السعودية وروسيا والمصالح المشتركة

السعودية وروسيا والمصالح المشتركة

1221

كان الاتحاد السوفياتي هو أول دولة تعترف بالمملكة، وذلك في عام 1926، وفي عام 1930 تم تحويل القنصلية السوفياتية في جدة إلى سفارة، بعدها بعامين 1932 قام جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز – رحمه الله – حين كان نائب الملك في الحجاز بزيارة إلى الاتحاد السوفياتي، ثم انقطعت العلاقات الديبلوماسية بين البلدين عام 1938، لتستمر هذه القطيعة حتى قبيل تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1990، عندما صدر بيان مشترك يعلن استئناف العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، على أسس ومبادئ ثابتة، ومن ثم بعد التفكك لترث روسيا الاتحادية المقعد الدائم في مجلس الأمن الدولي، وكل البعثات الديبلوماسية والسفارات في الخارج، لتبدأ بعدها مرحلة من عودة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، عززتها زيارات المسؤولين من البلدين، إذ أسهمت الزيارة التاريخية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله – رحمه الله – إلى موسكو في أيلول (سبتمبر) عام 2003، عندما كان ولياً للعهد في المزيد من دعم العلاقات التي تربط بين المملكة وروسيا الاتحادية، والتقى خلالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لتصبح دعامة رئيسة في نمو العلاقات بين البلدين، أعقبتها زيارة تاريخية للرئيس بوتين إلى الرياض عام 2007، لذلك يرى المراقبون أن العلاقات السعودية – الروسية هي متنامية، على رغم بعض التباينات في بعض القضايا السياسية والاقتصادية، كالأزمة السورية والنفط.

كانت زيارة ولي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز إلى روسيا والمشاركة في منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي، لها دلالات مهمة جداً، من حيث التوقيت والتمثيل، إذ جاءت في وقت تمر فيه المنطقة بأصعب مراحل الصراع المحتدم فيها، سواءً سياسياً أم عسكرياً، فالأزمات تتصاعد في سورية واليمن والعراق وليبيا عسكرياً، مهدِّدَةً المنطقة ببركان مدمر، وكذلك الاحتدام السياسي بين القوى الإقليمية الرئيسة في المنطقة، لاسيما السعودية المدافعة عن المصالح العربية، وإيران الطامعة والمتدخلة في الشؤون الداخلية للعديد من الدول العربية، لتصب النار على الزيت في المنطقة، لذلك تلك الزيارة ذات أهمية كبيرة جداً، فالوفد السعودي الذي وصل إلى بطرسبرغ من أكبر الوفود تعداداً في المنتدى، كذلك لقاء الأمير محمد مع الرئيس بوتين الذي عقد بينهما على هامش المنتدى، إذ تم بحث بعض المشاريع الاستثمارية المهمة، إضافة إلى أنهما بحثا مسألة التنسيق في بعض القضايا السياسية الساخنة.

والسؤال المطروح هو، ما المصالح المشتركة بين البلدين، والتي عكست مدى أهمية تلك الزيارة وفي هذا الوقت بالذات؟

