الخيار العسكري الأميركي ضد إيران: هل تحبطه الاعتراضات والتحذيرات؟

الخيار العسكري الأميركي ضد إيران: هل تحبطه الاعتراضات والتحذيرات؟

حتى اللحظة، لا يزال فريق الحرب في واشنطن يواصل، وبثبات، دق طبول المواجهة العسكرية مع إيران. المؤشرات واضحة ومتوالية. آخرها كان طلب وزارة الخارجية من المدنيين الأميركيين مغادرة العراق، فوراً، ووقف إصدار التأشيرات من القنصلية الأميركية في بغداد وإربيل.
وأخذ هذا التصعيد جرعة تأييد من أعضاء محافظين في مجلس الشيوخ، من بينهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية السناتور جيم ريش، والسناتور توم كوتن الذي دعا صراحة إلى حرب “بإمكاننا الانتصار فيها وبسرعة” كما قال.

مثل هذه النغمة برزت بعدما تسرّبت معلومات عن خطة للبنتاغون، بناء على طلب البيت الأبيض، وبالتحديد مستشار الأمن القومي جون بولتون، لإرسال قوة من 120 ألف جندي إلى الشرق الأوسط، “في حال اقتضت الظروف ذلك”.

الرئيس دونالد ترامب كذّب الخبر، لكنّه لم يستبعد هذا الاحتمال، وربما أرسل “عدداً أكبر إذا لزم الأمر”، كما قال. نفيه بهذا الشكل عزّز الشكوك في نوايا الحرب، ولو أنّه ترك خط الرجعة مفتوحاً.


يبدو أنّ تسليط الأضواء على أجواء البيت الأبيض هذه، جاء من باب التمهيد لقبول الرئيس بمخرج يحفظ ماء الوجه للطرفين


وثمة علامات بدأت تتبلور باتجاه مثل هذه الرجعة، إلا إذا كان قد سبق السيف العذل، كأن يثبت تورّط إيران في ضرب البواخر الأربع قرب الإمارات. عندئذ تكون خطة استدراج إيران قد نجحت ووضعت الرئيس ترامب أمام الخيار العسكري الذي يسعى إليه صقور الإدارة. تماماً كما أدى ضرب فيتنام الشمالية بارجةً أميركيةً في مياه خليج تونكين في صيف 1964، إلى تصعيد واشنطن لحربها ضد هانوي، بعد تكبير الحادثة لتبرير توسيع العمليات الحربية وتعنيفها. والباقي تاريخ.

حتى الآن، المبادرة لا تزال بيد فريق الحرب الواضع إصبعه على الزناد. أما الكونغرس المفترض أن يشكّل الكابح الفعّال بصفته صاحب الصلاحية في إعلان الحروب، فلم يتحرك باتجاه وقف الاندفاع في هذا الاتجاه. لكن التململ في صفوفه بدأ يتبلور.

عدد متزايد من مجلسي الشيوخ والنواب، رفع صوت الاعتراض والتحذير، خصوصاً الديمقراطيين الذين التحقت بهم قلة من الجمهوريين، ومنهم من هو محسوب على الرئيس، مثل السناتور لينزي غراهام.

مطالبة هؤلاء بوضعهم في صورة المعلومات التي تتذرّع بها الإدارة، زادت الضغوط على البيت الأبيض الذي وجد نفسه بدون حلفاء في هذه الأزمة، لا سيما الأوروبيين. وبالأخص بريطانيا.

وكان من المحرج للإدارة، وللصقور بشكل خاص، أن يصدر عن الجنرال البريطاني كريس غيكا نائب قائد قوات التحالف الدولي في العراق، نفي لوجود أي تزايد للتهديد الإيراني كما تدعي واشنطن. الأمر الذي اضطر البنتاغون للردّ، بزعم أنّ معلومات الجنرال لا تتفق مع تلك التي بحوزة الإدارة.

والمعروف تاريخياً أنّ واشنطن عادة ما تشارك بريطانيا في ما لديها من معلومات من هذا النوع باعتبارها الحليف الأقرب لها.

التضارب، وعلى هذا المستوى، أثار علامات استفهام كبيرة في واشنطن، وعزّز الاعتقاد السائد بأنّ إدارة ترامب “تعمل على إثارة إيران لجرّها إلى مواجهة”، بحسب ريتشارد كلارك المستشار الأسبق في البيت الأبيض.

وقد ردّدت تعبيرات كثيرة من هذا النوع، في اليومين الأخيرين. معظمها جاء بصورة تسريبات إلى الصحف من مصادر رسمية واستخباراتية، تلفت إلى “المبالغة” في حيثيات التصعيد، وبما يشير إلى وجود اعتراضات كبيرة داخل الإدارة. وصلت إلى حدّ شعور الرئيس ترامب “بالإحباط” من تسرّع بعض مستشاريه المستعجلين على ضرب إيران، بحسب صحيفة “واشنطن بوست” التي نسبت هذا الكلام إلى مسؤولين كبار.

ويبدو أنّ تسليط الأضواء على أجواء البيت الأبيض هذه، جاء من باب التمهيد لقبول الرئيس بمخرج يحفظ ماء الوجه للطرفين. قد يكون عن طريق وساطة دولية تقودها موسكو، وقد لمّح إليها، الثلاثاء، وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بعد لقائه في سوتشي، نظيرَه الأميركي مايك بومبيو، عندما قال إنّ بلاده “ستحاول عن طريق الدبلوماسية، تسهيل ما يمكن أن يؤدي إلى تحاشي السيناريو العسكري”.

عبارة “تسهيل” بدت وكأنّ هناك استعداداً للقبول بمخرج مطروح أو بالبحث عنه. إذا سارت الأمور في هذا الاتجاه الذي قد يرى ترامب أنّه يخدم حساباته، عندئذ لا يستبعد في ضوء السوابق، أن يكون جون بولتون الضحية بالإقالة أو الاستقالة. فالانقلاب والتقلّب من طبيعة زمن ترامب.

العربي الجديد