أزمة المناطق السنية العراقية تمهّد للميليشيات إحكام السيطرة عليها

أزمة المناطق السنية العراقية تمهّد للميليشيات إحكام السيطرة عليها

موجة الحرائق والعمليات الإرهابية التي عادت لتضرب بقوّة المناطق السنية العراقية مع بداية فصل الصيف، تشكّل أفضل نموذج عن “تبادل الخدمات” غير المقصود بين تنظيم داعش والميليشيات الشيعية الموالية لإيران، إذ أنّ من مصلحة الطرفين معا إحداث أزمة في تلك المناطق وإضعاف سكانها لتسهيل اختراقها والسيطرة عليها.

بغداد – تسود المناطق السنية بشمال وغرب العراق أجواء أزمة حادّة متعدّدة المظاهر تشيع حالة من السوداوية والتشاؤم مضادّة تماما لآمال عودة الاستقرار وبدء الإعمار التي كانت قد بعثتها في نفوس الأهالي نهايةُ الحرب ضد تنظيم داعش قبل نحو سنتين.

وشهدت مناطق بشمال العاصمة بغداد وفي محافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك والأنبار ونينوى خلال الأيام الماضية أحداثا أمنية دامية أشاعت حالة من الخوف بين السكان من سيناريو عودة داعش إلى تلك المناطق، وحفزت العديد من الأهالي للنزوح مجدّدا عن مناطقهم، فيما تعمّقت الأزمة بموجة غير مسبوقة من الحرائق بالحقول الزراعية أتت على الآلاف من الهكتارات من محاصيل الحنطة والشعير الجاهزة للحصاد، وأثارت الأسئلة عن الجهة التي تقف وراءها والطرف المستفيد منها.

ويشار بإصبع الاتهام في الوقوف وراء الهجمات والحرائق إلى خلايا تنظيم داعش النائمة، لكن الكثير من العراقيين لا يتردّدون في القول إنّ المستفيد من خلق أزمة أمنية واجتماعية في المناطق السنية هم قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية ومن ورائهم إيران المعنية بإعادة إحكام القبضة عن طريق وكلائها المحلّيين على تلك المناطق في إطار صراع التموضع على الأراضي السورية والعراقية بين طهران وواشنطن.

وكان النائب رعد الدهلكي أكثر وضوحا في تحميل الميليشيات مسؤولية ما يجري في ديالى، محذّرا من خطورة فرض ميليشيات مسلحة سطوتها على المحافظة، وداعيا رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي إلى التدخل الفوري لإنهاء حالة الفوضى عبر إرسال قوات من بغداد.

وكان تحالف القوى العراقية قد طالب الأسبوع الماضي رئيس الوزراء بالتدخل لإيقاف ما وصفها بعمليات تهجير قسري تطال المدنيين في ديالى، وذلك بعد تسجيل موجة نزوح من قبل أهالي قرية أبوالخنازير في ناحية أبي صيدا بمحافظة ديالى، بعد مقتل ثلاثة من أبنائها على يد ميليشيات قالوا إنها قريبة من فصائل الحشد الشعبي المكوّن في غالبيته العظمى من ميليشيات شيعية.

وتكتسي محافظة ديالى بموقعها في شمال شرق بغداد وعلى الحدود مع إيران أهمية قصوى للأخيرة كحزام أمني لها، وكثيرا ما شكا سكّانها من التعرّض لضغوط شديدة من قبل الميليشيات الشيعية، في إطار ما يعتبره البعض مخطّطا لإحداث تغيير ديموغرافي فيها.

وفي محافظة صلاح الدين المجاورة، تمّ تسجيل تحرّكات كثيفة لفصائل الحشد إثر هجمات منسوبة لتنظيم داعش. وقال سكّان محلّيون إنّ الميليشيات الشيعية بصدد إعادة التموضع وإحكام السيطرة على تكريت مركز المحافظة.

