عهد جديد في كردستان العراق يرمم العلاقات مع الخارج ويعمق خلافات الداخل

عهد جديد في كردستان العراق يرمم العلاقات مع الخارج ويعمق خلافات الداخل

المقبولية التي يحظى بها الرئيس الجديد لإقليم كردستان العراق نيجيرفان البارزاني من قبل بغداد وعدد من عواصم الإقليم والعالم، والتي تجلّت خلال مراسم تنصيبه الإثنين، ليست كافية لضمان رئاسة ناجحة له، فأمامه العديد من المشكلات الداخلية التي يتوجّب عليه حلّها بدءا من المسائل الاقتصادية والاجتماعية، ووصولا إلى الخلافات العميقة بين حزبه الديمقراطي الكردستاني وشريكه التقليدي وفي نفس الوقت منافسه العنيد، حزب ورثة جلال الطالباني.

أربيل (العراق) – ترافق التنصيب الرسمي لنيجيرفان البارزاني رئيسا لإقليم كردستان العراق مع ترويج قوي لفكرة انطلاق عهد جديد في الإقليم الذي يمثّل الكيان الوحيد في المنطقة الذي يحظى فيه الأكراد بوضع أقرب إلى الحكم الذاتي واسع الصلاحيات.

وبدا من خلال الحضور الكثيف ورفيع المستوى من داخل العراق وخارجه أنّ صفحة جديدة تفتح بالفعل في علاقات الإقليم بالدولة المركزية العراقية وأيضا ببعض العواصم الإقليمية، لتطوى بذلك صفحة أكبر هزّة شهدتها تلك العلاقات بسبب محاولة الانفصال التي أقدم عليها الرئيس السابق مسعود البارزاني من خلال تنظيمه في خريف سنة 2017 استفتاء على استقلال الإقليم، الأمر الذي أثار غضبا عارما في بغداد وطهران وأنقرة ودفعها للتعاون معا بسرعة وفعالية لإحباط المسعى الاستقلالي لأكراد العراق.

غير أنّ المفارقة التي برزت مجدّدا أن نيجيرفان المقبول عراقيا وإقليميا ودوليا، لا يحظى بذات الإجماع في داخل الإقليم الذي يترأسه، إذ أذكى اختياره ليخلف عمّه مسعود في سدّة الرئاسة التنافس الشديد على المناصب بين الحزبين الديمقراطي الكردستاني بقيادة آل البارزاني، وبين الشق التابع لورثة الرئيس العراقي الأسبق جلال الطالباني في حزب الاتحاد الوطني.

وبدا مجدّدا أن أسرة البارزاني بصدد القبض على أهم المناصب في الإقليم؛ منصب الرئيس الذي آل إلى نيجيرفان، ومنصب رئيس الوزراء الذي سيذهب لمسرور نجل الرئيس السابق مسعود البارزاني، فضلا عن رئاسة البرلمان التي تتولاها عضو الحزب الديمقراطي فالا فريد.

وبلغت حدّة الانقسام الداخلي في إقليم كردستان العراق حدّ بروز الثنائية التقليدية بين محافظة أربيل كمعقل تاريخي لآل البارزاني والسليمانية كمركز لآل الطالباني الذين لوّحت شخصيات محسوبة على حزبهم بخيار تقسيم الإقليم في حال واصل الحزب الديمقراطي التفرّد بقيادته.

وخرجت عملية اختيار الرئيس عن السياق التوافقي الذي كثيرا ما تمّ توزيع المناصب بين الحزبين وفقه، حيث عوّل حزب البارزاني هذه المرّة على قوّته في البرلمان، إذ انتخب نيجيرفان نهاية مايو الماضي رئيسا من قبل برلمان الإقليم بغالبية 68 صوتا من مجموع الأعضاء الحاضرين البالغ عددهم 81 من أصل 111 برلمانيا. وهذه المرّة الأولى التي يتمّ فيها اختيار رئيس لإقليم كردستان العراق عبر الانتخاب من قبل البرلمان.

وستعني سيطرة أسرة البارزاني على مقاليد الحكم في كردستان العراق، بالإضافة إلى ما تحمله من امتيازات، تحمّل مسؤولية حلّ مشكلات اقتصادية واجتماعية معقّدة سبق لها أن فجّرت خلال السنوات الماضية موجة احتجاجات شعبية عارمة في الإقليم.

