السودان… بين العاصفة الشعبية والضغط الدولي

السودان… بين العاصفة الشعبية والضغط الدولي

صبيحة الاثنين الثالث من يونيو (حزيران) وعشية عيد الفطر المبارك، انهال الرصاص ليحصد أرواح المئات من الشباب والنساء والأطفال وكبار السن المعتصمين أمام القيادة العامة للجيش السوداني منذ السادس من أبريل (نيسان) الماضي. وتقول «لجنة أطباء السودان المركزية»، وهي تكوين مهني رئيسي من مكوّنات الثورة السودانية، إن حصيلة ضحايا الهجوم حتى ليلة أمس (الجمعة) بلغ 113 قتيلاً، انتشلت جثامين أكثر من 40 منهم من نهر النيل. وتضيف اللجنة ونشطاء يعملون في مداواتهم، أن أعداد الجرحى والمصابين تجاوز 400 جريح ومصاب، لا يجدون العلاج اللازم لقلة عدد الأطباء والكوادر الصحية، وشح الأدوية والمحاليل المنقذة للحياة؛ ما يهدد بارتفاع أعداد القتلى.

من جهة أخرى، قرأ مراقبون سياسيون في الزيارات والاتصالات الخارجية، التي سبقت التطورات الأخيرة، التي قام بها أركان المجلس العسكري – بما فيها حضور رئيسه الفريق أول عبد الفتاح البرهان على رأس وفد رفيع في قمتي «مكة» العربية والإسلامية – عملية صياغة أوليات السياسة الخارجية السودانية، باتجاه بناء علاقات قوية مع الشركاء الإقليميين، وبخاصة في دول الخليج العربية ومصر، لكن بمنأى عن التدخل الخارجي بالشأن السوداني الداخلي.

أطلقت «لجنة أطباء السودان» في بيان صدر أمس «مناشدة إنسانية عاجلة» إلى الأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، والمنظمات الصحية الإقليمية والعالمية، اتهمت فيه المجلس العسكري الانتقالي «بمواصلة القتل والبطش والترويع… في طرقات الخرطوم وغيرها من مدن السودان». وأضافت في بيانها أنه «مع التعتيم الذي يمارسه المجلس العسكري بقطع خدمات الإنترنت وشبكات التواصل في السودان، تجري عمليات الحصر للضحايا وتقديم المساعدة الطبية في ظروف بالغة الصعوبة».

«اللجنة» ذكرت أن عدد القتلى الذين تمكن الأطباء من حصرهم وبإشرافها بلغ حتى نهار أمس 113 شهيداً، بينما تتكدّس أرتال الجرحى والمصابين في المستشفيات الحكومية والخاصة، التي تعاني شحاً شديداً في معينات تقديم الخدمات الطبية من محاليل وريدية وأدوية منقذة للحياة، وكذلك شحاً في الكادر الطبي. ونددت «اللجنة» بما وصفته بـ«التضييق الممنهج الممارس على الأطباء والكوادر الطبية… مع محاولة سد الطرق أمامهم من الوصول إلى المستشفيات، ومن ثم مهاجمتهم داخل المؤسسات الصحية، عند معالجة أبناء شعبهم، وإغلاق 5 مستشفيات رئيسية كلياً، ومستشفيين رئيسيين جزئياً… ما قد يؤدي إلى فقدان المزيد من الأرواح».

هذا، على صعيد التطورات الأمنية الأخيرة، أما على الصعيد السياسي فقد استدعت هذه التطورات تحرّكات أفريقية وخطوات دولية عاجلة لنزع فتيل الانفجار. إذ واجه المجلس العسكري ضغوطاً دولية، آخرها إصدار الاتحاد الأفريقي قراراً قضى بتجميد عضوية السودان على الفور، ودعوته إلى تسليم السلطة إلى المدنيين ومحاسبة المسؤولين عن أعمال العنف الأخيرة. كذلك تزايدت الضغوط الغربية الممثلة في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، التي دعت المجلس إلى تسليم السلطة إلى المدنيين، وهدّدت بفرض عقوبات على المسؤولين عن قتل المحتجين السلميين. وفي هذا السياق، بدأت وساطة أفريقية بقيادة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الذي وصل الخرطوم أمس، للقاء المجلس العسكري وقوى «إعلان الحرية والتغيير»؛ بحثاً عن حل للمأزق السوداني.

