مدرعات تركيا تفشل في الميدان وتثير الضغينة بين الميليشيات

مدرعات تركيا تفشل في الميدان وتثير الضغينة بين الميليشيات

شهدت مدينة الزاوية الليبية (50 كلم غرب طرابلس)، يوم الجمعة الماضي، مقتل عنصرين من قادة الميليشيات المنضوية تحت لواء حكومة الوفاق، هما فراس المختار شركس وابن عمه عبدالرحيم شركس، اللذان تم رميهما بالرصاص في شارع عمر المختار، من داخل سيارة معتمة الزجاج، بسبب خلاف حول إحدى المدرعات التركية التي وصلت المدينة.

تبيّن لاحقا أن القاتلين هما وسام رمضان عبدالله الحطاب ومحمود محمد علي كريم، وأن الخلاف حصل في الليلة السابقة للجريمة عندما اختلفوا عمن يحق له الحصول على المدرعة. كانت الغلبة لفراس شركس. وكاد الأمر يتسبب في حرب ضروس بين الحاضرين، لكن تدخل بعض العناصر المؤثرة حال دون ذلك، ليقوم مسلحان في اليوم الموالي بقتل شركس وابن عمه على قارعة الطريق.

هذه الحادثة رأى فيها المراقبون واحدا من مؤشرات حمى المدرعات التركية التي أصابت ميليشيات المجلس الرئاسي وأثارت الضغينة في ما بينها، منذ الإعلان عن وصولها إلى مينائي مصراتة وطرابلس في 18 مايو وعندما تم التلميح إلى قدرتها على تغيير موازين القوى في جبهات القتال، وهو ما تبين لاحقا أنه مجرد وهم، حيث أثبت السلاح التركي فشله في ترجيح كفة الميليشيات الخارجة عن القانون والجماعات الإرهابية.

وأكد العميد خالد المحجوب، مدير المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة التابعة للجيش الوطني الليبي، أن “قوات الجيش لم تتأثر بالسلاح القادم من تركيا والذي تستعمله الميليشيات في جبهات القتال، بل إن بعضه تم تدميره بواسطة القصف الجوي المركّز أو وقع غنائم لدى قواتنا”.

وأضاف أن “المعركة تدور حاليا بين جيش وطني نظامي ذي تراتبية عسكرية ويتكوّن من أفراد تدرّبوا على فنون القتال في الأكاديميات المتخصصة، ويمتلكون العلم والحنكة والإرادة العسكرية، وبين ميليشيات تتكون من مرتزقة أو من إرهابيين أو من شباب مغرر بهم ليست لهم أي علاقة بعلوم ومعارف القتال، وبالتالي فإن أي أسلحة تحصل عليها لن تحقق لها التفوق”.

المعركة تدور بين جيش نظامي متدرب وميليشيات ليست لها أي علاقة بمعارف القتال وبالتالي فإن أي أسلحة تحصل عليها لن تحقق لها التفوق

وأبرز اللواء فوزي المنصوري، آمر محور عين زارة جنوب طرابلس، أن الدعم التركي للمجموعات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق، لا يمثّل أي تهديد بالنسبة لقوات الجيش الوطني، مشيرا إلى أن الدعم التركي الذي وصل مؤخرا، لم يغيّر أي شيء لصالح ميليشيات الوفاق، وهذا ما أثبتته التجربة على الأرض. وأوضح المنصوري أن قوات الجيش الوطني، تحقّق تقدما كبيرا وملحوظا في اتجاه معكسر النقلية ومواقع أخرى تعتبر هدفا للقوات المسلحة.

وصلت في الثامن عشر من شهر مايو الجاري، شحنة أسلحة ومدرعات عبر ميناء طرابلس، قادمة من تركيا، واستلمتها مجموعة مسلحة تتبع للمطلوب دوليا صلاح بادي، كما سبق أن وصلت شحنات أخرى من الأسلحة والذخيرة التركية إلى موانئ مصراتة وطرابلس والخمس.

