقه في محافظة ذي قار، ومحاولات جرت في البصرة دون نتائج ذات أثر على الاتجاه العام السائد في الجنوب.

[6] أنظر ديباجة الدستور التي تعد خلاصة العقد الاجتماعي للمجتمع العراقي، ونصت المادة 41 منه على ضمان حرية ممارسة الشعائر الحسينية.

[7] البصرة بطبيعتها المعروفة مدينة عربية سنية لم يشكل الشيعة العرب من سكانها تاريخياً أكثر من 10-15% وهم من البيوتات العربية الكريمة. اختل هذا التوازن بعد تطبيق المشاريع الاستثمارية التي جذبت المواطنين الريفيين من الجوار، كما حصل في بغداد، وبهذا أضحت نسبة السنة العرب التقديرية قبل الاحتلال حوالي 60%، ومن الملاحظ أن أربعة أقضية من أقضية البصرة هي أقضية تسكنها غالبية سنية عربية، وهي: الزبير وأبو الخصيب، والسيبة، والفاو. اختل الوضع بعد الاحتلال بتنفيذ عمليات التهجير على الهوية الطائفية.

[8]لعل من أهم ما كتب في هذا الشأن الدراسة التحليلية  لكل من إدوارد  جوزيف ومايكل أوهانلون الموسومة  ” حالة للتقسيم الناعم للعراق”.

Look in: Edward P. Joseph & Michael O’ Hanlon: A Case For Soft Partition In Iraq, Analysis Paper, The Saban Center for Middle East Policy at The Brooking Institution, No. 12, June 2009.