مدارس غزة.. رياح العدوان تطفئ شموع العلم

مدارس غزة.. رياح العدوان تطفئ شموع العلم

العدوان الإسرائيلي الأخير على عزة لم يحصد أرواح الأبرياء فحسب، وإنما دثّر مدارس القطاع بالغبار والركام، وجعل من دخولها عملية محفوفة بالمخاطر.

غارات جوية ومدفعية عنيفة شنتها إسرائيل منذ صباح السبت وحتّى فجر الاثنين الماضيين، على أهداف متفرقة في القطاع، فيما أطلقت الفصائل بغزة صواريخ، تجاه جنوبي إسرائيل.

وأسفرت الغارات الإسرائيلية عن استشهاد 27 فلسطينيا (بينهم 4 سيدات، و2 أجنة، ورضيعتين وطفل)، وإصابة 154 مواطنا، بحسب وزارة الصحة بالقطاع.

وفجر الإثنين، أعلنت قناة “الأقصى” الفضائية (تابعة لحماس) توصل الفصائل الفلسطينية بغزة وإسرائيل إلى اتفاق وقف إطلاق نار برعاية مصرية وأممية، أنهى يومين من التصعيد الإسرائيلي.

غارات وصفها السكان بـ”العنيفة”، شوّهت الألوان الزاهية في ساحة مدرسة “السيدة رقية” الأساسية للبنات، المُحاذية لمبنى استهدفته إسرائيل، وغمرت مقاعد الجلوس التي تم تلوينها حديثا بالغبار، ما خلّف أضرار جسيمة فيها، وفق وزارة التربية والتعليم بالقطاع.

أما البوابة الرئيسية للمدرسة، فقد دُفنت تحت ركام البرج المدني، فلا أحد يستطيع الوصول إلى ساحة المدرسة عبرها، إلا من تحت أنقاض الركام في مغامرة “خطيرة وقد تكون مُميتة”.

وتعتبر هذه المدرسة الأكثر تضررا من بين 13 أخرى تضررت خلال العدوان الأخير على غزة، بحسب معتصم الميناوي، المتحدث باسم التربية والتعليم بالقطاع.

وقال الميناوي إن الأضرار طالت نوافذ المدارس، وأبواها وجدرانها والأسطح والبنى التحتية، والمختبرات العلمية، في خسائر جملية مقدرة بنحو نصف مليون دولار.

حزن وصدمة

منوّر مصبّح، مديرة المدرسة، تقول إن تدمير البرج السكني الملاصق تسبب بأضرار كبيرة جدا في المدرسة، حيث سقط ذلك المبنى الضخم على السور الجنوبي.

وأضافت أن صدمة كبيرة انتابت إدارة المدرسة وطالباتها جراء تداول خبر تدمير المبنى الملاصق.

وتضم المدرسة نحو 600 طالبة، تتراوح أعمارهن بين 12 إلى 15 عاما من المرحلة الأساسية المتوسطة، من الصف السابع إلى التاسع.

ورغم أنها بقيت على تواصل مع سكان المنطقة المحيطة بالمدرسة لمعرفة الأضرار التي أصابتها بفعل الغارة، إلا أن مصبّح فوجئت بحجم الدمار الذي حلّ بالمدرسة.

وبعد ساعات على تدمير المبنى، أي في تمام الساعة 7 والنصف صباحا (بتوقيت فلسطين)، سارعت مصبّح إلى المدرسة لمعاينة الأضرار.

في البداية، عجزت عن الدخول بسبب سقوط جزء كبير من المبنى على مدخل البوابة الرئيسية، لكنّ ذلك لم يوقفها.

ورغم الخطر، غامرت مصبّح بالدخول إلى المدرسة عبر الأنقاض والركام، قائلة: “تلك الخطوة كانت خطيرة، لكن غيرتنا على هذا الصرح التعليمي، والبيت الثاني لنا نحن المعلمون، كان دافعا لمعرفة ما حلّ بها بعد القصف”.

وبمجرد دخولها، وقفت على الدمار الحاصل، وشعرت بغصّة داخلية، لافتة إلى أن معاينة ما حصل كان له “أثر نفسي أكبر من سماع الخبر نفسه”.

