المشكلة في المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة خارج إيران

المشكلة في المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة خارج إيران

تثير التوترات المتفاقمة بين الولايات المتحدة وإيران واحتمالات الحرب بينهما ارتياباً شديداً لدى الكونغرس الأمريكي وحلفاء الولايات المتحدة، وحتى من قبل الرئيس ترامب نفسه. وفي حين أن هناك بالتأكيد ما يبرر رغبة الولايات المتحدة في حماية عناصرها وحلفائها ومصالحها من التهديدات الإيرانية المتصوَّرة، إلا أن الأمر سيكون أكثر إنتاجيةً واستراتيجيةً على المدى البعيد – والأكثر شعبيةً في الولايات المتحدة وخارجها – إذا ما وُجدت السبل الكفيلة لتمكين المجتمع المدني في إيران من إحداث تغيير سياسي حقيقي في البلاد.

ولطالما اعتبر كبار المسؤولين في إدارة ترامب وغيرهم من المعارضين للنظام الإيراني بأن بعض التنظيمات الإيرانية المعارضة المنتشرة خارج إيران منقذة للشعب الإيراني المضطهد. وللأسف، لا توفر هذه التنظيمات سوى القليل من الأمل للمستقبل، فهي تفتقر إلى الزخم الفكري اللازم، وتعاني من انقاسامات سياسية حادة، وتفتقد للكفاءة التنظيمية على أرض الواقع.

بيد أن التنظيمات مثل “مجاهدي خلق” وأفراد العائلات الملكية الإيرانية المتواجدين في المنفى يغذون أحلام إدارة ترامب الأكثر جموحاً في حملة “الضغط الأقصى” التي يمارسونها. ويُعتبر هؤلاء أطرافاً فاعلة رئيسية في سيناريو متفائل يقوم على التنحّي الكامل للنظام الحاكم، وإنهاء مساعي طهران للهيمنة على المنطقة، وتحوّل إيران إلى نظام ديمقراطي علماني ليبرالي وحليفٍ للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.

ويتوق المسؤولون الأمريكيون إلى تأييد تصورّهم هذا. فمستشار الأمن القومي جون بولتن والمحامي الشخصي للرئيس الأمريكي رودولف و. جولياني هما من أشدّ الداعمين لحركة “مجاهدي خلق” وسبق لهما أن ألقيا الخطابات في تجمّعاتهم. ففي إحدى فعاليات التنظيم في باريس عام 2017 قال بولتون: “ثمة معارضة ممكنة ضد حكم آيات الله، وترتكز هذه المعارضة حالياً في هذه الغرفة. ولن يتغير سلوك النظام ولا أهدافه، وبالتالي فإن الحل الوحيد هو تغيير النظام نفسه”.

ويعود الحنين أيضاً إلى “اللنظام القديم” للشاه محمد رضا بهلوي، ليس في صفوف الجالية الفارسية في العالم فحسب، بل داخل إيران أيضاً. وأحد الأمثلة الملفتة على ذلك هو الرسالة التي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي الفارسية مطالبةً بعودة الشاه (“عُد يا شاه!”)، مع الإشارة إلى أن إيقاع هذا الشعار مشابه لأشهَر شعارات الثورة الإسلامية: “الموت للشاه!”.

وفي ظل هذه الأجواء، برز ابن الشاه رضا بهلوي البالغ من العمر 58 عاماً كالشخصية اللافتة للنظر في المعارضة الإيرانية في المنفى. فلم يكن بهلوي يتعدَّ الثامنة عشرة من عمره عندما أطاحت الثورة الإسلامية بنظام أسرته الملكي مما أدّى به إلى الفرار من البلاد. وهذا الشخص الذي يطلق على نفسه لقب “ولي عهد إيران” هو النقيض الطبيعي للنظام الراهن، ورمزٌ لما خسره الإيرانيون في ثورة عام 1979، وما يطمحون إليه في حكومة مثالية.

ولكن على الرغم من الجهود التي بذلها للاعتراف به على أنه “شخصيةً وطنية”، لم يُظهر بعدْ وريث العرش تحلّيه بأي من المهارات اللازمة لتنظيم معارضة، ناهيك عن قيادة دولة. فلم يفصح عن أيديولوجية مقنعة من شأنها أن توجه أمة بعد سقوط الجمهورية الإسلامية، وقد فشل حتى الآن في ضم التنظيمات المعارِضة الأخرى تحت مظلته، بما فيها النخب السياسية العلمانية والمفكرين والمثقفين. أضف إلى ذلك أن ماضيه يخلو من أي مبادرات تنظيمية ناجحة، كما أنه لم يثبت قدرته على حشد الشعب على أرض الواقع.

ومع ذلك، يخدم كل من تنظيم “مجاهدي خلق” وبهلوي غرضاً في السياسة الأمريكية الراهنة، إذ يمنحنان حملة الإدارة الأمريكية نوعاً من التأييد الإيراني. والنقطة الأساسية هي محاولة إقناع الإيرانيين بأن الضغط الأقصى لا يهدف سوى التأثير على النظام، وليس على الشعب.

وللنظام الإيراني نصيبه العادل من نقاط الضعف، فهو يمرّ بأزمة حول شرعيته، ويعاني من نقصٍ في قاعدة ناخبيه ومن محنة اقتصادية متفاقمة. ولكنه مع ذلك سيصمد، ولو لمجرد أن المعارضة ضده أضعف منه، سواء في المجتمع المدني الإيراني أم في المنفى.

ولا تستطيع الولايات المتحدة ولا أي حكومة أجنبية أخرى أن تساعد المعارضة أو يجدر بها مساعدتها مباشرةً لتصبح حكومةً فعالة تَتَحَيَّن الوصول إلى الحكم. فمثل هذا الدعم من شأنه أن يعزز الأفكار التي يروّج لها النظام الإيراني بأن هذه الجماعات ليست إلا “عميلة أجنبية”، ومن الممكن أيضاً أن تقضي على أي شكل من أشكال المعارضة الشعبية للجمهورية الإسلامية.

وعوضاً عن ذلك، يجب على المجتمع الدولي اتخاذ الخطوات اللازمة لتقوية المجتمع المدني داخل إيران وحمايته من الاضطهاد والقمع الممنهجين.

وبما أن للجمهورية الإسلامية سجلّ سيئ للغاية بما يمت المجتمع المدني وانتهاكات حقوق الإنسان، فيجدر بالحكومات الأوروبية والأمريكية تسليط الضوء على معاملة الجماعات المهمّشة في إيران والفساد المستشري داخل “المؤسسات” النافذة، و«الحرس الثوري الإسلامي» الذي استنزف ما تبقّى من ثروات إيران وحصرها في أيدي أقلية مختارة. فمن بين المبادرات المتعلقة بإيران، ستكون هذه البادرة محط توافق بين جميع الأمريكيين وحلفائهم الأوروبيين.

ويمكن لمجتمع مدني قوي وحَسَن التنظيم داخل إيران أن يمهد الطريق نحو قيام إصلاح بطيء وتدريجي يبتعد عن الاستبدادية الدينية ليصل إلى الديمقراطية الليبرالية ويُدخل إيران أخيراً في مجتمع الأمم.