هل الصدام بين الناتو وروسيا قادم؟

هل الصدام بين الناتو وروسيا قادم؟

201506240921814

قالت صحيفة «نيويورك تايمز» في عنوان رئيسي لها، «الولايات المتحدة تستعدّ لوضع أسلحة ثقيلة في اوروبا الشرقية: رسالة إلى روسيا».
ومضت الصحيفة إلى القول: «في خطوة مهمة لردع عدوان روسي محتمل في أوروبا، تستعد وزارة الدفاع الأمريكية لتخزين دبابات وعربات قتالية للمشاة وأسلحة ثقيلة، لما يبلغ 5 آلاف جندي أمريكي في العديد من دول بحر البلطيق وأوروبا الشرقية». وكانت المصادر التي استشهدت بها الصحيفة «مسؤولين أمريكيين وحلفاء».
وقد تلقت رسالة وزارة الدفاع الأمريكية ردّاً في 16 يونيو/ حزيران، إذ وصف الجنرال الروسي، يوري يعقوبوف الخطوة الأمريكية بأنها «الخطوة الأشدُّ عدوانيةً من جانب البنتاغون وحلف شمال الأطلسي منذ الحرب الباردة». وقال يعقوبوف، عندما تكتشف موسكو أسلحة أمريكية ثقيلة تنتقل إلى بحر البلطيق، فإن روسيا «سوف تعزّز قواتها ومواردها في المسرح الاستراتيجي الغربي للعمليات».
وعلى وجه التحديد، سوف تجهز موسكو لواء صواريخها في كالينينغراد على الحدود مع لتوانيا وبولندا، «بمنظومات جديدة من صواريخ إسكندر التكتيكية». وهذه الصواريخ قادرة على إطلاق رؤوس حربية نووية.
ومن الجليّ أن البنتاغون والكونغرس يعتقدان بأن فلاديمير بوتين مخادع، وأنه إذا ووجِه بصلابة الولايات المتحدة، فسوف يرعوي ويتراجع.
ويعتزم السناتور جون ماكين تقديم مشروع قانون يسمح بتزويد أوكرانيا بأسلحة مضادة للدروع ومدافع هاون وقاذفات قنابل وذخائر. ولا يمكن للإدارة أن تنفق أكثر من نصف الملايين الثلاثمئة الواردة في الميزانية، ما لم يتمَّ تخصيص 20٪ لأسلحة هجومية.
وسوف يصوّت الكونغرس لإعطاء كييف الضوء الأخضر والأسلحة لمحاولة الاستيلاء على دونيتسك ولوهانسك من المتمردين الموالين لروسيا، الذين انشقوا عن أوكرانيا، والقرم التي ضُمّت إلى موسكو.
وإذا كان البنتاغون سينقل حقّاً قوات أمريكية وأسلحة ثقيلة إلى بولندا ودول البلطيق، وعلى وشك توفير الأسلحة لكييف لمهاجمة المتمردين في شرقيّ أوكرانيا، فإننا مقبلون على مواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا لم نشهد لها مثيلاً منذ الحرب الباردة.
ولنراجعْ بأذهاننا نتائج تلك المواجهات. ولكي لا ننسى، بينما كان خروتشوف هو الذي تراجع في أزمة الصواريخ الكوبية، فإن الرئيس آيزنهاور لم يفعل شيئاً لوقف سحق المتمردين الهنغاريين، وكنيدي تقبَّلَ جدار برلين، وليندون جونسون رفض أن يحرّك ساكناً لإنقاذ التشيك، عندما تمَّ إخماد ربيعهم بأرتال دبابات حلف وارسو. وحتى ردُّ فعل ريغان على سحق حركة «تضامن»، كان بالكلمات لا بالعمل العسكري.
لم يكن أيٌّ من هؤلاء الرؤساء من السعاة إلى الاسترضاء والرضوخ للمطالب، ولكنهم جميعاً احترموا الواقع الجيوستراتيجي الذي يقول إن أيّ تحدٍّ عسكري لموسكو على الجانب الآخر من الخط الأحمر لحلف شمال الأطلسي في ألمانيا، يحمل في طياته خطر نشوب حرب مفجعة لأسباب لا تبرّر مثل ذلك الخطر.