المساعي التي بذلتها إدارة المدرسة وطالباتها ضمن حملة “من أجل تجميل وتحسين البيئة الدراسية”، والأحلام التي بنيت على ذلك، كلّها “ذهبت أدراج الرياح”، كما قالت.

تلك الحملة هدفت لإيجاد جو مريح نفسيا للطالبات، يساندهن كي يصبحن أكثر قدرة على تحمّل ما يواجه المجتمع الفلسطيني من اعتداءات إسرائيلية متكررة.

وأضافت أن “الطالبات المتواجدات هنا بين عُمر 12-15 عاما، وكلهن عايشن حروبا متكررة واعتداءات إسرائيلية، وأصبن خلالها بالخوف والذعر الشديدين”.

وفي إطار الحملة، تم تلوين جدران المدرسة ومقاعدها الموزّعة في الساحة بألوان زاهية، وتحسين الحديقة وزراعة النباتات الخضراء.

كان الأمر شبيها بحلم جرى تدميره في ثوان بالمقاتلات الحربية الإسرائيلية، وفق مديرة المدرسة.

ومتطرقة إلى الصدمة التي انتابت الطالبات من تضرر مدرستهن، قالت مصبّح إن عددا منهن اتصلن بها هاتفيا ليلة الاستهداف وهن يبكين ويرثين تعبهن في تجميل المدرسة.

وتابعت: “لكن ما دمنا على قيد الحياة، فنحن سنعيد بناء وإعمار كل ما دمّرته آلة البطش الإسرائيلية”.

وبناء على ذلك، بدأت إدارة المدرسة بإجراءات سريعة، في اليوم التالي من القصف، من أجل الحفاظ على استمرار العملية التعليمية، حيث تم افتتاح بوابة جديدة على الجهة الغربية للمدرسة.

كما شرع كل من في المدرسة من إدارة وطلبة بـ”إزالة الركام والزجاج المكسور وكل آثار العدوان، لتهيئة الأجواء من أجل العودة إلى المقاعد؛ في ظل اقتراب موعد الامتحانات النهائية، على حدّ قول مصبّح.

ومن جانب آخر، شارك في إزالة الركام فريق شبابي متطوع أطلق على نفسه اسم “سنابل الخير”.

قصة طالبة

شهد زايدة (14 عاماً)، الطالبة في المدرسة، فقدت شقّتها السكنية التي كانت تتواجد في برج “القمر” المدمّر، الملاصق لمدرستها.

وتطّل مدرستها على ذكرياتها الجميلة داخل المنزل مع والديها وأشقائها، والتي أصبحت كلها –اليوم- تحت الركام، الذي يغطّي البوابة.

وفي اليوم الأول من الدوام المدرسي، بعد وقف إطلاق النار في قطاع غزة، دخلت شهد من باب المدرسة الجديد، مهرولةً إلى كومة الدمار، تتأملها وتبكي كل الذكريات والأحلام.

“تعب والدي طوال 25 عاما راح سدى في دقائق معدودة”.. هكذا تمتمت شهد فيما تتملكها حالة شديدة من الحسرة والألم.

وعن بداية القصف، تقول إن اتصالا من عنصر بالاستخبارات الإسرائيلية على هاتف والدها، أفزع أمنهم وراحتهم، في تمام الساعة السادسة مساء من الاثنين الماضي.

وفي الاتصال، تعلى صوت يقول: “معكم خمس دقائق فقط، أخلوا العمارة بالكامل وأبلغوا الجيران”.

هرع كل من في الشقّة والشقق المجاورة ليخرجوا من العمارة السكنية، فيما يصدح صدى أصوات بكاء وخوف وفزع النساء والأطفال من كل مكان.

عشرات العائلات تركت شققها وخرجت تاركة كافة أحلامها وذكرياتها و”شقاء العمر”، ليذهب ضحية البطش الإسرائيلي، على حدّ قول الطالبة.

واليوم، تعيش شهد في شقة بالإيجار، تخلو من الأثاث المنزلي إلا القليل منه، والذي قُدّم إليهم كمساعدات إنسانية من بعض الأقارب.

الطالبة التي أنهت والدتها، جميع التجهيزات داخل الشقة المدمّرة، قبل أيام قليلة من القصف، لاستقبال شهر رمضان، تستقبله اليوم وعيونها معلّقة بين الأنقاض والدمار.

الأناضول