من الواضح أن المجلس العسكري كان قد سعى من وراء زيارات قادته الأخيرة إلى حشد الدعم الخارجي لخططه في إدارة المرحلة الانتقالية. وفي هذا الإطار، جاءت عبارات مثل «تنوير (توضيح) تطورات الأوضاع بالسودان وجهود المجلس العسكري للوصول إلى حلول مُرضية مع قوى الحراك الثوري»… وكذلك «الشكر على المساندة والدعم المقدم للسودان لتجاوز المرحلة الراهنة»، عاملاً مشتركاً في كل البيانات الصادرة عن المجلس عقب الزيارات. وهنا، يقول الدكتور حامد التجاني، أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأميركية في القاهرة – وهو سوداني الجنسية: إن المجلس العسكري في ورطة حالياً بسبب تعثره في الوصول إلى اتفاق مع القوى الثورية؛ ولذا فهو يغازل المجتمع الدولي والدول الرئيسية في المنطقة خاصة مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وهي بالطبع دول مهمة وأساسية ومحورية بالنسبة للسودان، ومن المهم أن تتفهم ماذا يجري في السودان. لكن من ناحية أخرى، فإن المجلس العسكري، وفقاً للتجاني، يسعى إلى فرض الأمر الواقع، والتأكيد أنه يمثل السيادة في السودان، وأنه يحظى بتأييد من الخارج، يعزّز استمراريته في إدارة المرحلة الانتقالية، فضلاً عن رغبته في الحصول على دعم مالي من دول الخليج.

– قصة بدايات الثورة

الجدير بالذكر، أن الاحتجاجات والمظاهرات في السودان انطلقت يوم 19 ديسمبر (كانون الأول) 2018، وكانت عفوية ومطلبية مندّدة بارتفاع أسعار السلع والخدمات، وانخفاض قيمة الجنيه السوداني، وندرة العملات المحلية والأجنبية والمحروقات بادئ الأمر. واندلعت مظاهرات في مدينة الدمازين (جنوب البلاد)، ثم انتقلت إلى مدينة عطبرة (الشمال)، ومدينة بورتسودان (الشرق)، واجهتها سلطات أمن الرئيس المعزول بعنف مفرط أدى إلى مقتل عشرات المحتجّين السلميين.

العنف المفرط في قمع المظاهرات أثار غضب المحتجين، فأحرق بعضهم مكاتب حزب «المؤتمر الوطني» الذي يترأسه الرئيس المعزول عمر البشير، وبعض المنشآت المرتبطة به، وبهذا انتقلت من المطلبية إلى المطالبة بتنحية البشير وحكومته على الفور. وبعد أيام من عمليات القتل الممنهج واستخدام العنف المفرط ضد المحتجين، نشطت بين الشباب دعوات للانضمام للحراك في مدن السودان المختلفة للمطالبة بعزل البشير وتنحية حكومته، وبمواجهة تعنّت السلطات تزايدت وتيرة الاحتجاج، فاضطرت إلى تعليق الدراسة في الجامعات والمدارس بمختلف مراحلها.

غير أن إغلاق مؤسسات التعليم لم يخفّف من حدة الاحتجاجات، فاضطر البشير إلى إعلان حالة الطوارئ وفرض حظر التجوال طوال الليل، وحلّ الحكومة وتكوين حكومة ذات طابع عسكري، لكن هذه القرارات زادت «الطين بلة»، فارتفعت حدة الغضب والغليان الشعبي.

كذلك، لم تفلح محاولات حكومة البشير وأجهزة أمنه، في التخفيف من حدة المظاهرات، ولم تفلح محاولة رئيس جهاز الأمن السابق صلاح عبد الله (قوش) ربط الاحتجاجات بـ«الموساد» ومسلحين تلقوا التدريب هناك في إثناء المحتجين والمتظاهرين. وبعد أيام من الاحتجاج العفوي، تصدّى «تجمع المهنيين السودانيين» لقيادة الاحتجاجات وتنظيمها، وبذلك انتقل بالاحتجاجات من مطلبية إلى احتجاجات ذات مطالب سياسية سقفها تنحي البشير وحكومته على الفور. وفي سبيل ذلك، نظم مواكب معلنة وحدّد مواقيت وأماكن تجمعات المحتجين، والهدف الذي تقصده، وهو تسليم مذكرة للقصر الرئاسي تطالب البشير وحكومته بالتنحي.

