انهيار مفاوضات بريكست يعجل برحيل تيريزا ماي

انهيار مفاوضات بريكست يعجل برحيل تيريزا ماي

وأد حزب العمال المعارض مساعي رئيسة الوزراء المحافظة تيريزا ماي لتجاوز مأزق بريكست، بإعلانه انهيار المفاوضات التي بدأها معها منذ نحو ثلاثة أسابيع، ليعيد اتفاق بريكست إلى المربع الأول إذ أنه لا يحظى بأي إمكانية لإقراره في تصويت برلماني رابع الشهر القادم. ويعمق الانسحاب العمالي الأزمات داخل حزب المحافظين الذي يستعد لتغيير قيادته، حيث يبدو وزير الخارجية السابق بوريس جونسون الأوفر حظا لقيادة الحزب وبالتالي تولي منصب رئيس وزراء بريطانيا خلفا لتيريزا ماي المتعثرة.

لندن – سادت حالة من الضبابية على مسار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مجددا الجمعة، بعد انهيار المحادثات بين حزبي المحافظين والعمال بشأن اتفاق الخروج، في ضوء التكهنات بشأن موعد استقالة رئيسة الوزراء تيريزا ماي من منصبها.

وأعلنت المعارضة العمالية البريطانية وقف المفاوضات مع رئيسة الوزراء تيريزا ماي بشأن بريكست بعد ستة أسابيع على المفاوضات غير المثمرة.

وقال جيريمي كوربين، زعيم حزب العمال المعارض في بريطانيا، إن المحادثات مع حكومة رئيسة الوزراء تيريزا ماي “وصلت إلى طريق مسدود”، مضيفا أنّ حزبه “يؤيد إجراء استفتاء جديد بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”.

وتابع في خطاب مفتوح إلى ماي “في حين أنه كان من الممكن التوصل إلى تسوية في بعض المجالات، إلا أننا لم نتمكن من جسر الفجوات السياسية المهمة بيننا”.

واستدرك “الشيء الأهم هو أن تزايد ضعف وعدم استقرار حكومتك يعني عدم وجود ثقة في ضمان تنفيذ ما قد نتفق عليه بيننا”.

وأجرى الطرفان مفاوضات استمرت لأسابيع من أجل التوصل إلى توافق حول عدد من بنود اتفاق خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي من أجل ضمان تمرير الاتفاق عبر البرلمان.

وبدأت المفاوضات بعد رفض البرلمان خطة بريكست المقترحة من قبل الحكومة 3 مرات على التوالي، حيث يختلف الحزبان على شكل العلاقات الاقتصادية التي ستربط بين بريطانيا والاتحاد الأوربي بعد خروجها منه.

وبعد نحو ثلاثة أعوام من التصويت على نحو غير متوقع بالانفصال عن الاتحاد لا يزال من غير الواضح متى ستنفصل بريطانيا أو إن كانت ستخرج على الإطلاق من التكتل الذي انضمت إليه عام 1973.

وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) أن المحادثات بين حزب المحافظين بزعامة ماي وحزب العمال المعارض قد انهارت بعد ساعات من موافقة ماي الخميس على تحديد إطار زمني لترك منصبها في مطلع يونيو.

وقال هيلاري بن رئيس لجنة الخروج من الاتحاد الأوروبي بالبرلمان لراديو هيئة الإذاعة البريطانية “إذا لم تسفر المحادثات عن شيء فإن هذا في رأيي يؤدي إلى نهاية واحدة… هناك سبيلان فقط للخروج من أزمة الانفصال التي نواجهها: إما أن يوافق البرلمان على اتفاق وإما نرجع إلى الشعب البريطاني ونطلب منه الاختيار”.

وأعلنت ماي في الثاني من أبريل أنها ستبدأ محادثات مع حزب العمال بعدما رفض البرلمان الاتفاق الذي أبرمته مع الاتحاد ثلاث مرات. لكن الحزبين فشلا في الاتفاق على القضايا الرئيسية مثل مطلب المعارضة بشأن اتحاد جمركي بعد الخروج من الاتحاد.

ووافقت ماي الخميس على وضع إطار زمني لمغادرة منصبها في مطلع يونيو بعد المحاولة الرابعة والأخيرة لتمرير اتفاقها للخروج في البرلمان.

وتعهدت ماي بالاستقالة بعد موافقة النواب على الاتفاق. لكن الكثيرين داخل حزبها يريدون منها الاستقالة إذا رفض البرلمان الاتفاق مجددا بينما يطالب آخرون باستقالتها على الفور.

وسيكون بوريس جونسون، الذي كان الوجه المعبر عن حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مرشحا ليحل محل ماي في زعامة حزب المحافظين.

وسيصبح الفائز بزعامة الحزب رئيسا للوزراء تلقائيا وسيتولى مسؤولية عملية الخروج من الاتحاد التي أدخلت بريطانيا في أسوأ أزمة سياسية تواجهها منذ الحرب العالمية الثانية.

وأكد جونسون أنه يعتزم خوض أي سباق لخلافة رئيسة الوزراء تيريزا ماي في زعامة حزب المحافظين الحاكم.