ويشير محللون عسكريون إلى أن مسلحي الميليشيات يعتمدون على الكثافة النارية والقصف العشوائي في جبهات القتال، لكن دون الاعتماد على خطط مدروسة واستراتيجيات عسكرية، لافتين إلى أن الجيش يحاول التعامل مع هذه الظاهرة بسحب أولئك المسلحين إلى خارج مناطق العمران. أما عن السلاح التركي فيؤكد المحللون أنه لم يعط أي إضافة نوعية لأداء الميليشيات ما تسبب في إصابة عناصرها بحالة من الإحباط.

ووفق مصادر مطلعة، فإن صفقة المدرعات التركية تم الاتفاق عليها مع عبدالحكيم بالحاج زعيم الجماعة الإسلامية المقاتلة المرتبطة بتنظيم القاعدة، المقيم في إسطنبول، والمطلوب منذ يناير الماضي من قبل مكتب النائب العام في طرابلس بتهمة التورط في جرائم إرهابية، والذي يعتبر رجل قطر في ليبيا.

ولدى وصول المدرعات إلى ميناء طرابلس كان في استقبالها التهامي أبوزيان، وكيل وزارة الدفاع السابق وعضو الجماعة الليبية المقاتلة، والذي يعد أحد المشاركين في الهجوم على الهلال النفطي وذلك من خلال قيادته لكتيبة “الفاروق” التي كان قد أسسها سنة 2012 لتتراوح ولاءاتها بعد ذلك بين القاعدة وداعش وتمثل اليوم أحد أشرس مكونات حكومة الوفاق.

وإلى ذلك، يعتبر بوزيان من المحسوبين على مجلس الحكماء بقيادة إبراهيم بن غشير، كما كان له دور بارز في تجنيد وتسفير المقاتلين الليبيين والتونسيين وغيرهم إلى سوريا بالتنسيق مع النظامين التركي والقطري. وساهم من خلال موقعه ونفوذه في وزارة الدفاع حتى سنة 2015 في مد جماعات الدروع وأنصار الشريعة بالعتاد والسيارات.

وكان مجلس النواب أدرج اسم بوزيان على لائحة الأفراد والجماعات الإرهابية المنتمية إلى تنظيم القاعدة التي أصدرها في 11 يونيو 2017 كونه مؤسسا لسرايا الفاروق التي كانت مظلة انبثق منها عدة قادة تقلدوا مهام في تنظيم القاعدة وداعش وبعضهم لقي مصرعه في سرت خلال الموجهات مع قوات البنيان المرصوص وغارات سلاح الجو الأميركي.

ومن أهم المناصب التي تقلدها بوزيان منصب وكيل وزارة الدفاع للشؤون الخارجية في حكومة علي زيدان من 31 ديسمبر 2012 إلى 11 مارس 2014. وانتقل بعد ذلك ليشرف على عمليات التصفية الجسدية لعناصر القوات المسلحة في المنطقة الغربية، ثم إلى إدارة غرفة عمليات في تركيا، وهو ما يفسر إشرافه بنفسه على استلام المدرعات التركية وتوزيعها على الميليشيات بالاتفاق مع حكومة الوفاق.

وكان تحالف ميليشيات المجلس الرئاسي أعلن في 19 مايو أنه تلقى شحنة من مركبات مدرعة وأسلحة في إطار سعيه لصد عملية “طوفان الكرامة”. وأظهرت صور وتسجيلات مصورة نشرتها ميليشيا لواء الصمود تحت إمرة صلاح بادي، على صفحتها، وصول العشرات من المركبات المدرعة من طراز “بي.أم.سي كيربي” تركية الصنع إلى ميناء طرابلس.

وقبل ذلك، قال متحدث باسم حكومة الوفاق إن الحكومة تتواصل مع تركيا للحصول على “أي شيء يلزم لوقف الهجوم” بما في ذلك الدعم العسكري والمدني.

ويبدو أن قضية المدرعات التركية تتجه نحو التصعيد، بعد أن أكد المسؤول الإعلامي في اللواء 73 مشاة المنذر الخرطوش أن مجموعة محسوبة على جبهة النصرة قدمت إلى العاصمة طرابلس من تركيا مع شحنة المدرعات (كيربي).