أجهزة الأمن، عند هذه النقطة، حالت دون وصول المواكب للقصر الرئاسي والبرلمان، واستخدمت في ذلك عنفاً مفرطاً، تضمن إطلاق قنابل الغاز المدمع بكثافة، واستخدام الهراوات في ضرب المحتجين، وإلقاء القنابل الصوتية للترويع، ولما أخفقت كل هذه الإجراءات أطلق الرصاص الحي على صدور المحتجين.

– « تجمّع المهنيين السودانيين»

«تجمع المهنيين السودانيين» الذي نظم الاحتجاجات، تجمّع مهني كان يسعى إلى تحسين شروط الخدمة وزيادة الأجور، لكنه، عشية انطلاقة الاحتجاجات انتقل إلى المطالبة بـ«إسقاط نظام البشير»، وقاد المظاهرات المطالبة بعزل البشير وتنحية حكومته. وفي يناير (كانون الثاني) المنصرم، تشكّل تحالف قوى «إعلان الحرية والتغيير»، وانضمت ثلاثة تحالفات معارضة رئيسية، هي «تحالف قوى الإجماع الوطني»، و«تحالف نداء السودان»، و«التجمع الاتحادي المعارض»، وقوى مدنية أخرى، إلى «تجمع المهنيين السودانيين» وقادوا الاحتجاجات والمواكب معاً منذ ذلك الوقت.

أمام تصاعد الاحتجاجات ازداد القمع الممنهج الذي دأب نظام البشير على ممارسته؛ ما أدّى إلى زيادة حالات قتل الثوار. غير أن القمع لم يُجدِ نفعاً، فاضطر رأس النظام إلى إعلان حالة الطوارئ العامة في البلاد لمدة سنة، وألحقها بأربعة مراسيم طوارئ، حظر بموجبها التجمّعات والإضراب والاحتجاج، واعتبره جريمة تصل عقوبتها السجن 10 سنوات مع الغرامة. وبموجب أوامر الطوارئ أنشأ النائب العام نيابات خاصة بالطوارئ، وأنشأ رئيس القضاء «محاكم طوارئ»، مارست عملها على الفور، وأصدرت أحكاماً بالسجن والغرامة على محتجين، تراوحت بين السجن لأشهر وسنوات مع الغرامة، خضعت لها أعداد كبيرة من المحتجين الذين ألقت أجهزة الأمن القبض عليهم عشوائياً.

في المقابل، استفاد «تجمع المهنيين السودانيين» من الاستجابة الواسعة والقبول الشعبي، الذي وظفه في الدعوة لتحدي حالة الطوارئ ومواصلة التظاهر. ثم كلف عدداً كبيراً من المحامين المتطوعين للدفاع عن المحتجين أمام محاكم الطوارئ، فكوّنوا لجان دفاع ترابض أمام محاكم الطوارئ على مدار اليوم، إضافة إلى المسارعة بدفع الغرامات التي تفرض على المحتجين؛ ما أفشل خطط النظام في استخدام الجهاز القضائي أداة سياسية لمواجهة المحتجين والثوار.

طوال أربعة أشهر من المظاهرات والمواكب الاحتجاجية، حصد رصاص قوات الأمن أرواح أكثر من 70 قتيلاً في مختلف أنحاء السودان، وأدى إلى جرح وإصابة المئات، لكن الرصاص لم يفلح في وقف المد الثوري، بل زاد حدة الغضب الشعبي واتساع دائرته.

ويوم 6 أبريل الماضي، واحتفاء بذكرى «انتفاضة أبريل 1985»، التي أطاحت بالرئيس الأسبق جعفر النميري، توجهت أعداد كبيرة من المحتجين والمتظاهرين نحو القيادة العامة للجيش، لمطالبته بالانحياز للشعب أسوة بما فعله في السابق. وسريعاً، تحوّلت المواكب الكبيرة التي وصلت قيادة الجيش إلى «اعتصام مفتوح» في المكان، الذي يجاور قصر الضيافة، حيث مسكن البشير. ولم تفلح محاولات أجهزة الأمن في فضه بالقوة، ورغم مقتل أكثر من خمسة محتجين، فإن «الثوار» واصلوا الصمود والاعتصام.

وأثناء ذلك حاولت «ميليشيات وكتائب» تابعة للنظام فض الاعتصام بالقوة ليلاً، لكن ضباطاً وأفراداً في الجيش السوداني تصدّوا للمهاجمين واشتبكوا معهم بالرصاص لحماية المتظاهرين، وقُتل في الاشتباكات عدد من العسكريين، وألقت قيادة الجيش القبض على عدد من الضباط من ذوي الرتب الصغيرة ووضعتهم في الحبس بتهمة «التمرّد» بحماية المتظاهرين.