وقال جونسون في مؤتمر لوسائط التأمين في مدينة مانشستر بشمال البلاد “سوف أخوضه.. بالطبع سأخوضه”، مضيفا “لا أعتقد أنه سر.. ولكن، كما تعلمون، لا يوجد أي شغور حاليا”.

وتابع جونسون الموالي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والذي استقال من حكومة ماي احتجاجا على اتفاقها بشأن بريكست، إن الحكومة أظهرت “افتقارا حقيقيا للإمساك بزمام الأمور وللديناميكية” في التفاوض مع بروكسل، مؤكدا أن لديه “نهم غير محدود.. لمساعدة البلاد للسير على الطريق الصحيح”.

وبعد نحو ثلاث سنوات من تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي بأغلبية 52 بالمئة مقابل 48 بالمئة، لم يتوصل السياسيون إلى اتفاق بشأن متى أو كيف أو حتى ما إذا كان هذا الانفصال سيحدث.

وكان من المقرر أن تخرج بريطانيا من الاتحاد في 29 مارس، لكن ماي لم تتمكن من الحصول على موافقة البرلمان على اتفاق خروج تفاوضت عليه لذلك لجأت إلى حزب العمال بقيادة الاشتراكي جيريمي كوربين طلبا لتأييده.

وكتب 13 من زملاء ماي في مجلس الوزراء بالإضافة إلى غراهام برادي رئيس لجنة 1922 للنواب المحافظين رسالة إلى ماي الأربعاء يطالبونها فيها بعدم الموافقة على مطالب حزب العمال بشأن اتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي في مرحلة ما بعد الخروج منه.

وقالوا في خطاب “من المحتمل أنك خسرت فئة الوسط المخلصة في حزب المحافظين، وتسببت في تقسيم الحزب دون مقابل لذلك على الأرجح.. ندعوك إلى إعادة النظر”.

وأضاف الخطاب الذي وقع عليه غافين وليامسون الذي عُزل من منصب وزير الدفاع في وقت سابق هذا الشهر ووزير الخارجية السابق بوريس جونسون “لا يوجد قائد يمكنه أن يلزم من يخلفه لذلك فإن الاتفاق على الأرجح سيكون على أفضل تقدير مؤقتا وعلى أسوأ تقدير خياليا”.

وتعرّض الحزبان الرئيسيان، المحافظ والعمّال، لخسائر في انتخابات المجالس المحلّية التي جرت في الثاني من مايو إذ صوّت الناخبون للأحزاب الأصغر.

وترجمت نتائج الانتخابات المحلية غضب البريطانيين وسخطهم على الحزبين الرئيسيين في البلاد، بعد الفوز الساحق الذي حققه الحزب الديمقراطي الليبرالي (وسط)، ما اعتبرته بعض الأوساط السياسية رسالة واضحة المعالم للأحزاب التقليدية مفادها: ها نحن نعاقبكم على بريكست.

وتعرّض المحافظون الحاكمون في بريطانيا والعماليون المعارضون إلى خسائر بسبب الإحباط السائد في أوساط الناخبين من الجمود الذي يواجه ملف بريكست، فيما يزداد الغموض بشأن مآل اتفاق بريكست العالق في البرلمان.

وخسر حزب رئيسة الوزراء المحافظ عدة مجالس محلية والمئات من المقاعد، لكن حزب العمال لم يستفد كذلك من الخسارة، إذ منحت الأصوات بدلا من ذلك إلى الأحزاب الأصغر، حيث كان الحزب الديمقراطي الليبرالي الفائز الأكبر، وقد حصل على أكثر من 300 مقعد، وفاز المستقلون أيضا بـ200 مقعد إضافي.

ولا تبشر نتائج الحزبين الرئيسيين في بريطانيا بخير قبيل انتخابات البرلمان الأوروبي المقبلة التي تجري في بريطانيا بتاريخ 23 مايو.

وقال الخبير في شؤون الانتخابات جون كورتيس لشبكة الـ”بي.بي.سي”، “يبدو أن الرسالة الأساسية من الناخبين إلى كل من حزبيْ المحافظين والعمال هي: تبّا لكما”.

وأضاف كورتيس أن الحزبيْن الرئيسيين “يتعرضان للخسائر في الدوائر التي كانا فيها الأقوى”، مع خسارة المحافظين مقاعد في جنوب بريطانيا والعمال في الشمال.

وموقف حزب العمال بشأن بريكست، الذي يصفه بعض المعلقين بأنه أشبه بالغموض البنّاء، مصمم لتجنّب خسارة داعميه سواء من أنصار مغادرة الاتحاد الأوروبي أو أولئك الذين يطالبون بالبقاء في التكتل.

وقال النائب عن حزب العمال أوين سميث الذي حاول الإطاحة بزعيم الحزب جيريمي كوربين في 2016 إن تخبط العمال بشأن بريكست بات مكشوفا بالنسبة للعموم، مضيفا “الناخبون لا يكافئون المراوغين”.

العرب