ولا تزال تلك الميليشيات التي ساهمت بفاعلية في استعادة مناطق صلاح الدين من تنظيم داعش تشارك في مسك الأرض بالمحافظة وتثير التوتّر بين سكانها بممارساتها الانتقامية والطائفية، وتتنافس في ما بينها على ابتزازهم وسلب أموالهم بعدّة طرق من بينها فرض إتاوات عليهم، وهو ما أكّده في وقت سابق قائم مقام قضاء الشرقاط بشمال تكريت علي دودح عندما كشف أنّ عناصر من الحشد الشعبي يفرضون دفع الأموال على المارّين عبر نقطة تفتيش أقاموها على طريق رئيسية جنوبي القضاء.

وتشمل حالة التوتّر محافظة نينوى بشمال العراق، وهي بدورها موضع جهد استثنائي من فصائل الحشد الشعبي للسيطرة عليها أمنيا وإداريا نظرا لأهمية موقعها كنقطة ربط رئيسية بين الأراضي العراقية والسورية.

ومؤخرا حقّقت تلك الميليشيات نصرا نوعيا في صراع السيطرة على نينوى بنجاحها في إيصال شخص مقرّب منها إلى منصب المحافظ، وهو منصور المرعيد المنتمي لحركة عطاء التي يرأسها فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي.

وفي خطوة أخرى لا تقلّ أهمية عن استيلاء الميليشيات الشيعية على منصب المحافظ، تمّت إزاحة أقوى شخصية عسكرية في المحافظة ويتعلّق الأمر باللواء نجم الجبوري قائد عمليات نينوى الذي أحيل على التقاعد وعُيّن مكانه اللواء نومان الزوبعي، وذلك رغم المطالبات العديدة بالتمديد له نظرا لكفاءته ومهنيته وإلمامه بالوضع العسكري والأمني في المحافظة ودوره الكبير في إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش.

ولا تزال نينوى منذ الإعلان الصيف قبل الماضي عن استعادة مركزها مدينة الموصل بالكامل من تنظيم داعش تعيش أوضاعا أمنية متوتّرة بسبب تواصل الهجمات المتقطّعة لتنظيم داعش، وسلوكات الميليشيات الشيعية المشاركة في مسك أراضي المحافظة، إضافة إلى تعثّر عملية إعادة الإعمار وترميم البنى التحتية التي لحق بها دمار كبير أثناء الحرب على التنظيم المتشدّد والتي دارت فصول دامية منها داخل الأحياء السكنية لمدينة الموصل.
l
ولم تمنع تلك الأوضاع النازحين فقط من العودة إلى مناطقهم بنينوى، بل لا تزال تدفع أعدادا متزايدة من السكّان للنزوح.

وجاءت موجة الحرائق التي طالت نينوى كما العديد من المحافظات العراقية الأخرى لتعمّق الأزمة. وأفاد مصدر محلي في المحافظة، الأحد، بنشوب حريق كبير في قرى غرب الموصل طال مساحات زراعية واسعة في تلك القرى مشيرا إلى “نزوح الأهالي من قرى أم الخباري وخازوكة والساير بسبب وصول ألسنة اللهب إلى منازلهم”.

وتعمّق موجة الحرائق التي طالت على نحو خاص محافظات سنية بالعراق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في تلك المناطق وتكرّس حالة الضعف التي يعانيها المكوّن السنّي قياسا بالمكوّن الشيعي الذي يسيطر قسم منه على مقاليد الدولة، رغم أن طبقاته الشعبية لا تقل معاناة عن باقي شرائح المجتمع العراقي. وتشير أغلب التوقّعات إلى وقوف فلول تنظيم داعش وراء إشعال أغلب تلك الحرائق، لكنّ عراقيين يقولون إنّ مصلحة التنظيم في إحداث أزمة داخل المحافظات السنية تلتقي تماما مع مصلحة الميليشيات الشيعية الموالية لإيران التي كثيرا ما تذرّعت بالتنظيم نفسه لغزو المناطق السنية والسيطرة عليها.

ويقول أثيل النجيفي محافظ نينوى الأسبق إنّ “مشروع الثورة الإيرانية في العراق سمح للإرهاب بالسيطرة على المناطق الرافضة له واعتمد على إيران كعمق استراتيجي لاستعادة تلك المناطق بعد استكمال حرقها وسحق مجتمعها، ودائما الانتماء لحزب البعث وداعش هي التهمة الجاهزة لكل مخالف”.

العرب