– اعتقال البشير

واصل مئات الآلاف الاعتصام حتى يوم الخميس 11 أبريل، وفيه أصدرت القيادة العامة للجيش السوداني، بياناً أعلنت فيه اعتقال الرئيس البشير وتشكيل «مجلس عسكري انتقالي» بقيادة وزير الدفاع ونائب البشير، عوض بن عوف ليقود البلاد لمدة سنتين، وعلّقت بموجب ذلك الدستور وفرضت حالة الطوارئ لثلاثة أشهر، وحلّت الحكومة المركزية والحكومات الولائية والمجالس التشريعية، وفرضت حظر التجوال لمدة شهر.

لكن المحتجين لم يقنعوا بالخطوات التي اتخذتها قيادة الجيش واعتبروها انقلاباً دبّره رموز النظام القديم، وواصلوا الاعتصام الذي تزايدت أعداد المشاركين فيه لتبلغ الملايين، مطالبين بتنحّي ابن عوف ومجلسه. وحقاً، بعد مرور ساعات من الاحتجاجات المناوئة له، اضطر نائب البشير السابق إلى التنازل عن رئاسة المجلس العسكري وعيّن المفتش العام للجيش – وقتها – الفريق أول عبد الفتاح البرهان مكانه.

لم يوقف تنحي ابن عوف الاحتجاجات والمظاهرات والاعتصام، بل توافدت أعداد كبيرة إضافية إلى المنطقة قرب قيادة الجيش، للضغط على العسكريين لتسليم السلطة للمدنيين. وأثناء ذلك، توافدت أعداد كبيرة من المواطنين من ولايات السودان الأخرى إلى العاصمة الخرطوم للمشاركة في الاعتصام، وأبرزها وصول «قطار» محمل بالمحتجين آتٍ من مدينة عطبرة التي أشعلت الشرارة الأولى للاحتجاجات. وعلى الفور أقام المعتصمون الخيام ومنصات الخطابة، وأقاموا العيادات الميدانية، في حين توافد محتجون من أقاليم البلاد المختلفة، كل إقليم له خيمته التي يفاخر من خلالها بمشاركته في الثورة. وتزايدت الكثافة المعتصمة وضغطها على المجلس العسكري الانتقالي، وانضم إلى المعتصمين بمواكب شبه يومية تتجه نحو الاعتصام، المحامون والقضاة والأطباء والصحافيون والصيادلة والأحياء، وغيرهم.

على الأثر، اضطر المجلس العسكري الانتقالي إلى الدخول في تفاوض مع قوى «إعلان الحرية والتغيير» التي تقود الاحتجاجات، اتفقوا خلاله على فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات، ومجلس وزراء من 17 وزيراً تعيّنه «قوى إعلان الحرية والتغيير»، ومجلس تشريعي (برلمان) انتقالي 67 في المائة منه من نصيب «الحرية والتغيير»، بيد أن الطرفين اختلفا على نسبة التمثيل في مجلس السيادة. فالعسكريون في المجلس الانتقالي أصروا على مجلس سيادة عسكري بتمثيل مدني محدود برئاسة عسكرية، بينما أصرت قوى «الحرية والتغيير» على مجلس سيادة مدني وبرئاسة مدنية وتمثيل عسكري محدود.

وفي الثامن من رمضان، وعلى الرغم من إعلان الطرفين التوصل إلى اتفاقيات حول جلّ القضايا الخلافية، هوجم المعتصمون وقتل ثمانية منهم، فيما عرف بـ«أحداث الثامن من رمضان». وإثرها أعلنت قوى «الحرية والتغيير» تعليق التفاوض مع المجلس العسكري، بعدما اتهمته بالحنث بوعده ومحاولة فض الاعتصام بالقوة، ودعت لمليونية أطلقت عليها مليونية «السلطة المدنية»، شارك فيها مئات الآلاف من السودانيين، وتعهدوا باستمرار الاعتصام طوال شهر رمضان.