للإجابة عن هذا التساؤل لا بد من استعراض المصالح المشتركة بين البلدين، فسياسياً تمثل تلك الزيارة والمشاركة في ذلك المنتدى رسالة واضحة بأهميتها، فرئيس الوفد السعودي المشارك هو ثالث رجل في القيادة السعودية، ومقابلته للرئيس بوتين دليل على الأهمية التي توليها روسيا الاتحادية للمملكة كلاعب رئيس واستراتيجي في المنطقة، كذلك روسيا هي دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي ولاعب دولي له تأثير على القضايا الدولية، ولعبت دوراً إيجابياً في الأزمة اليمنية، من خلال امتناعها عن التصويت ضد القرار 2216، الذي يدين جماعة الحوثي ويطالب بتمكين الشرعية اليمنية من مؤسسات الدولة، وانسحاب ميليشيات الحوثي من المدن، ولذلك كان الموقف الروسي في هذا الجانب محل تقدير السعودية، كما أن مواجهة التطرف والإرهاب هو مصلحة مشتركة بين البلدين، فتنسيق المواقف بينهما هو أمر في غاية الأهمية، فالدولتان واجهتا موجة الإرهاب والتطرف وما زالتا في مواجهة معه، سواءً من قبل القاعدة أم «داعش» أم غيرهما من المنظمات الإرهابية، فالسعودية هي الحاضنة للمقدسات الإسلامية والمسؤولة عن هذه المقدسات. أما في روسيا فحوالى 50 مليوناً من شعبها يعتنقون الدين الإسلامي، ولذلك لا بد للدولتين من الاستفادة من إمكاناتهما المشتركة في مواجهة الإرهاب والتطرف. كما القضايا العربية وأولها قضية فلسطين لها أولوية قصوى لدى القيادة السعودية، والموقف الروسي تجاهها هو موقف داعم ومتطور، ولذلك تستفيد السعودية من الدعم الروسي للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية، وكذلك القضايا العربية الأخرى.

أما اقتصادياً، فالدولتان لديهما قواسم ومصالح مشتركة كبيرة جداً، فالنفط والطاقة على رأس القواسم المشتركة بينهما، فالسعودية هي أكبر مصدر للنفط في العالم، وهي اللاعب الرئيس في منظمة أوبك، وهي عضو في مجموعة الـ20، فأسعار النفط وسوقه وإنتاجه هي مهمة لاقتصادها وحيوي جداً، أما روسيا فهي أكبر منتج ومصدر للنفط والغاز خارج منظمة أوبك، وإنتاج الطاقة وأسعارها تلعب دوراً حيوياً في اقتصادها ونموه، وحتى على سياساتها الخارجية، لذلك الدولتان لديهما قواسم مشتركة في هذا الجانب، والتنسيق والتفاهم بينهما هو أمر ضروري وحيوي، لأنه في النهاية يصب في مصلحة البلدين، وبإمكان البلدين تطوير التجارة والصناعة بينهما، فروسيا لديها خبرة في بناء المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية وغيرها من المصانع والتجارة التي تستفيد منها الدولتان.

بالنسبة للجانب العسكري، فالبلدان لديهما اهتمام مشترك بتطوير هذا الجانب، فالمملكة تعتمد على التسليح الغربي، ولديها جيش يعتبر من أطور الجيوش تسليحاً في المنطقة، لذلك من البديهي أن تنظر السعودية وهي تخوض الآن حرباً في اليمن مع جماعة الحوثي، باهتمام إلى الأسلحة الروسية المتطورة، وذلك من جانبين، الأول: هو أنها لا تريد أن تعتمد على مصدر واحد في التسليح، والثاني: هو تنمية العلاقات العسكرية مع روسيا، وشراء بعض الأسلحة المتطورة جداً، لاسيما في الجانب الصاروخي وهو أمر يصب في مصلحة السعودية، لذلك كانت مشاركة السعودية في منتدى الجيش 2015 المقام في ضواحي موسكو دلالةً على تنمية وتطوير العلاقات العسكرية بين البلدين.

يعتقد العديد من الخبراء أن زيارة ولي ولي العهد السعودي إلى روسيا تأتي كمقدمة لاستئناف وتطوير العلاقات الثنائية الاستراتيجية الحقيقية بين البلدين، وذلك لما يملك البلدان من إمكانات ومصالح مشتركة، فروسيا تواجه عقوبات اقتصادية من الغرب، إضافة إلى الضغوط السياسية، بسبب الأزمة الأوكرانية، والسعودية تشهد علاقاتها فتوراً مع إدارة أوباما، بسبب الملف النووي الإيراني، لذلك من المصلحة البحث عن خيارات سياسية واقتصادية أخرى، وهذا ما أكسب اللقاء والزيارة أهمية قصوى، لتكون نقطة تحول بين البلدين.

علي العنزي

صحيفة الحياة اللندنية