وتمت مراسم أداء القسم، الاثنين، من قبل الرئيس البارزاني في قاعة سعد عبدالله بأربيل مركز إقليم كردستان العراق بحضور الرئيس العراقي برهم صالح ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي والعديد من الوفود والمسؤولين والشخصيات من العراق والعالم.

تركيا تواصل التعامل مع إقليم كردستان العراق كأمر واقع بالعمل على احتوائه واستغلاله اقتصاديا وتوظيفه أمنيا

وإلى جانب زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيس إقليم كردستان العراق السابق مسعود البارزاني، ألقى كل من رئيس العراق برهم صالح ورئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي وممثل رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي كلمات خلال المراسم.

وشارك كل من وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو ووزير الخارجية الألماني هايكو ماس ورئيس تيار الحكمة عمار الحكيم والعديد من السفراء وقناصل دول العالم في العراق والإقليم، في المراسم.

ورغم خفوت نبرة الانفصال خلال الفترة الماضية، فإنّ الفكرة لم تكن غائبة عن مراسم تنصيب الرئيس الجديد التي تم التعامل معها من قبل الشخصيات الكردية العراقية كما لو أنّها مراسم تنصيب رئيس دولة مستقلة، وهو ما برز في سلوك رئيس الجمهورية العراقية برهم صالح الذي تعامل مع كردستان العراق كما لو أنه دولة جارة للعراق فذهب لحضور مراسم تنصيب رئيسها.

وإذا ما كان مسعود البارزاني الذي مني بهزيمة فادحة حين ألغيت نتائج استفتاء الانفصال عن العراق يحضر باعتباره رئيسا سابقا، فإن ما لا يُنسى أن الرجل هو صاحب فكرة ذلك الاستفتاء الذي أعلن الأكراد من خلاله عن رغبتهم في عدم البقاء ضمن دولة العراق.

وقال مسعود البارزاني في كلمته خلال مراسم أداء ابن أخيه وصهره اليمين القانونية “أدعو الحكومة الفيدرالية وحكومة الإقليم لإيجاد الحلول لكل المشكلات وخاصة في ما يخص المناطق المتنازع عليها لأن المشكلة تتعمق كل يوم”، مبينا “قد تكون هناك خطورة جدية بسبب هذا الوضع، وعن طريق التفاهم والمشاركة ما بين الجميع والإثنيات لا بد من إيجاد الحلول بموجب الدستور”.

وبرز خلال تنصيب نيجيرفان، التمثيل التركي الرفيع على مستوى وزير الخارجية الذي هنّأ “الرئيس المنتخب لإقليم شمال العراق نيجيرفان البارزاني”، قائلا “ينبغي علينا التركيز في الأيام المقبلة على المشاريع الملموسة ومواصلة مكافحة منظمة بي كا كا الإرهابية”.

وتختزل هذه العبارات على اقتضابها المنظور التركي لإقليم كردستان العراق بدءا من التسمية التي لا تعترف بأنّه إقليم للأكراد وتستعيض عن ذلك بالموقع الجغرافي للإقليم والتشديد على أنّه جزء من العراق يقع في شماله.

وتظل تركيا من أشد المعارضين لإنشاء دولة للأكراد في المنطقة على أي من أراضي الدول الإقليمية التي يتواجدون فيها، ومع ذلك لم تجد أنقرة بدّا من التعامل من كردستان العراق الذي فرض كأمر واقع، وذلك على سبيل تحجيمه ومنع تحوّله إلى دولة مستقلّة، والاستفادة منه اقتصاديا عبر شراء نفطه خارج رقابة الدولة العراقية وبأثمان بخسة، وكذلك أمنيا إذ أن سلطات كردستان العراق تمنح تركيا حرية شبهة مطلقة للتدخّل عسكريا على أراضي الإقليم لمطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني المصنّف من قبل أنقرة كتنظيم إرهابي، كما أنّ أربيل سمحت لتركيا خلال السنوات الماضية بإنشاء قواعد عسكرية دون الرجوع إلى الحكومة المركزية ببغداد وأخذ موافقتها.

العرب