وفي صباح الثالث من يونيو الحالي، تعرّض مكان الاعتصام لهجوم أكبر وأعنف، اتهمت قوى «الحرية والتغيير» به «قوات الدعم السريع» أدى إلى سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى، وفض الاعتصام. وبعد الدعوة إلى إقامة المتاريس في الطرق الرئيسية بمختلف شوارع العاصمة وأنحاء البلاد، وطلبت منهم الاعتصام بمنازلهم، ظهر الفريق أول البرهان في التلفزيون الرسمي، وأعلن وقف التفاوض مع قوى «الحرية والتغيير»، وألغى الاتفاقيات السابقة معها، ودعا إلى انتخابات في غضون 9 أشهر، واصفاً ما يحدث بأنه عمليات «تنظيف للشارع»، كما اتهم قوى «الحرية والتغيير» بمحاولة احتكار السلطة، وتعهد بتسليم السلطة لمن أسماه «من يرتضيه الشعب». وجاء الرد بإعلان هذه القوى بدء عصيان مدني وإضراب سياسي شامل في عموم السودان.

– مخاوف سياسية… تقابلها طمأنة بأن لا نية للتدخل في الشأن الداخلي

عودة إلى الشق السياسي، وبالتحديد الزيارات والاتصالات الخارجية؛ إذ يرى متابعون أن هذه الزيارات أثارت قلق قوى «الحرية والتغيير» التي تتخوف من أن تكون محاولة لتمكين المجلس العسكري من مواصلة حكم البلاد، وفتح الباب للتدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية السودانية.

لكن مصر، وفق بعض من تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» في العاصمة المصرية القاهرة، سعت إلى طمأنة الشعب السوداني بأنها لا تسعى لفرض إراداتها أو التدخل في شؤون الداخلية. وهو ما ظهر في أكثر من مناسبة، منها البيان الرئاسي المصري الذي أعقب لقاء السيسي والبرهان، والذي أكد «دعم مصر الكامل لأمن واستقرار السودان، ومساندتها للإرادة الحرة ولخيارات الشعب السوداني في صياغة مستقبل بلاده، والحفاظ على مؤسسات الدولة». وكذلك «استعداد مصر لتقديم كل سبل الدعم للأشقاء في السودان لتجاوز هذه المرحلة بما يتوافق مع تطلعات الشعب السوداني بعيداً عن التدخلات الخارجية».

ووفق السفيرة منى عمر، فإن مصر «سعت منذ بداية الاحتجاجات إلى النأي بنفسها من التدخل في الشأن السوداني»، مؤكدة أن موقفها هو «فقط تقديم الخبرات ورؤيتها للمرحلة الانتقالية من خلال تجربتها؛ إذ إن مصر تمتلك استراتيجية واضحة حققت طفرة في الاستقرار والتحول الاقتصادي، وهناك فرق بين التدخل أو الإملاء وبين تقديم النصيحة والمشورة، فلا يستطيع أحد فرض إرادته على دولة أخرى»، وفقاً للسفيرة.

وتجدر الإشارة إلى أن وفداً من «تجمع المهنيين السودانيين» المعارض التقى السفير المصري في الخرطوم حسام عيسى بنهاية مايو (أيار) الماضي، وأكد السفير للوفد أن مصر لا تسعى لفرض أي نموذج أو تجربة على السودان. وكتب «تجمع المهنيين» على حسابه على موقع «تويتر»، أن اللقاء بدأ «بتأكيد السفير على مبادئ أساسية تضمنت التزام مصر بعدم التدخل في الشأن السوداني، وعدم سعيها لفرض أي نموذج أو تجربة على الوضع في السودان، وتفهمها لاختلاف التفاصيل والتجارب بين الدولتين». كذلك، قال السفير إن «مصر تدعم خيارات الشعب السوداني وستتعامل وتتعاون بشكل كامل مع من يختاره السودانيون». وذكر التجمع أنه عرض موقفه في التطورات الأخيرة، واستعرض مبرّرات ضرورة وجود سلطة مدنية انتقالية ومجلس سيادة ذي طابع مدني باعتباره أحد المطالب الجماهيرية للثورة. وشدد على «ضرورة أن تكون العملية السياسية التي تجري في السودان حالياً ذات طابع سوداني خالص وغير متأثرة بسياسات أي من المحاور الخارجية».

أخيراً، ينصح الدكتور حامد التجاني المجلس العسكري الانتقالي، ومن بعده مَن في السلطة بالخرطوم، بضرورة البعد عن سياسة المحاور التي أضرت كثيراً بالسودان، وإقامة علاقات متوازنة تقوم على حسن الجوار وتبادل المنافع مع الجميع وفق مصالحه الاستراتيجية، البعيدة عن التوتر المضر للسودان. ذلك أن الشعب، وفقاً للأكاديمي السوداني، «وضع حداً لسياسة المحاور التي اتبعها النظام السابق، ولا يرغب في تكرارها».

الشرق الاوسط