قتل بمعارك ريف حماة.. مسيرة “منشد الثورة السورية” من الملاعب لجبهات القتال

قتل بمعارك ريف حماة.. مسيرة “منشد الثورة السورية” من الملاعب لجبهات القتال

عندما انطلقت الثورة السورية في 2011 ترك عبد الباسط الساروت ملاعب كرة القدم وانضم إلى المظاهرات المناهضة للنظام، وحين جوبهت الاحتجاجات بالقوة حمل السلاح وخاض معارك كثيرة كان آخرها بريف حماة، حيث قُتل منشد الثورة السورية وحارسها كما يصفه ناشطون.
وأعلنت مواقع سورية معارضة قبل يومين إصابة الساروت (27 عاما) بجروح خلال معارك مع قوات النظام السوري في قرية تل ملح بريف حماة الشمالي، ولم يرشح حينها ما ينبئ بأن إصابته تهدد حياته.

لكن فصيل جيش العزة أصدر اليوم السبت بيانا نعى فيه القيادي الميداني الشاب في صفوفه، وأكد الناطق باسم الفصيل النقيب مصطفى معراتي أن الساروت أصيب في فخذه وبطنه ويده وتوفي في مستشفى بتركيا.

وكان الساروت “أبو جعفر” قائد “لواء حمص العدية” في جيش العزة الذي انضم إليه أواخر عام 2017 مع مئات آخرين من المقاتلين المهجّرين من حمص.

وقبل ساعات من الإعلان عن إصابته في قرية تل ملح، ظهر القيادي الميداني الراحل في جبهات القتال بريف حماة الشمالي، وهو يؤكد في تسجيل مصور على الاستمرار في مواجهة النظام السوري حتى “تحرير سوريا”.

وكان خبر وفاة “بلبل الثورة” صادما لكثيرين من مؤيدي الثورة السورية الذين رثوه عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات حزينة، تشهد بوفائه للقضية التي من أجلها خرج السوريون للميادين والشوارع قبل أكثر من ثماني سنوات.

رمز ثوري
ورثى قائد جيش العزة جميل الصالح في حسابه على تويتر عبد الباسط الساروت، وأرفق رثاءه بفيديو قديم للساروت ينشد فيه “راجعين يا حمص.. راجعين يا الغوطة”.

كما وصف جيش العزة -في بيان- القيادي الراحل بأنه رمز من رموز الثورة السورية، وتعهد بالاستمرار على نهجه.

وكتب المعارض السوري أحمد أبا زيد في حسابه على تويتر “عبد الباسط الساروت شهيدا.. حارس الحرية وأيقونة حمص ومنشد الساحات والصوت الذي لا ينسى في ذاكرة الثورة السورية شهيدا”.

ورثاه أيضا القيادي بالائتلاف الوطني السوري هادي البحرة حيث كتب عنه في تغريدة بتويتر “الشاب عبد الباسط الساروت سيبقى حيا.. اختار وعقد العزم واستشهد على أمل أن يتحقق حلم السوريين”.

من جهته كتب الإعلامي أحمد موفق زيدان في حسابه بتطبيق تلغرام “صوتك سيبقى يدوي في الأجيال الراهنة والمقبلة.. وستظل دماؤك شعلة حرية حتى تطهير الوطن..”.

أما الناشط هادي العبد الله فكتب في صفحته بموقع فيسبوك أنه “لا كلام ولا مفردات تعطي البطل حقه… لطالما تمنى الشهادة على أرض سورية”.

منشد الثورة
وكان الساروت حارس مرمى منتخب سوريا للشباب ونادي الكرامة بحمص، لكنه سرعان ما التحق بالمظاهرات المناهضة للنظام في مارس/آذار 2011.

ولأن هذا الشاب -الذي كان حينها دون العشرين- من سكان حي البياضة في حمص، فقد انضم إلى المظاهرات الحاشدة التي كانت تخرج في ساحات المدينة، وخاصة منها ساحة الساعة.

وخلال تلك المظاهرات، برز عبد الباسط كمنشد يردد الهتافات الثورية تحفيزا للمتظاهرين الذين كانوا ينادون بإسقاط النظام.

وكان من بين تلك الأناشيد “جنة جنة والله يا وطنا”، ثم كان من أناشيده بعد التهجير نحو الشمال السوري “راجعين على حمص.. راجعين على الغوطة”.

وفي 2014، روى فيلم “عودة إلى حمص” للمخرج السوري طلال ديركي -والذي نال جائزة في مهرجان ساندانس الأميركي للسينما المستقلة- حكاية شابين من حمص، أحدهما الساروت.

