تنامي نفوذ الحشد الشعبي يهز ثقة واشنطن في عادل عبدالمهدي

تنامي نفوذ الحشد الشعبي يهز ثقة واشنطن في عادل عبدالمهدي

بغداد – عزت مصادر سياسية عراقية عدم وضوح موعد زيارة رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي لواشنطن وتأجيلها أكثر من مرة إلى برود أميركي تجاهه بسبب محدودية دور الحكومة في مواجهة النفوذ المتنامي لميليشيا الحشد الشعبي ومن ورائها إيران، ما يعيق تنفيذ خطط الولايات المتحدة لمحاصرة التمدد الإيراني في العراق والمنطقة.

وعلمت “العرب” أن حكومة عبدالمهدي تسلمت قائمة من الولايات المتحدة، تضم أسماء شخصيات عراقية، بعضها قادة في الحشد الشعبي، بهدف مراقبة أنشطتها المالية مع إيران.

وذكرت المصادر أن “حكومة عبدالمهدي تدرس أولا حقيقة وجود صلات تجارية مشبوهة بين هذه الشخصيات والحرس الثوري الإيراني، وتدرس ثانيا إمكانية اتخاذ إجراءات ضدها، في حال ثبت تورطها في أنشطة تجارية مشبوهة”.

ورفضت المصادر الكشف عن المزيد من التفاصيل، لكنها قالت إن “طريقة تعاطي الحكومة العراقية مع هذه القائمة ربما تمثل اختبارا أميركيا أخيرا لقدرة بغداد على بناء شراكة حقيقية مع الولايات المتحدة، في مواجهة إيران”.

وأصيبت خطط عادل عبدالمهدي في تقديم نفسه للولايات المتحدة زعيما مستقلا، قادرا على حماية استقلال قرار بلاده من النفوذ الإيراني، بالفشل الذريع، إذ تتحول حكومته إلى ما يشبه الشبح في مشهد يطغى فيه حضور قوات الحشد الشعبي.

وبعد توليه السلطة، حاول عبدالمهدي أن يختط منهجا مغايرا لسلفه السابق على رأس الحكومة حيدر العبادي الذي اتسمت علاقته مع الحشد الشعبي بالتوتر.

ويعتقد كثيرون أن الحشد الشعبي مجرد واجهة للنفوذ الإيراني في العراق. واكتسبت هذه الواجهة زخما هائلا عندما جرى تشريع قانون برلماني يضمن وجود الحشد الشعبي إلى جانب القوات الرسمية في العراق.

وحاول عبدالمهدي احتواء قادة الحشد وتهدئتهم، وحصل على دعم عدد كبير منهم في تشكيل حكومته، والآن يعد تحالف الفتح، الذي يضم معظم قادة الفصائل المسلحة الموالية لإيران، وتعمل ضمن الحشد الشعبي، داعما رئيسيا لبقاء عبدالمهدي في موقعه.

ولكن الصورة الداخلية، التي يعتقد عبدالمهدي أنها طبيعية، بالنظر إلى أنها تستند إلى نتائج عملية ديمقراطية، سمحت لقيادات الحشد الشعبي بتشكيل أحزاب فازت في الانتخابات، تبدو مشوهة في الخارج.

وتقول مصادر مطلعة في مكتب رئيس الوزراء العراقي لـ “العرب”، إن “عبدالمهدي يواجه قناعة أميركية متنامية، بأن الحشد الشعبي هو من يسيطر على الأوضاع السياسية في البلاد، ويتحكم في الحكومة”.

وتضيف المصادر أن الولايات المتحدة “لا تتواصل كثيرا مع الحكومة العراقية، التي تعتقد أنها تخضع لهيمنة واجهة إيرانية تدعى الحشد الشعبي، لذلك تفضل التعامل مع الشأن الإيراني مباشرة”.

وبالرغم من أن واشنطن، تتجه نحو منح العراق إعفاء مفتوحا من الالتزام بعقوباتها الاقتصادية الخانقة على إيران، فإن القرار يأتي استجابة لمصالح الشركات الأميركية، وليس من أجل حكومة عبدالمهدي، وفقا لمراقبين.

وتأمل الولايات المتحدة أن تلعب كبرى شركاتها أدوارا محورية في تحقيق العراق مستوى الاكتفاء الذاتي من الطاقة، كي تنتفي حاجته إلى استيراد الكهرباء والغاز من إيران، ويحد من اعتماده عليها.

ولكن الولايات المتحدة تأمل أن تعود هذه الخطة بأرباح طائلة على شركاتها، مثل جنرال إلكتريك، وإكسون موبيل، التي لديها حاليا مصالح واسعة في العراق، تأمل في تعزيزها.

وتعد موازنة العلاقة بكل من الولايات المتحدة وإيران شرطا أسياسيا في نجاح عمل أي رئيس وزراء في العراق.

وبينما يقول رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، إن عبدالمهدي امتثل للعقوبات الأميركية على إيران بشكل غير مسبوق، يعتقد الأميركيون أن عبدالمهدي لا يفعل كل ما في وسعه لحماية القرار العراقي من النفوذ الإيراني.

وتقول المصادر إن اهتزاز صورة الحكومة العراقية في نظر الإدارة الأميركية، كان سببا رئيسيا في تأجيل موعد استقبال عبدالمهدي في واشنطن حتى إشعار آخر.

ويشكو مقربون من عبدالمهدي، من أن الولايات المتحدة لا تتفهم دقة الأوضاع في العراق، وكيف يمكن أن تنهار في حال وقع احتكاك بين الحكومة والحشد الشعبي.

وبالرغم من أن الولايات المتحدة لا تدفع الحكومة العراقية إلى مواجهة الحشد الشعبي بشكل علني، إلا أنها تطالب بتقييد حركة قادته الذين يرتبطون مع إيران بصلات وثيقة، على ما أفادت المصادر.

ويعتقد مراقبون أنه بعكس ما كان عليه الوضع السياسي في زمن حيدر العبادي فإن حكومة عادل عبدالمهدي باتت أكثر خضوعا لإملاءات قادة الحشد الشعبي، حيث أضفى عليهم وجودهم في مجلس النواب صفة زعماء كتل سياسية، في إمكانها أن تعطل عمل الحكومة في أي وقت تشاء وهي تملك القوة في التحكم بتوجهات الحكومة.

ويرى مراقب سياسي عراقي أنه إذا كان عبدالمهدي يسعى في الخفاء إلى استمالة الولايات المتحدة والحصول على دعم منها لتخفيف الضغوط التي يمارسها قادة الحشد عليه، فإنه في الوقت نفسه لم يظهر حماسة لقطع علاقته بعدد من أولئك القادة المتهمين أميركيا بالإرهاب بعد صدور القرار الأميركي باعتبار الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية.

وقال المراقب في تصريح لـ”العرب” إن عبدالمهدي يحاول القفز على هذه الحقيقة في محاولته التقرب من واشنطن التي باتت على بينة من أن الرجل لا يملك أن يكون مستقلا في قراره بعيدا عن هيمنة قادة الحشد.

وأكد أنه أصبح واضحا بالنسبة للإدارة الأميركية أن عبدالمهدي ليس هو الرجل المناسب القادر على تنفيذ الجزء المتعلق بالعراق من خطتها لحصار إيران، مشددا على أن رئيس الوزراء العراقي بات عاجزا عن مواجهة الحشد بمتطلبات خطته لإبعاد العراق على الأقل عن تداعيات الصراع القائم بين الولايات المتحدة وإيران.

العرب