ومع ذلك فإننا نجازف بتصادم مع روسيا في دول البلطيق وأوكرانيا، حيث لم توجد مصلحة حيوية للولايات المتحدة في يوم من الأيام، وحيث يتمتع خصمنا بتفوق عسكري.
وكما كتب «لِس غيلْب» في مجلة «ناشيونال انتِرِسْت»، فَ «إنَّ يَدَ الغرب الرّخوة» في بحر البلطيق و«تفوُّق روسيا العسكري على حلف شمالي الأطلسي على حدودها الغربية»، «باديان للعيان للجميع على نحوٍ مؤلم».
ويمضي قائلاً: «إذا رفع حلف شمال الأطلسي قيمة الرهان العسكري، فإن بوسع روسيا أن تكسبه بسهولة. فموسكو تتمتع بميزات جوهرية في القوات التقليدية المدعومة بأسلحة نووية تكتيكية قوية، وبرغبة معلنة في استخدامها للحفاظ على المزايا أو تجنب الهزيمة. وآخر ما يريده حلف شمال الأطلسي، هو الظهور بمظهر الضعف، أو الخسارة في مواجهة».
وخسارة حلف شمال الأطلسي لأي مواجهة من ذلك القبيل، هي النتيجة المرجَّحة للتصادم الذي يُحرِّض عليه البنتاغون وجون ماكين، لأنه إذا تحركت كييف بالأسلحة الأمريكية ضدَّ المتمردين في الشرق، وأرسلت موسكو الطائرات، والدبابات والمدفعية للقضاء على تلك الأسلحة، فسوف تُحيق الهزيمة بكييف. فماذا نفعل عندئذٍ؟ هل نرسل حاملات الطائرات إلى بحر البلطيق لمهاجمة الأسطول الروسي في سيفاستبول، ونحارب الصواريخ الروسية وغاراتها الجوية؟
قبل أن نُجَدْوِل مواجهة بين حلف شمال الأطلسي وروسيا، كان خيراً لنا أن ننظر خلفنا لنرى مَن يتْبعُ خطوات أمريكا.
وفق ما جاء في دراسة حديثة للرأي العام، أجراها مركز «بو»، في إطار «مشروع المواقف العالمية»، فإن أقل من نصف المستطلعة آراؤهم في بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا وإسبانيا، يعتقدون بأن حلف شمال الأطلسي، ينبغي عليه أن يحارب، إذا هاجمت روسيا حلفاءه من دول البلطيق. وقد أعرب الألمان، بهامش 58 إلى 38، عن عدم اعتقادهم بأن حلف شمال الأطلسي ينبغي أن يستخدم القوة العسكرية للدفاع عن ليتوانيا، ولاتفيا وإستونيا، على الرغم من أن ذلك، هو ما توجِبُه المادة 5 من ميثاق الحلف على ألمانيا.
أمّا الأمريكيون، فيفضلون، بهامش 56 إلى 37، استخدام القوة للدفاع عن دول البلطيق. وعن مسألة المعونة العسكرية، تنقسم أمريكا إلى فريقين، حيث يقف 46% مع ذلك، و43% ضدَّه. ولكنَّ واحداً من كل خمسة من الألمان والإيطاليين، يؤيد تسليح أوكرانيا، كما لا توجد أيُّ دولة من دول حلف شمال الأطلسي الرئيسية، يتمتع فيها تسليح أوكرانيا بدعم أغلبية واضحة.
وفي واشنطن، يتأهّب صقور الكونغرس ليُظهروا لبوتين، مَن هو الحازم فعلاً. ولكن، في موضوع شحن الأسلحة إلى أوكرانيا، وإرسال قوات امريكية ودروع إلى دول البلطيق، تقف وراءهم أمَّة منقسمة، وحلفٌ – هو حلف شمال الأطلسي – ليس لديه رغبة في خوض هذه المواجهة.
وعلى النقيض من أزمة صواريخ كوبا، فإن روسيا هي التي تتمتع بتفوق عسكري إقليمي هنا، وزعيمٍ مستعدٍّ فيما يبدو، لركوب السلّم المتحرك الصاعد، جنباً إلى جنبٍ معنا. فهل نحن على يقين بأنّ الروس، هم الذين ستطرِف أعْيُنهُم هذه المرة؟

باتريك بوكانان

صحيفة الخليج