كما تضمن ألبوم غنائي جمع أناشيد راجت خلال المظاهرات المناهضة للأسد في بدايات الثورة، أغنية “جنة” بصوت الناشط الراحل. وطُبعت صورته على طوابع بريدية رمزية صممها ناشطون معارضون في 2012 لتوثيق الاحتجاجات.

ولم تقتصر مشاركة الساروت في المظاهرات على مدينة حمص، بل شارك وأنشد خلال مظاهرات خرجت في مدن بالشمال السوري كمدينة إدلب، ضد هجمات قوات النظام السوري على مدينة حلب ثم على محافظة إدلب نفسها.

آخر مقطع مصور له، وأعتقد صور قبل اصابته بفترة قصيرة .. نعم الثائر الذي عرف متى يحمل آلة الموسيقى ويغني للثورة ومتى وقت البندقية والقتال.. كان بطل بالمظاهرات.. بطل الأغاني .. بطل بالقتال .. بطل بالشهادة.. تهجر من #حمص وبقي على العهد حتى استشهد

ضريبة كبيرة
دفع الساروت ضريبة كبيرة لمشاركته في الاحتجاجات ثم في المعارك ضد قوات النظام السوري.

فقد قتل خمسة من إخوته برصاص النظام، حيث قتل الأول بحي الخالدية في 2011، والثاني في 2013، ثم قتل اثنان معا في 2014 في أواخر الحصار على حي الخالدية بحمص، في حين قتل أخوه الخامس في إدلب متأثرا بإصابات سابقة.

ووفق ناشطين، فإن والده قتل أيضا جراء القصف، في حين أن والدته فقدت بدورها خمسة من أشقائها.

وفي مقابلة أجراها معه ناشطون، روى الساروت مسيرته منذ اندلاع الثورة، ومن التفاصيل التي ذكرها أن قوات النظام قتلت اثنين من أشقائه وأخا له من الرضاعة خلال عملية دهم لمنزلهم بحمص، وكان النظام السوري قد عده منذ الأيام الأولى ضمن من يصفهم بالخونة، ورصد مكافأة لمن يبلغ عنه.

ومما رواه الساروت في المقابلة نفسها أنه بات مهددا بالاغتيال في أي لحظة، لذلك حمل السلاح دفاعا عن نفسه.

وبعد قمع النظام الدامي لمظاهرات مدينة حمص، تشكلت كتائب مسلحة تابعة للمعارضة بينها “كتيبة شهداء البياضة”.

وبعد مقاومة استمرت نحو سنتين ونصف السنة تعرض خلالها مئات المقاتلين وعائلاتهم للتجويع، تم في 2014 إجلاء المعارضة المسلحة نحو ريف حمص الشمالي، قبل أن يُهجّر لاحقا إلى الشمال السوري.

وكان الساروت ممن هُجّروا نحو الريف الشمالي، وهناك اشتبك مع جبهة النصرة التي اتهمته بموالاة تنظيم الدولة الإسلامية، وهي تهمة نفاها الرجل في حينه، ثم انتقل إلى تركيا وظل فيها أكثر من سنة ليعود مجددا إلى سوريا وينخرط في جبهات القتال ضد النظام بالشمال السوري.

لقاء مع عبدالباسط الساروت أبو جعفر من الخطوط الأولى على جبهات ريف حماة قبلَ إصابته
شافاك الله و عافاك يا بطل طهور إن شاء الله .

التعلق بالثورة
وفي واحدة من عدة مقابلات أجريت معه، قال الساروت إن قلبه تعلق بالثورة لأنها ثورة عزة وكرامة على حد وصفه، مضيفا أن التضحيات ومنها التهجير المستمر من منطقة إلى أخرى هي ثمن قليل للحرية.

كما قال إن الثورة ستعود من جديد، كما انطلقت من درعا، حتى لو سيطر النظام على ما تبقى من مناطق للمعارضة.

واشتهر الساروت بأنه ليس ممن يحبون المديح، فقال في مقابلة منشورة بمواقع التواصل الاجتماعي “يقولون عني إني حارس الثورة ولكن الثورة لها حراس.. ويقولون عني منشد الثورة وللثورة منشدون”.

وأضاف معبرا عن تواضعه “أنا شخص من هذه الثورة ولا أحب التمجيد وضد تمجيد أي قائد وإنما التمجيد للشهيد والجريح والأسير”، مؤكدا أن الثورة لم تكن طائفية بل قامت ضد الطغيان.

الجزيرة