وأضاف أن هذه المجموعة موجودة بنسبة كبيرة في مدينة الزاوية وهي خليط من جنسيات مختلفة ومنهم من يحمل الجنسية الليبية وكان يقاتل في سوريا، مشيرا إلى أن عددا من مدرعات “كيربي” يوجد في مدينة مصراتة وسيتم تسليمه لمجموعة إبراهيم الجضران الذي بدوره لديه عدد من المعارضة التشادية ولديه أيضا وجهة محددة، في إشارة إلى محاولة جديدة للهجوم على منطقة الهلال النفطي التي تم تحريرها من الميليشيات في سبتمبر 2016 وتصدى الجيش لمحاولات الاستحواذ عليها في مارس ويونيو 2017، وتخضع حاليا لنفوذه.

وقال الخرطوش إن ”جماعة تابعة لتنظيم داعش في مدينة الزاوية تحت مسمى كتيبة ‘أبوعبيدة’، وهي كنية شعبان هدية”، وشعبان مسعود خليفة، هو أحد قياديي الجماعة المقاتلة عند انضمامها إلى تنظيم القاعدة في أفغانستان، وكان الذراع اليمنى للقيادي في تنظيم القاعدة نزيه الرقيعي المكنى ‘أبوأنس الليبي’ والذي كان مسؤولا عن تجنيد وجلب الليبيين.

وخلال أحداث 17 فبراير 2011 ظهر شعبان هدية بقوة في ساحات القتال إلى جانب مقاتلي الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا، وكان قائدا ميدانيا لعدد من العمليات التي استهدفت الجيش الليبي آنذاك، ونال ثقة الأميركيين وتقابل مع السيناتور الأميركي الجمهوري جون كيري أثناء وجوده في ليبيا عقب مقتل معمر القذافي.

وبعد نجاح جماعة الإخوان المسلمين في السيطرة على المؤتمر الوطني العام، عقب إقرار قانون العزل السياسي، صدر قرار من رئيس المؤتمر الوطني العام نوري أبوسهمين أواخر يوليو 2013، بتأسيس غرفة عمليات ثوار ليبيا برئاسة شعبان هدية وكانت مدعومة من رئيس الحكومة السابق علي زيدان حيث قام بدعمها بمبلغ 900 مليون دولار. كم تحصل هدية على دعم من قطر حيث كان يسافر باستمرار إلى الدوحة للحصول على الأموال والسلاح لتمويل ميليشياته التي فاق عناصرها العشرة آلاف مقاتل.

وفي يناير 2014 اعتقلت السلطات المصرية هدية في مكان بين الإسكندرية ومطروح، وقيل إنه كان برفقة عدد من قيادات الإخوان في مصر حيث بقي في السجن أربعة أيام، وعقب اعتقاله جرت اتصالات بين الحكومتين المصرية والليبية لإطلاق سراحه وجاء ذلك عقب اختطاف أفراد من السفارة المصرية في ليبيا وهم الملحقان الثقافي والتجاري في السفارة إضافة إلى ثلاثة موظفين آخرين على يد مسلحين ردا على احتجاز أبوعبيدة الزاوي.

وفي يناير 2019 ورد اسم هدية ضمن ستة إرهابيين ليبيين مطلوبين من قبل رئيس قسم التحقيقات في مكتب النائب العام في طرابلس الصديق الصور إلى جانب عدد آخر من عناصر المعارضة التشادية والسودانية.

ووفق مصادر من غرفة عمليات الكرامة للجيش الوطني بالمنطقة الغربية، فإن المدرعات التركية، وإن كانت فشلت في الميدان، فإنها كشفت عن جملة من الحقائق حول مكونات محور الإرهاب الذي يرتبط بعلاقات مباشرة مع النظام التركي، تتجاوز المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، وهو ما يفسره استلام تلك المدرعات والأسلحة من قبل عناصر تابعة بالأساس للجماعة المقاتلة التابعة لتنظيم القاعدة، والتي تعتبر الجناح المسلح لمشروع الإسلام السياسي في المنطقة منذ العام 2011، إلى جانب جماعة الإخوان التي تحاول التظاهر بأنها قررت النأي بنفسها عن العمل الميداني.

العرب